الغلاف.. ألعوبة الناشر لاستغلال القارئ أو وسيلته لاحترامه؟

المصممة اللبنانية نجاح طاهر لـ«الشرق الأوسط»: لا أحب الأغلفة الأنيقة والحيادية فهي سهلة التحضير وفي متناول الجميع كما كوب الليمونادة

TT

نجاح طاهر، لا بد يعرفها قرّاء بهاء طاهر ونوال السعداوي وسحر خليفة وحنا مينه وادوارد سعيد، وقراء الكثيرين من الكتّاب الذين احتضنت اغلفتها نصوصهم. لكنها، بعد سبعة عشر عاماً من العراك في ساحة «الاغلفة العربية» تشعر بالمرارة، وتعتقد انها فشلت، ولا بد من الانسحاب الى مكان آخر. ما هي كواليس صناعة الغلاف، وما هو دور الغلاف والى اي مدى هو وسيلة الناشر لإبتزاز القارئ او وسيلته لاحترامه؟ هذا ما تجيبنا عليه نجاح طاهر في هذا الحديث:

* هل الغلاف مصيدة للقارئ؟

ـ كثيرة هي الدور التي تستعمل الغلاف بهذا الغرض وهو قد لا يكون بالامر الرديء، شرط ان لا يصل حد الاسفاف والدعاية الرخيصة، اذ تشيع غلافات لا علاقة لها بالنصوص التي تدّعي تقديمها، ان لجهة العناوين الرنانة التي لا تشبه موضوع الكتاب في شيء او لجهة الصور والرسوم التي باتت تميل الى استغلال المرأة ومفاتنها والاساليب الاغرائية الابتزازية.

* هذا التوجه ليس عربياً وحسب؟ ويلقى نجاحاً؟

ـ نعم ليس توجهاً عربياً، لكنه توجه رخيص ويفترض ان الناس اغبياء وبلا ذوق، ومع ذلك ينجح ويجد من يتجاوبون معه. وهذا قد يدل على ان الناشرين على حق، وان ثمة هبوطاً في الذائقة الفنية التي هي بفطرتها سليمة لكنها تشوه بحسب التجربة الحياتية. والمطلوب العمل الدائم على صقل الاذواق بدل استغلالها. واعترف أنني بعد سنوات طويلة قضيتها في هذا المجال، فشلت فشلاً ذريعاً. * بمعنى انك كمصممة لم تتمكني من الوصول الى القارئ؟

ـ ليس هناك استفتاء بهذا المعنى ولا اعرف الاجابة. لكن ما يزعجني، هو اننا لا نلحظ استمرارية، لا نرى من يمكنه ان يكمل وراءنا او يعمل معنا، لم يتشكل تيار او موجة لمصممين يحملون هماً او رغبة في انجاز مشروع ذي معنى. في النهاية، انا رسامة تشكيلية وكان بمقدوري ان ارسم لوحات واقيم معارض، كما يفعل الآخرون، لكنني اخترت هذا المجال لانني احمل مشروعاً فنياً ادبياً متكاملاً، اذ اعتبرت ان الكتاب هو انجاز جماعي. لا شك، ان النص فردي بطبيعته، لكنه، بعد ذلك، يخرج من حالته هذه ويصبح بين يدي الناشر والطابع والمصحح والمصمم والقارئ ايضاً. وأردت ان اكون احد المشاركين في بلورة ما يسمى مشروع «الكتاب العربي»، حيث يسهم كل بمجهوده. لكن رؤيتي هذه ازعجت الكثيرين، خاصة اننا في مجتمع نزعته تسلطية وفردية، كل يريد ان يعتبر نفسه هو البطل.

