فقراء الوطن العربي في ازدياد

رغم عقود طويلة من التنمية وخطط الاقتصاد والنهوض بالمستوى العام للمجتمعات العربية هناك أكثر من 70 مليون عربي يقعون تحت خط الفقر

TT

يرى عبدالرزاق الفارس، نائب المدير التنفيذي للبنك الدولي ومؤلف هذا الكتاب أنه من الصعوبة بمكان ايجاد تعريف دقيق لمفهوم «الفقر»، على رغم أن هذا «الفقر» كان السبب في العديد من الثورات الاجتماعية والتغيرات الكبرى والاضطرابات السياسية. وهذه الصعوبة تنعكس على التعريف الذي اعتمده المؤلف نفسه بالقول بأن الفقر هو «عدم القدرة على تحقيق مستوى معين من المعيشة المادية يمثل الحد الأدنى المعقول والمقبول في مجتمع ما من المجتمعات في فترة زمنية محددة» (ص 21). فهذا التعريف ينطوي على غموض وعدم دقة في اعتماده «المعقولية والمقبولية»، وهما وصفان مطاطان فضفاضان لا يمكن ضبطهما بمعايير علمية دقيقة. هدف هذا الكتاب هو تحليل ومسح ظاهرة الفقر في البلدان العربية، ورصدها بنظرة تحليلية علمية شاملة ومفيدة. وعلى طول الفصول الخمسة في بحثه يناقش الفارس مفاهيم الفقر وقياسه ومؤشراته، ويخصص الوطن العربي بالطبع بالموقف المالي مستعرضاً الفقر في الأقطار النفطية، ثم الأقطار متوسطة الدخل، ثم المنخفضة الدخل. وبعدها يتعمق أكثر في خصائص «الفقر العربي» و«الفقراء العرب» باحثاً في شدة الفقر، وتوزعه على الحضر والريف العربيين، ثم رابطاً ذاك بحجم الأسرة ومعدلات الأمية في العالم العربي. وينتقل اثر ذلك لاستعراض التفاوت المريع في الدخل في الوطن العربي مستخدماً وسائل احصائية ورياضية وقياسية تشي بعمق المعضلة في الواقع العربي الراهن. ومن زاوية اجمالية، فان الواقع يشير الى أن الاشكالية المحيرة في معضلة الفقر في العصر الراهن تكمن في حقيقة أنه رغم التقدم التكنولوجي الهائل الذي شهدته البشرية، ورغم ارتفاع وتائر الانتاج العالمي بشكل غير مسبوق، والتطور الاقتصادي المذهل الذي أصاب حياة ملايين البشر، الا أن الفقر ما زال يشكل التحدي الأكبر الذي يواجه العالم، وهو تحد مواز لتحد آخر يتمثل في عدم العدالة في التوزيع، وهو السمة الأساسية للرأسمالية العالمية المسيطرة على فضاء عالم اليوم. واذ يلتفت الفارس بحق الى هذا التحدي فانه من المفيد الاشارة هنا الى أن كبار منظري السوسيولوجيا في العالم يعتبرون الفقر وسوء توزيع الدخل العالمي هما التحدي الأكبر الذي يواجه عالم القرن الواحد والعشرين. والأرقام التي يوردها الفارس تتحدث بنفسها عن عمق مشكلة الفقر العالمي، فهي تشير الى أن ما يقارب 1،2 الى 1،3 مليار من البشر، أي ما يعادل خمس البشرية، ما زالوا يعتبرون فقراء جداً، أي أنهم يعيشون على دولار واحد أو اقل في اليوم. وأنه لو تم رفع خط الفقر قليلاً فقط لوصلت نسبة الفقراء في العالم الى ما يزيد عن الثلث. أما على المستوى العربي فان أكثر من ثلثي السكان يقيمون في الأقطار المنخفضة الدخل، وهناك أكثر من 70 مليون عربي يقعون تحت خط الفقر. والشيء السوداوي حقاً أنه رغم عقود طويلة من التنمية وخطط الاقتصاد والنهوض بالمستوى العام للمجتمعات العربية فان الدراسات تخلص الى «أن الفقر في الوطن العربي (الذي) كان في انخفاض مستمر خلال الفترة 1950 ـ 1980 (بدأ) بالارتفاع كنسبة من جملة السكان وكعدد مطلق خلال الفترة منذ منتصف الثمانينات وحتى الآن» (ص 37). وتكاد تنطبق هذه النتيجة على كافة البلدان العربية، حتى النفطية منها. فالذي