المهرجانات الثقافية العربية

فاضل السلطاني

TT

تبدو المهرجانات الثقافية العربية، على كثرتها وتنوعها، متشابهة، الى حد كبير، من عدة نواح، خاصة كثرة المدعوين اليها وهو امر تفتخر به دائما ادارات هذه المهرجانات مع انه ليس في صالحها- وقلة الفاعلين. ويعرف الجميع ان قوائم المدعوين هي نفسها تقريبا، وتتكرر آليا كل عام مع بعض التغييرات الطفيفة. وبذلك تتحول هذه المهرجانات، عاما بعد عام، الى ما يشبه المناسبات الاجتماعية التي تتيح فرصة لقاء الاحبة والمعارف، بدل ان تكون ورشات عمل حقيقية يمكن ان تغني الثقافة العربية. فهذه المهرجانات، بسبب الامكانيات الكبيرة الموضوعة تحت تصرفها، يمكن ان تتحول الى سوق عكاظ ادبي نتيجة لتجميعها عددا كبيرا من المثقفين العرب في ساحة واحدة تتيح لهم التعرف الثقافي بعضهم على بعض، وعلى ثقافة ومثقفي البلد المضيف. اي انها بإمكانها ان تفعل ما لم تفعله السياسة، وتجمع ما فرقه السياسيون.

ولكن شيئا من ذلك لم يحدث للأسف، بالرغم من العمر الزمني الطويل لقسم من المهرجانات الكبيرة. لقد أصبح الغياب الواضح لمثقفي البلد المضيف سمة ملحوظة لهذه المهرجانات، مشاركة وحضورا، اما نتيجة لعدم دعوتهم او استنكاف هؤلاء المثقفين الحضور، لهذا السبب او ذلك. وهي اسباب معلنة يتحدث عنها الجميع، ويكتب عنها في الصحف المحلية، دون ان يكلف اصحاب الشأن انفسهم اعادة النظر بطريقة التنظيم انسجاما مع الهدف المرجو من اي مهرجان او لقاء ثقافي.

ونقطة التشابه الاخرى، من نقاط تشابه كثيرة، ان هذه المهرجانات تنتهي كما بدأت. وبالرغم من تنظيم محاور ثقافية مهمة، ومداخلات حيوية، كما في قسم من دورات مهرجاني الجنادرية وأصيلة على سبيل المثال، الا ان الفائدة منها ظلت محصورة في اطر ضيقة، وقلما تم جمعها في كتب او حتى كراريس ليطلع عليها عموم الناس، وبذلك ينتهي تأثيرها مع انتهاء المناسبة. وبالطبع فان ميزانية اي مهرجان لن ترهقها طباعة كتاب او كتابين سنويا.

ويلاحظ المرء ايضا ان الكتاب «الشباب» شبه غائبين عن فعاليات المهرجانات الكبيرة، التي يمكن ان نسميها مهرجانات قومية، وكأن الحياة الثقافية قد توقفت عند الدورات الاولى لهذه المهرجانات، وبعضها بدأ قبل عشرين سنة، وعند قوائم المدعوين الاولى. لقد تم في احد المهرجانات، على سبيل المثال، مناقشة قصيدة النثر ومستقبلها في الادب العربي، لكن ادارة المهرجان لم تكلف نفسها دعوة احد ممن يكتبون قصيدة النثر للمساهمة في النقاش الذي يهمهم اصلا.

وهكذا تساهم مثل هذه الثغرات في إحداث القطيعة بدل التفاعل، والرفض المسبق بدل الحوار الايجابي حول قضايا تهم مصيرنا الثقافي ككل.

وبالطبع، لا أحد يدعو الى التوقف عن تنظيم لقاءات كهذه، بل الاكثار منها هو المطلوب بشرط اعادة النظر في طريقة عملها وتنظيمها توفيراً للاموال الطائلة المخصصة لها، التي يمكن توظيفها في تحويل هذه اللقاءات في المستقبل الى ورشات عمل حقيقية، والخروج بها من طابعها السياحي، فليس من المعقول ان يدعى اكثر من 200 شخص لمهرجان ما، بينما تجد ان نسبة المساهمين الفاعلين فيه لا تتعدى عشرهم مع بعض المبالغة.