تجارة الرقيق .. قرينة الحضارة الغربية عندما تصبح تهمة للمسلمين والعرب

الكاتب الجنوب أفريقي سيغال يعتمد على تقارير الرحالة الغربيين في اتهام الإسلام والعرب بتجارة الرق الأسود

TT

هل يعتبر الرق سرا مشينا يريد الإسلام إخفاءه؟ هذا هو السؤال الذي طرحه رونالد سيغال في كتابه الجديد:« الرقيق الأسود في الإسلام..الشتات الأسود في أفريقيا» Islam"s Black Slaves .. A history of African"s Other Black Diaspora الذي صدر بعد كتاب سابق له حول نفس الموضوع بعنوان Black Diaspora «الشتات الأسود»، إذ تناول من خلال الكتابين تجارة الرقيق التي مارسها الاوروبيون. لم يتضح بعد السبب وراء استخدام سيغال كلمة «شتـات» Diaspora في عنواني الكتابين، اذ تستخدم هذه الكلمة عادة للاشارة الى اليهود الذين فروا من فلســــطين عقب التدمير الثاني لمعبـــدهم وتشـــتتهم في مخـــتلف انحــــاء المعمورة. اما السود، الذيــــن انتهى بهم الامر فــي بــلدان تبعد آلاف الاميال من موطنهم الاصـــلي، فلم يغادروا قارتــهم طواعية وانما اختطفـوا واقتـــيدوا قسرا بغرض بيعهــم كرقيـق في اسـواق النخاسـة. فرضية سيغال التي ذهب فيها الى ان الرق «سر اسلامي» أمر مثير للدهشة. فعندما ظهر الاسلام كدين منظم وكيان سياسي كان الرق واقعا حياتيا، بل ظل كذلك على مدى الف عام قبل ظهور الاسلام. كان هناك رقيق في مجتمعات بلاد ما بين النهرين خصوصا في سومر وآكاد وآشور وبابل، كما ان قبائل البدو الرحل والمجتمعات التي كانت تقطن المنطقة التي اصبحت الآن اليمن مارست الرق. وحتى خارج هذا المنطقة شكل الرق جزءا من الحياة في بلاد الاغريق ثم في الامبراطورية الرومانية في وقت لاحق. لم يكن هناك رقيق في الامبراطورية الفارسية وشبه القارة الهندية، اذ ان تلك المجتمعات كانت قائمة على اساس نظم الطوائف والطبقات المنبوذة ولم يكن هناك في الاساس مجال لممارسة الرق. من الذي ابتكر الرق؟

على أية حال، الاسلام لم يبتكر الرق، لكنه قبله كحقيقة واقعة وحاول تنظيمه بغرض تخفيف حدة التقاليد المتشددة التي كانت مرتبطة بهذه الظاهرة، فقد حظر استرقاق المسلمين واصر على عتق الرقيق الذين يدخلون الاسلام، كما ثبت كذلك حقوق ومسؤوليات الاسياد والرقيق على حد سواء. بل ذهب الاسلام الى اكثر من ذلك عندما اوصى بعتق الرقيق كنوع من التقوى ووعد بالجزاء على ذلك في الحياة الآخرة. كما ان الرسول (صلى الله عليه وسلم) عتق الرقيق الذين كان يملكهم. يعني ذلك كله ان السود الذين يتحدث عنهم سيغال ليسوا «رقيق الاسلام» بل كانوا رقيقا في «مجتمعات مسلمة». اذا لم يكن هناك اسلام، فإن ظاهرة الرق كان ستظل موجودة كما كان عليه الحال خلال القرون المذكورة.

يجب التركيز على هذه النقطة لسببين:

اولا، ان استخدام صفة «إسلامي» يمكن ان تثير المشاعر والتحامل تجعل من النقاش الجاد والهادئ لهذه المشكلة المعقدة امرا صعبا. وفي وقت باتت فيه صفة «إسلامي» تستخدم على نحو متكرر بل ويساء استخدامها بواسطة السياسيين داخل وخارج العالم الاسلامي، من المهم ان ندرك جيدا ما نتحدث حوله. ثانيا، كتاب سيغال لا يتناول المواقف الفقهية او الثقافية للاسلام كدين وحضارة فيما يتعلق بالرق، وانما يتناول تجار الرقيق الذين تصادف ان يكونوا من المسلمين تماما كما كان من المحتمل ان يكونوا من المسيحيين او اليهود او الملحدين.