يلاحظه المؤلف من متابعته لمعظم الدراسات الميدانية والبحثية في دول الخليج هو أن ظاهرة الفقر موجودة فيها وان كانت تتخذ مظاهر مختلفة ونسبية. وأن الشيء الآخر المقلق في البلدان النفطية هو التفاوت الكبير في الدخل. أما في البلدان العربية متوسطة الفقر فان ظاهرة الفقر والفقر المدقع تبدو أكثر بروزاً فعلى سبيل المثال كانت ظاهرة الفقر في مصر في أواخر الخمسينات اقل مما هي عليه في منتصف السبعينات (ص 49). وينسب المؤلف هذا التدهور في مستوى الدخل الى الظروف الاقليمية والدولية وكذلك السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة غير أن حقبة الثمانينات شهدت تحسناً في مستويات الدخل هناك يعزوه المؤلف الى استرجاع مصر لحقوقها في انتاج وتصدير النفط وازدياد فرص العاملين المصريين في الخارج وخاصة في الخليج. ولا تبتعد الحالة الاردنية عن نظيرتها المصرية، اذ ان التحسن في مستوى الدخل الذي شهده الأردن بين عامي 1980 و1986 الذي كان في صالح الشرائح الفقيرة والعائد للنمو الاقتصادي في تلك الفترة قد تآكل في النصف الثاني من الثمانينات وحتى سنة .1992 فمؤشر الفقر في المرحلة الثانية ازداد 11،9 في المائة، وفجوة الفقر (التي ثمثل الفرق بين الدخل الحقيقي وخط الفقر) ارتفعت بمقدار 3،4 في المائة، وكل هذا يعود للتراجع في النمو الاقتصادي وتقهقر الناتج المحلي بنسبة 8،8 في المائة (ص 52). أما فيما خص الحالة العراقية فان الوضع بالغ السوء والأرقام تشير الى وضع مأساوي ناتج بالأساس عن نتائج حرب الخليج سنة 1991 والحصار الذي لحقه وتعرض له العراق. وتقول الأرقام أن نسبة الفقر هناك ارتفعت حوالي 72،1 في المائة في المناطق الحضرية و81،8 في المائة في المناطق الريفية عام 1993، بعد أن كانت 24،9 في المائة و33،9 في المائة على التوالي عام 1988 (ص 63). ويستعرض الفارس ولكن بايجاز غير شاف للغرض بعض معدلات الفقر ومؤشراته في الدول المنخفضة الدخل. وهنا تزداد الصورة قتامة خاصة في بلدان مثل اليمن والسودان وموريتانيا وفلسطين. ففي موريتانيا على سبيل المثال يتعرض كل طفل من خمسة أطفال الى الوفاة قبل سن الخامسة وكما هو معروف فان معدل وفيات الأطفال تحت الخامسة يعتبر من أهم مؤشرات الفقر. وفي نفس البلد يعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص سوء التغذية، ولا يتجاوز متوسط العمر المتوقع للأفراد 47 عاماً، فيما ثلثا السكان هم من الأميين. لكن لا يتوسع المؤلف في حالات السودان وفلسطين واليمن الأمر الذي يشكل نقصاً واضحاً في الكتاب. واضافة الى ذلك فان المؤلف يعالج أيضاً خصائص الفقر والفقراء في الوطن العربي ويحلل عمق وشدة الفقر، وفجوة الفقر، وأثر حجم الأسرة والأمية على معدلات الفقر. واذا كانت العلاقة بين بعض تلك الخصائص وزيادة معدلات الفقر واضحة ومثبتة عبر الاحصاءات والدراسات الميدانية، مثل الأمية، فان بعض الخصائص الأخرى ما تزال موضع خلاف. ومن الخصائص الخلافية حجم الأسرة. فالبعض يجزم بأن الأسرة الكبيرة تكون أكثر تعرضاً للفقر من الأسرة الصغيرة، لكن البعض الآخر يحاجج أن العلاقة بين حجم الأسرة والفقر ليست محسومة خاصة في الدول النامية والفقيرة.

* خدمة كامبردج بوك ريفيوز خاص ب«الشرق الاوسط»

* الفقر وتوزيع الدخل في الوطن العربي

* المؤلف: عبد الرازق الفارس

* الناشر: ( مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت2001)