محمد العبيكان: الكتاب متهم حتى تثبت براءته

مدير مكتبة العبيكان السعودية لـ«الشرق الأوسط»: الكتاب العربي لم يدخل مسرح الثقافة العالمية بسبب الرقابة والقيود

TT

قطعت مكتبة العبيكان السعودية، التي تمتلك سلسلة مكتبات منتشرة في المملكة، شوطاً هاماً في مجال نشر الكتاب. فبالرغم من عمرها الزمني القصير، أصدرت لحد الآن أكثر من الف عنوان أهمها تراجم الكتب الأجنبية، التي تعتبرها العبيكان مناسبة وضرورية للحوار بين الثقافات المتنوعة وتشييد جسر حضاري وثقافي بين الحضارات. وقد حصلت المكتبة على جائزة أفضل ناشر عربي في معرض الشارقة للكتاب عام .2001 عن تجربة العبيكان في مجال النشر، ومدى الإخفاق الذي يواجهه الكتاب العربي، ومشكلات القرصنة والرقابة، كان هذا الحوار مع مدير عام مكتبة العبيكان محمد العبيكان:

* متى تأسست المكتبة، وما هي الفكرة من تأسيسها؟

ـ تأسست مكتبة العبيكان عام 1991 لتكون احد فروع مجموعة العبيكان للاستثمار. والمقر الرئيس للمكتبة في مدينة الرياض وهي تحمل منذ تأسيسها أهدافاً كبرى لمشروع متكامل للثقافة والفكر.

كما أننا نأخذ قسطنا من المسؤولية في تقديم المادة المفيدة إلى القارئ العربي، وهناك معايير وأسس عند النشر لا بد أن تطبق على المادة العلمية قبل الموافقة على النشر. ونطمح لإيصال الكتاب العربي لكل قارئ في الوطن العربي وتقديم أفضل نموذج للكتاب العربي وإيصاله أيضاً إلى موقع الثقافة العالمية، وقد حصلت مكتبة العبيكان على جائزة أفضل ناشر عربي في معرض الشارقة الدولي للكتاب لعام .2001 وحصلنا على عدة جوائز أخرى منذ بداية النشر الذي لا يتجاوز الخمس سنوات تقريباً.

* ماذا قدمت «العبيكان» للمكتبة العربية في مجال الطباعة والنشر والتوزيع؟

ـ حرصت مكتبة العبيكان على تقديم أجود ثمرات المطابع، وبذلك تعتبر واحدة من أكبر المكتبات في العالم العربي والشرق الأوسط. وقد بدأت عام 1995 في دخول ميدان النشر، فأصدرت أكثر من ألف عنوان في مجالات علمية وثقافية ومعرفية متنوعة ومتخصصة في جميع المجالات. كذلك حرصت مكتبة العبيكان على توصيل مؤلفاتها للقارئ فقامت بافتتاح عدة فروع لها داخل المملكة، كما حرصت على المشاركة الفعالة في المعارض المحلية والدولية في الشرق والغرب.

* نود ان نعرف كم عدد الكتب التي تحتويها مكتبة العبيكان، وعدد العناوين، وكم يبلغ عدد الكتب التي نشرتها المكتبة، وتلك التي تسعى لطباعتها في المستقبل القريب؟ ـ تحتوي مكتبة العبيكان على أكثر من 100.000 عنوان من أهم الكتب والمراجع العربية والأجنبية، كما تحتوي على أكثر من 30.000 صنف من الأدوات المكتبية واللوازم المدرسية، وقد زاد عدد العناوين التي نشرتها عن ألف عنوان، ولدينا الآن أكثر من خمسمائة عنوان في الطريق إلى النشر في المدى القريب.