* هل الكاتب هو البطل؟

ـ المشكلة ليست بالضرورة مع الكاتب، هناك الاطراف الاخرى، صاحب دار النشر لا يريد ان يتعامل مع المصمم كطرف شريك في العمل، وانما كمخلوق هامشي يأخذ اجره لينفذ عملاً، يفترضونه سهلاً وبسيطاً. اذكر ان ناشراً قال لي يوماً: «نريد غلافاً لكتاب اسمه «هدايا في علب» فطلبت منه النص لأقرأه، فغضب واغتاظ واجابني مستشيطاً: خلص، قلنا اسم الكتاب «هدايا في علب» وانتهى الامر، لماذا كل هذه الفلسفة». الناشر يريد ممن يعملون معه، لا ان يكونوا اطرافاً حقيقيين في الانتاج بمعناه الجمالي، وانما في خدمة انتفاخه غير المبرر بينما الآخرون مشطوبون ومرهونون لرغباته ولتغذية نرجسيته.

* هل هذا كلام بالامكان تعميمه؟

ـ هناك تفاوت في مستوى التعاون، لكنني بعد 17 عاماً في هذه المهنة، اعتقد ان الجميع يفكرون بطريقة واحدة، ويعبرون عنها بأساليب متفاوتة، منهم، وهؤلاء غالبية، لا يستوعبون مثلاً ان اقرأ الكتاب كله لأصمم غلافاً. ولربما يعتبرون ان القليل من الزركشة والألوان والخطوط تفي بالغرض.

* هل تستغني بعض الدور عن المصممين؟

ـ اعتقد انهم يتمنون لو يمكنهم الاستغناء تماماً عن اشخاص على شاكلتي. فقبل فورة المصممين كان صاحب الدار او اي عامل فيها يقوم بالمهمة. لكنهم تورطوا حين صعد نجم بعض الاسماء ولفتت الانظار، وباتوا يشعرون بإلزامية التعاون مع فنان معروف لتكتمل به وجاهتهم في سوق النشر.

* ماذا يضيف اسم المصمم للدار؟

ـ في غالب الاحيان تعتقد الدار انها هي التي صنعت الفنان، لذلك فبمجرد انطلاقه وذيوع صيته تأخذ الدار تشعره بفضلها عليه. انما، في نهاية المطاف، لا احد يصنع احداً. كل يصنع نفسه بعمله، ولكننا على مسرح لا يحتمل الظل ولا يقبل ممثلوه بدور الكومبارس ولو كان لصالح العمل.

* هل يطلب منك، احياناً، التقيد بألوان محدودة او شروط تقنية خاصة للحد من كلفة الغلاف؟

ـ نعم، قبل دخول الكومبيوتر. لكن، الآن، اختلف الامر. انما، الشروط في حال وجودها، لا تربك العمل، فقد صممت اغلفة كثيرة من لون واحد، ولم يكن ذلك عائقاً.

* هناك ادباء يعترضون او يغيّرون الاغلفة، كما فعلت احلام مستغانمي حين وضعت صورتها الفوتوغرافية بدلا من غلافك؟

ـ بطبيعة الحال، هناك ادباء لهم وجهة نظرهم. واحلام مستغانمي غيّرت الغلاف بصدور الطبعة الثانية. وهذا يحدث، فالأغلفة غالباً ما يتم تغييرها بتغيير الطبعات. وهي ارادت وضع صورتها وتزيينها بالذهبي النافر، لربما اعتبرت ان هذا اجمل. وعلى اي حال ثمة نجوم في عالم الادب لا يحتملون الآخر.

* وما هو دور القرّاء؟

ـ القراء هم الذين يقررون في النهاية. احياناً أترصّد القراء في معارض الكتب حين يشترون كتاباً صممت غلافه وأسألهم ـ وهم قد يعرفون اسمي لا صورتي ـ لماذا اختاروا الكتاب. كثيرون بينهم، يقولون لي، ان الغلاف اثار فضولهم، وعندها اعود الى الغلاف وأحاول ان افهم ما الذي يجذبهم فيه، وما الذي حرّضهم.

* ما الذي تحرصين عليه ليكون الغلاف نابضاً؟

ـ اعتقد ان العلاقات الملتبسة بين شخصين على الغلاف تثير فضولاً، ولو كانت مرمّزة. والمطلوب ليس الابهار. فالفن هو نقيض الابهار، انه التحريض، واثارة الاسئلة لذلك لا احب الاغلفة الانيقة والحيادية والمبسترة، فهي سهلة التحضير، ولها معادلة بسيطة وفي متناول الجميع كما كوب الليمونادة، انه الغلاف الذي لا يزعج احداً.