اذا اخذنا هذه النقاط في الاعتبار، يبرز التساؤل حول السبب وراء اختيار سيغال للاسلام كنقطة بداية لدراسته الخاصة بظاهرة الرق، خصوصا ان هناك من الادلة الكافية ما يؤكد ان تجارة الرقيق من افريقيا الى الشرق الاوسط بدأت قبل ظهور الاسلام. اذا، لماذا لم يبدأ سيغال دراسته لتجارة الرقيق من افريقيا الى الشرق الاوسط ابتداء من العصور البابلية؟

* سوق الرقيق في زنزبار

* يقول سيغال ان العمانيين، الذين ظلوا يسيطرون على جزيرة زنزبار حتى عام 1960، نظموا تجارة مهمة في الرقيق الافارقة، بيد ان تجارة مماثلة كان تمارس ببيع الرقيق البيض بواسطة الاوزبك حتى عام 1918، اذ كان مدينة خيفا سوقا لبيع البشر. ويريد سيغال، كما هو واضح، أن يثبت ان المسلمين بصورة عامة والعرب على وجه الخصوص مذنبون بقدر ذنب المسيحيين الاوروبيين، فقد زعم ان المسلمين شحنوا على مدى 1300 عام ما لا يقل عن 13 مليونا من الرقيق الافارقة. هذا الرقم يساوي تماما عدد الرقيق الافارقة الذين شحنهم تجار الرقيق الاوروبيون من القارة الافريقية خلال فترة قرنين فقط، لكنه اشار الى ان حوالي عشرة ملايين من الرقيق الافارقة لقوا حتفهم خلال فترة تجارة الرقيق التي مارسها العرب. ويقول سيغال كذلك ان عشرة اضعاف اعداد الرقيق الذين اخذهم العرب من القارة الافريقية لقوا حتفهم خلال عملية الترحيل، أي انه يعني ان عدد من لقوا حتفهم خلال 13 قرنا يقدر بحوالي 130 مليون شخص. تكمن المشكلة في ان سيغال استقى معلوماته من مجرد تقديرات استقرائية قدمها باحثان بريطانيان. نفس هذه الارقام يمكن استخدامها كفرضيات اخرى لاثبات ان العرب لا يمكن ان يقوموا بعملية بهذا الحجم الهائل. كتاب سيغال قائم على اساس بعض المعلومات الواردة في تسع كتب اخرى لرحالة غربيين ومؤرخين هواة. لم يحدث ان زار المؤلف أي من هذه الاماكن التي يعتبرها مراكز رئيسية للتجارة بل لم يسع للاطلاع على ارشيف أي دولة مسلمة خصوصا تركيا ومصر.

بعض تأكيدات سيغال مفرطة، فقد ذكر ان الكثير من المصريين يحملون ملامح الزنوج لأن مصر كانت مركزا رئيسيا لتجارة الرقيق ناسيا ان مصر دولة افريقية وظلت مفتوحة لمختلف الاعراق على مدى آلاف السنوات سواء كان في غياب ظاهرة الرق او في وجودها. ويفضح سيغال زيف تقديراته الاستقرائية بسؤاله عن السبب في عدم وجود ملامح زنجية في تركيا وايران، رغم ان الدولتين كانتا من اسواق الرقيق الافارقة لفترة قرون.

* الصوفيون الزائفون والمجاذيب

* في بعض الحالات حاول سيغال تثبيت علاقة مباشرة بين الاسلام كدين وتجارة الرقيق الافارقة، اذ ضرب مثالا بـ«الجمعية السنوسية» في القرن التاسع عشر في ما يعرف الآن بليبيا. شارت الحركة الصوفية في تجارة الرقيق، غير ان سيغال اشار الى ان السنوسيين ورثوا تجارة كانت في واقع الامر موجودة مسبقا واستخدموا ارباحها لزيادة وتعزيز نفوذهم الى ان سيطروا تماما على ليبيا بكاملها. ثمة نموذج آخر يتمثل في «حركة المجاذيب» بقيادة الملا حسن في «ارض الصومال». في كلا الحالتين كان سلوك الطائفتين سياسيا في الاساس ولا يمكن اعتبارهما ممثلتين للاسلام. وهناك مثال ثالث اورده سيغال في كتابه وهو الانصار اتباع المهدي في السودان، وهنا ايضا يغلب الطابع السياسي على الحركة وليس الجانب الديني. ويظهر كون الاسلام ليس بالضرورة عاملا في الرق السود في ملحوظتين هامتين لسيغال.