* عرف عنكم إهتمامكم بنشر الكتاب الأجنبي؟ ما هي أسباب هذا الاهتمام؟ وكم عدد الكتب الأجنية التي تم نشرها؟

ـ نحن ننظر إلى الثقافة والمعارف والعلوم نظرة شاملة، ونرى ضرورة جني الخير والفائدة من كل مصدر من مصادر الثقافة الأجنبية التي لها دورها في المعارف والثقافات والعلوم المعاصرة. وكما هو معروف، أسهم المسلمون الأوائل في ترجمة العلوم والمعارف التي قدمتها أمم قبلهم، فنقلوها نقلاً أميناً وحفظوها من الضياع، وقدموها إلى أمم الأرض. فكان إسهامهم ذلك جسراً حضارياً وثقافياً عظيماً هو من أسس بناء حضارات اليوم وكثير من الثقافات المعاصرة. وهنا نجد دورنا في حمل مسؤولية نقل الجيد من ثقافات العالم إلى القارئ العربي ليستعيد دور هذه الأمة الرائد، وليأخذ مكانه المناسب في المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية. لقد نشرنا تراجم لمائتي عنوان، صدر منها ستة وستون عنواناً والبقية تحت الطبع.

* هناك من يرى أن اختياركم للكتب الأجنبية يخضع لعنصر التسويق ،فاختفى الكتاب الفكري والتحليلي والسياسي والنقدي من مطبوعاتكم المترجمة؟

ـ لم تخضع اختياراتنا لعنصر التسويق قط، ولعلك تلقى نظرة على كتبنا المترجمة فتجد فيها توافر عناصر هامة هي: موضوع الكتاب وأهميته للقارئ العربي في ضوء ما يجري في العالم، وموقع المؤلف على الساحة الثقافية العالمية، ومدى الحاجة إلى الموضوع ولو تضارب ذلك مع احتمال رواج الكتاب أو عدم رواجه.

نعم، نحن نرغب في الربح كما يرغب فيه غيرنا، ولكن دون أن يخل ذلك بالأهداف الثقافية وخطوطنا الواضحة ورسالتنا المتميزة. ولاشك أن هناك اهتماماً كبيراً منا بالكتب الأكثر بيعاً والأوسع انتشارا عالمياً حتى نواكب الثقافة والركب العالمي وخاصة الغربي.

* وأين يقف الكتاب العربي؟ لماذا لم تتجه المكتبة لتشجيع الإنتاج الفكري العربي في مجال الطباعة والنشر؟

ـ إن ما نشرناه هو دليل ساطع على أننا شجعنا الإنتاج الفكري العربي ولكن الكتاب العربي عامةً لم يدخل مسرح الثقافة العالمية المعاصرة بشكل فعال حتى اليوم، وذلك لعدة عوامل أهمها: عامل الرقابة والقيود التي تفرض على الناشر والمؤلف على حد سواء، ومكتبتنا اتجهت فعلاً في نطاق النشر لإيصال الفكر العربي لكل قارئ عربي داخل الوطن العربي والعالم. فقد نشرنا أكثر من ثلاثمائة عنوان لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات واستقطبنا كبار المؤلفين السعوديين والعرب على حد سواء، وما زلنا ندعم ونشجع الإنتاج الفكري العربي الجيد.

* هل سعت المكتبة من أجل ترجمة بعض الإنتاج العربي للغات الأخرى؟

ـ بدأت مكتبة العبيكان فعلياً بمراسلة عدد من دور النشر العالمية وعدد من المترجمين بهدف تسويق بعض الكتب التي نرى أنها تحظى باهتمام عالمي بعد ترجمتها، ولا نعلم بعد مدى تفاعل القارئ الغربي عموماً مع كتاب مترجم من العربية ومع المادة المراد نشرها، ولكن هناك صعوبات كبيرة منها الترجمة إلى اللغة الأجنبية ونوعية القارئ الأجنبي، وقد قامت العديد من دور النشر العربية بترجمة العديد من الكتب الإسلامية إلى لغات أخرى..

* هل لديكم خطة فيما يخص مجال النشر الإلكتروني؟

ـ إن ما يقال عن مجال النشر الإلكتروني في العالم هو أكبر من واقعه الذي وصل إليه اليوم. وهذا لا يعني أننا نقف موقف المشاهد، فقد بدأنا بمساهمة فعلية بانشاء شركة «العبيكان للتقنية الثقافية»، وذلك في عام 1999 فأصدرت مكتبة متكاملة من برامج الكومبيوتر التعليمية والتربوية والتي تغطي مختلف جوانب ثقافة الطفل، ونحن في صدد إصدار منشوراتنا بنفس الطريقة، ومواكبة عصر التقدم والعملي والثورة في مجال الكومبيوتر والانترنت وما زال الطريق أمام النشر الإلكتروني طويلاً فما زال العالم في بدايته.