* ماذا يريد ان يقول الغلاف الموحَّد الذي تعتمده بعض دور النشر لمختلف كتبها؟

ـ بهذا الاختيار دار النشر تقول انها هي النجمة والبطل وليس الكاتب ولا مصمم الغلاف بطبيعة الحال. وهذا خط اطلقته «غاليمار» واعتمدته دور اخرى، وهو في وظيفته يشبه «مريول المدرسة» الذي يعلن عن اسم المدرسة. إنما لا يمكن لدار نشر ان تتبناه قبل ان تبلغ مستوى معين، وتتخصص بنوع خاص من النصوص. وهذه الدار تعرف ان القارئ يُقبل على منشوراتها لأنه متيقن من انها تقدم له ما ينتظره منها، وانجذابه نحوها بالدرجة الاولى لا صوب الكاتب.

* هل النص الجيد يساعد على استلهام تصميم ناجح للغلاف؟ وهل العلاقة مع الكاتب تؤثر على العمل؟

ـ نعم، الغلاف وظيفته تأكيد مناخ الكتاب والتعليق عليه. فالكتاب الرديء اتوقف عن قراءته، وأحاول ربما، ان اجد له مخرجاً بالتي هي احسن. اما عن العلاقة مع الكتَّاب فلا بد انها مؤثرة، واحياناً يكون من حسن حظي ان لا أتعرف الى بعضهم، وتقتصر علاقتي بنصوصهم، وفي احيان اخرى يكون العكس صحيحاً.

* وهل يقدّر الكتاب عملك؟

ـ حتى النخب لا ترى في هذه المهنة ما يستحق التقدير. اذكر ان حنا مينه قال لي: «ما حرام تعملي أغلفة، روحي ارسمي». نحن نخضع لكليشيهات مهنية، الكاتب معتبر، وكذلك الرسام، على سبيل المثال. ومن الصعب على احدهم ان يفهم كيف ان تصميم غلاف ناجح يحتاج الى كيان ثقافي غني يؤديه. وعملياً هذه ليست مهنة، لانها لا تطعم عيشاً. والاسماء البارزة في هذا المجال لا يقتصر عمل اصحابها على التصميم وانما يتوجهون الى اخراج الصحف والمجلات.

* انما، ألا ينحسر الغلاف الفني، عالمياً، والتوجه هو صوب الصرعات او التبسيط الساذج؟

ـ نعم، هذا ملحوظ في فرنسا وانجلترا ايضاً. بينما في اميركا الميل صوب الاغلفة الصارخة والاستهلاكية. واليابانيون، قد يكونون الابرز في هذا المجال، لأن اغلفتهم، رغم تطورهم التكنولوجي والصناعي، تعكس هويتهم وخصوصياتهم.

* اغلفتك شرقية ولها انتماء واضح الى بيئتها؟

ـ شرقية، لكنها ليست انغلاقية. ولا شك ان كتاباً عربياً، تظهر على غلافه، فتاة ذات ملامح اوروبية، يثير الضحك والسخرية. علينا ان لا نختبئ وراء زيفٍ وتقليد للآخرين واستيراد للافكار. في السبعينات عاش العالم العربي فورة لأناس ارادوا ان يقدموا فناً يشبههم، يحمل بصمتهم وانتماءهم وتفاعلهم مع الآخر، ثم كثر الطفوليون واختلطت الاوراق، واعتقد اننا نعيش حالياً مرحلة ضياع وسببها ليس الفقر المادي، وانما فقر المخيلة. هناك كثيرون يساومون، ويستسهلون، علماً بأن تصميم الاغلفة يحتاج الى الكثير من الذكاء والشجاعة والجرأة والتجدد، فالمصمم يقدم مئات الاغلفة، وعلى كل منها ان تكون له شخصية قائمة بذاتها، وهو ما لا يبدو واضحاً في ذهن الكثيرين.