الملحوظة الاولى ان الرق استمر، وفي بعض الحالات تكثف، بعد سيطرة الاوروبيين على بعض الاراضي الاسلامية. فعلى سبيل المثال حدثت زيادة مكثفة لم يسبق لها مثيل في تجارة الرقيق خلال السيطرة الفرنسية على موريتانيا التي استمرت لمدة نصف قرن وانتهت في .1960 كما نظم الايطاليون تجارة نشطة في الرق الاسود من مواقعهم الاستعمارية في ليبيا والصومال حتى الثلاثينات.

والحقيقة الثانية هي ان الممالك والامارات الافريقية، سواء اكانت اسلامية او وثنية او مسيحية، كانت نشطة ذاتها في تجارة الرق. فعلى سبيل المثال فإن حكام مملكة بورنو على ضفاف بحيرة تشاد، كانوا يملكون آلاف الرقيق في عام .1870 وبعض الممارسات التي كتب عنها سيغال، وإن كانت منتشرة في بعض الدول الاسلامية، غير مرتبطة بالاسلام كدين. فعلى سبيل المثال فإن ختان البنات، المنتشر في مصر والسودان من بين دول اخرى هو تقليد افريقي وليس له علاقة بالاسلام. والامر نفسه حقيقي بالنسبة للخصي. فالاسلام يحظر هذه الممارسة الوحشية التي انتشرت في المناطق لآلاف من السنين قبل الرسالة المحمدية. وكان الطواشي صفة هامة في الحياة في الامبراطورية البيزنطية ايضا وكان التقليد الذي تبنته الخلافة العثمانية.

وقول سيغال ان كون الشخص مولودا لامة او عبد ربما يكون عائقا في تقدم المرء الاجتماعي والسياسي هو صادق جزئيا. ففي معظم الحالات عندما تدخل جارية الاسلام فإن اولادها يستمتعون بنفس الحقوق من هؤلاء الذين ولدوا لامهات حرائر.

هل الاسلام دين عنصري؟ يمر سيغال على هذا السؤال مرور الكرام. فهو يشير الى ثلاثة امثلة عربية وتركية تبدو مهينة للسود كدليل بأن المسلمين ربما هم عنصريون. ولم اسمع الا بمثل واحد من قبل من هذه الامثلة. ولكن لنتصور ان الامثلة الثلاثة منتشرة على نطاق واسع، فإنها لاتعزز الادعاء بأن الاسلام يتسامح مع العنصرية. «ففي كتاب واحد للامثلة الفارسية وجد كاتب هذه السطور عشرات من الامثلة التي تطري اللون الاسمر: (الأبيض يساوي 100 تومان، اما الابيض بخدود وردية فيساوي 300 تومان، وعندما يتعلق الامر بالسمار: فهو يساوي ما تقدر على دفعه).

كما يصعب تأكيد الادعاء بإن المسلمين يعتبرون السود رمزا للشر. ففي ايران، على سبيل المثال، الحاج فيروز وهو ممثل يتخفى في زي مغن اسود، هو الذي يمثل البشير في عيد النيروز (السنة الجديدة) ويرحب به كضيف شرف في كل منزل. وفي التركية فإن كلمة اسود (قره ترتبط دائما بالجمال). والكثير من الروايات الشعبية الفارسية والتركية تحتوي على شخصية سوداء متفاخرة كبطل للروايات، واصبح اللون الاسود راية العديد من الحركات الاسلامية ولا سيما تلك التي قادها ابو مسلم الخرساني وادت الى تأسيس الخلافة العباسية.

* غياب المرجعية

* كل ذلك لا يعني ان حضارتنا كحقيقة واقعة ناصعة البياض. على العكس من ذلك إن لديها نصيبها من الشعور بالذنب ولا سيما فيما يتعلق بالرقيق. فثورة الزنج كانت دليلا مبكرا على التجارة الكريهة التي اقتلعت اعدادا كبيرة من البشر من جذورهم وحطت من قدرهم وحولتهم الى بضاعة تشترى وتباع.

