نسبة التحضر في البلدان العربية تتركز في المجتمعات النفطية

كتاب سعودي عن المجتمع والديمقراطية والدولة في المجتمع العربي

TT

انطلاقاً من ان مفهوم المجتمع المدني يتعارض مع بنية «المدينة ـ الريف» في المنطقة العربية، يطالعنا الباحث السعودي الدكتور متروك الفالح بدراسة عن «المجتمع والديمقراطية والدولة في البلدان العربية» (صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية) يوظف فيها منهجاً استقرائياً مقارناً يقوم على اقصاء فكرة المجتمع المدني التي تطورت وترعرعت في احضان المدن الاوروبية بعيداً عن البلدان العربية التي تتداخل فيها المدن مع الريف وقواه وثقافته وتقاليده مع صلة ذلك بالثقافة العربية الاسلامية واثرهـا في فكرة المجتمع العربي. وفيما تشير الدراسة الى ان التغيرات في البلدان الغربية والاميركية تحديداً تتجه نحو تفعيل مكونات المجتمع المدني واعادة هيكلة ادواره بما يتجاوز الاطر التقليدية السابقة، ترى ان معظم القفزات في تزايد نسبة التحضر في البلدان العربية تتركز بدرجة كبيرة في البلدان العربية النفطية سواء في مشرق الوطن العربي او مغربه كما ان التزايد في التمدن يعود الى تدفق اعداد كبيرة من الريف الى المدن. فعلى سبيل المثال ان معظم دول الجزيرة العربية ـ يقول الباحث ـ تخفي تريفاً عالياً لمدنها وتخبىء في ثناياها حقيقة ان تلك الكثافة السكانية تضم مجموعات بشرية متنوعة ذات امتدادات غير حضرية حتى وان عاشت في المدينة، وبالتالي فإن ما تم من اصلاحات سياسية في المملكة العربية السعودية وعمان والبحرين والامارات، والانتخابات البلدية الاخيرة في قطر، ومشاركة المرأة فيها، لم يكن نتيجة ضغوط لقوى ما يسمى بالمجتمع المدني وانما اتى من السلطة من فوق. وبالانتقال الى دول المغرب العربي، يعتقد الكاتب ان التوجه السياسي العام في ليبيا لا يسمح اصلاً بوجود قوى وتنظيمات وخصوصاً حزبية طبقاً لمقولة الزعيم الليبي معمر القذافي في الكتاب الاخضر «من تحزب خان»، على الرغم من وجود بعض التكوينات ذات الصلة بالجماعات المهنية ولكن في اطار الدولة وتوجهها. كما ان المجتمع المدني الجزائري ـ يضيف الفالح ـ بما في ذلك الاحزاب السياسية التي اخذت تتشكل بعد العام 1990 (اكثر من 70 حزباً) والجمعيات والنقابات الموازية، لم يستطع ان يؤثر في مجريات الامور واتجاهاتها وان يوقف العنف في الجزائر. ومع ان المغرب خطا شوطاً لا بأس به على طريق التطور الحزبي والسياسي، يطلعنا الباحث على تناقضات صارخة في مسألة وجود وفاعلية المجتمع المدني من عدمهما اذ يقول انه «بقدر ما يستمع المستمع الى الخطيب وهو يحتج غضباً على انتهاك حقوق الانسان يلقى عند الشخص نفسه سلوكاً لا يكون اقل خرقاً لتلك الحقوق واعتداء عليها وكذلك بقدر ما يكون الخطاب النسائي مشحوناً بعواطف الغضب والاسى احتجاجاً على حرمان نصف المجتمع من حقوقه نجد المرأة في نكوص وارتداد الى موقف قرون وسيطة تطالب الرجل بأن يكون المسؤول الاول عن الشؤون التي تتعلق بالانفاق وتحمل المسؤولية الاولى». وفي ما يخص بلدان وادي النيل، يشدد الكاتب على ان التكوينات المسماة «مدنية» في وسط الامدادات القبلية والمذهبية في السودان لم تكن قادرة وفاعلة تجاه السلطة والمجتمع مقارنة مع التكوينات التقليدية التي كان لها دور في اطار حزبي الامة والاتحادي في تداخلهما مع المهدية والختمية. ولا تختلف القاهرة عن المدن العربية الاخرى ـ برأي الفالح ـ فالجماهير في مصر غير فاعلة امام هيمنة الدولة وسلطتها وتزايد اتجاهات تهميش الحريات منذ العام 1992 وآخرها اصدار قانون متشدد للصحافة بتمديد قانون رقم 93 لعام 1995 والمقيد اصلاً للحريات، وعدم قدرة الاتحادات المهنية وخصوصاً الصحافية والتنظيمات الحزبية من التأثير في تلك الاتجاهات بتقييدها او منعها. اما بالنسبة لدول الهلال الخصيب، يلفت الباحث النظر الى ان الاقتلاع والتشرد والبؤس وتحويل الفئات الاجتماعية ذات الحياة المتصلة بالمدن الفلسطينية القديمة الى فئات اجتماعية متريفة لم يثن هذه الاخيرة من ان تلعب دوراً حيوياً في المحافظة على الهوية العربية الفلسطينية والتماس الاجتماعي في الاراضي الفلسطينية لما يعرف بفلسطينيي 1948 وخصوصاً في وجه الاحتلال الصهيوني ومحاولاته المتواصلة لطمس الهوية، وكذلك في سياق هجرة النخبة الفلسطينية المدينية شبه الكاملة. ويلاحظ الكاتب في هذا الصدد ان المجموعات الاسلامية مثل حماس والتي يشكك في كونها تنتمي الى المجتمع المدني تبدو هي الاكثر فاعلية من تلك الموصوفة بـ«مدنية» في مقاومة الاحتلال. اما في لبنان، فيعتبر الفالح ان نشاط القوى التقليدية والطائفية ما زال يمثل الفاعلية الاكثر سوءاً في الانتخابات وتحديد نتائجها فيما تبدو التكوينات الموصوفة بـ«المدنية» في حالة من «الغياب المستمر» وعاجزة عن الاضطلاع بالوظائف الديمقراطية ومراقبة الدولة وسلطتها والدفع باتجاهات التسامح. وفيما استطاع الغرب ـ يخلص الباحث ـ القضاء على الروابط الدينية والعقيدية والاسرية والقبلية التي لم تعد تشكل فاعلية في حركته وعلاقة الفرد بالفرد او الفرد بالجماعة لم تحدث هذه العملية في المنطقة العربية، وان حدث شيء من «الخلخلة»، هنا وهناك، ترافقت مع قوى التحديث. غير انه صعدت، في المقابل، قطاعات تقليدية اكبر واشمل جاءت كردة فعل لتلك السياسات الموصوفة بالتغريب.