* وفيما يخص كتب الأطفال؟

ـ أولت مكتبة العبيكان اهتماماً كبيراً بالطفل العربي وأنتجت له كتباً وفق منهج تربوي تعليمي وإسلامي وسايرت الركب العالمي بالاهتمام بتحويل بعض إصداراتها إلى أقراص مدمجة CD فأصدرت له مكتبة متكاملة تغطي مختلف جوانب ثقافة الطفل. وقد تم حتى الآن نشر أكثر من خمسمائة عنوان من مختلف القصص الهادفة والكتب التعليمية المبسطة لتنمية مدارك الطفل العربي وتوسعة آفاقه من خلال الحصول على حقوق بعض الموسوعات العالمية والعديد من السلاسل والبرامج التربوية والتعليمية للطفل.

* ماهي ـ برأيكم ـ معوقات العمل في مجال نشر الكتاب العربي؟

ـ لعل أبرز المعوقات في مجال النشر هو لجوء ذوي النفوس الضعيفة إلى القرصنة والتزوير والسرقة، وهذا يعيق الإبداع الفكري لكل عمل جاد وإن عدم وجود قانون يحمي هذه الحقوق ويضبطها يفتح الباب أمام القراصنة ليتمادوا في غيّهم.

كما ان قلة عدد القراء تعتبر من المعوقات في مجال النشر، حيث انه يطبع حوالي 3000 نسخة فقط من كل كتاب ليغطي حوالي 250 مليون عربي، بالاضافة لصعوبات الشحن والرسوم الجمركية وضعف القوة الشرائية في البلدان العربية وندرة الاتصالات وتقنية المعلومات من معوقات النشر أيضا.

* بمناسبة القرصنة، هل تعرضتم لأي نوع من الاعتداء على الحقوق الفكرية؟

ـ تعرضت المكتبة لكثير من حوادث القرصنة والتزوير لإصداراتها وقد قمنا بالتنسيق مع وزارة الإعلام في أكثر من مرة بالتبليغ عن حالات سرقة لإصداراتنا، ونحن لا نطلب الكثير وإنما نطلب إعداد نظام شامل يطبقه الجميع دونما استثناء لحماية الفكر والإبداع، ونحن نعتبر السرقة الأدبية سواء أكانت من مؤلف أم من دار نشر جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون مثلها مثل أي جريمة قد حرمها ديننا الحنيف، وقد خطت معظم دول الأرض خطوات فعالة في حماية الملكية الفكرية والأدبية وردع كل من تدنو نفسه من القرصنة، وتضرر الكثير من زملائنا في العالم العربي لهذه القرصنة.

* هل تعانون من مشكلات مع الرقيب في مجال اختيار وطباعة المصنفات؟ ـ لا بد من أن تعاني كل دار نشر من بعض المشكلات مع الرقابة، وربما تكمن المشاكل في اختلاف مستويات المراقبين الفكرية، وإن حذف عبارة من موضوع معين قد ينسف الفكرة التي أرادها الكاتب فتصبح مجردة لا معنى لها، مما يضطرنا في أغلب الأحيان إلى إعادة النظر بمحتوى الكتاب وتعديله حتى يتلاءم والهدف الذي طبع من أجله، ولا شك أن الرقابة في العالم العربي بدأت تذوب بسبب سرعة الاتصال وعدم قدرة الرقابة على السيطرة على حجم المعلومات الواردة. ومطلوب شهادة براءة عربية للكتاب، فمقولة إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته معكوسة في بعض البلدان العربية، فالكتاب متهم ومذنب حتى تثبت براءته، وهذا قمة التأخر والسلبية. ولا شك أن الرقابة الموزونة الرصينة العاقلة مهمة جداً وخاصة الرقابة الذاتية للناشر.