وتوجد ايضا اتهامات ملفقة بأن الرقيق، بشكل او آخر، مستمر في بعض الدول الاسلامية اليوم. ويشير سيغال الى موريتانيا والسودان من بين دول اخرى.

وفي موريتانيا لا يشير سيغال الى مرجعية جادة يمكن للمرء فحصها واعادة فحصها. كما يحاول ايضا تشويش الموضوع بالاشارة الى التسلسل الهرمي المعقد للمجتمع الموريتاني لعقود طويلة. ولذا نعلم ان ثلث الشعب الموريتاني من الرقيق والثلث الاخر من الرقيق الذين حرروا اما الثلث الباقي فمن الاحرار. وبالنسبة للسودان فإن سيغال يعتمد في زعمه على ادعاء من منظمة التضامن المسيحي وهي جمعية خيرية اميركية بأنها اشترت وحررت 14.55 ألف من رق قبائل الدنكا في العامين الماضيين. الا ان هذا الادعاء ترفضه هيئة اليونيسف (منظمة الامم المتحدة لرعاية الطفولة) التي تتهم المنظمة «بخلق مناخ مصطنع لتجارة رق غير موجودة».

وطبقا لليونيسف فإن بعض أسر الدنكا تبيع أولادها الى المنظمة لكي تحصل على بعض المال.

وبالرغم من ذلك، فإن بعض الهيئات مثل منظمة المؤتمر الاسلامي يجب ان تحقق في الاتهامات باستمرار الرق في بعض الدول الاسلامية. وتجدر الاشارة الى ان كتاب سيغال يتجاوز كل حدود المعقول في الفصلين الاخرين. ويركز هذا الفصلان على حركة «أمة الاسلام» في الولايات المتحدة. وهناك بالطبع العديد من الاميركيين السود المسلمين بالمعنى المفهوم للكلمة، ولكنه لا يتعامل معهم. وبدلا من ذلك يركز على حركة، وإن كانت تستخدم كلمة اسلام فإنها ذات خصوصية تكاد تشير الى دين بعيد عن الاسلام. ان تقديم مالكوم اكس ولويس فراخان كقادة لاتجاهات اسلامية اساسية هو امر، على الاقل، خادع.

لماذا يضم سيغال «أمة الاسلام» في دراسة من المفروض انها تتعلق بتجارة الرقيق الاسود في المجتمعات الاسلامية في 1300 سنة؟

الامر الوحيد هو ان لديه بعض الحسابات الخاصة التي يود تصفيتها مع فرخان واتباعه. فقد قال انهم ينتقدون المسيحية واليهود لدورهم في تجارة الرقيق الاسود ولكنهم لا يذكرون تاريخ الرق في الاسلام. ربما يكون ذلك صحيحا. ولكن السبب وراء ذلك يجب ان يكون واضحا. المسلمون لم يلعبوا دورا في شحن الرقيق الاسود الى القارة الاميركية.

ان التاريخ العنيف لـ«أمة الاسلام» وخططها لخلق دولة سوداء في مكان في الولايات المتحدة ليس له اي علاقة بالاسلام والمسلمين.

العنصرية في الغرب من المؤكد ان الاسلام ليس عنصريا. وهذا واضح تماما من القرآن والاحاديث النبوية. وكحضارة، وواقع وجودي، فأن السلوكيات العنصرية المعادية للسود، موجودة في بعض أقطار العالم الاسلامي. ولكن حتى «العنصرية الاسلامية»، المرفوضة اساسا، هي معتدلة بما عناه السود في الولايات المتحدة، بدون أن نذكر سيغال بأوضاع جنوب افريقيا موطنه الذي عانى من حكم التفرقة العنصرية. ان «العنصرية الاسلامية» هي مفاهيم غير المتعلمين والافراد الهامشيين. اما العنصرية الغربية، فهي تحظى عادة بدعم هائل وحاولت ان تؤسس افكارها اعتمادا على قراءة منحرفة للمسيحية وبعض المفاهيم العلمية غير الصادقة. والحمد الله لم يكن في الاسلام من امثال ادولف هتلر او هندريك فيرورد.

* الرقيق الأسود في الإسلام

* المؤلف: رونالد سيغال

* الناشر: ف.س.ج