الأمن المائي العربي بين إسرائيل وتركيا

مصادر المياه ودورها في تحديد الصراع السياسي في الشرق الأوسط في المستقبل

TT

وسط التوقعات بأن تلعب المياه الدور الاهم في تحديد ملامح التفاعلات والصراعات السياسية المستقبلية في منطقة الشرق الاوسط، ونظراً للتداخل الكبير بين قوة الدول العسكرية واستقرار امنها المائي، يعالج كتاب «الامن المائي العربي الواقع والتحديات» لمؤلفه الدكتور السوري منذر خدام، الحاجات والمخاطر التي تتهدد هذا الامن من جراء استمرار اسرائيل باستخدام مختلف الوسائل لسرقة المياه العربية وضمان تدفقها اليها، ومضي تركيا في تنفيذ مخططاتها ومشاريعها على الانهار العربية ضاربة عرض الحائط بالقوانين والاتفاقيات الدولية والاقليمية.

ويتناول خدام حساسية الامن المائي الفلسطيني حيث لا تنشر اسرائيل ارقاماً فعلية حول المخزون المائي في الاحواض الجوفية المنتشرة في الاراضي التي تسيطر عليها (المصدر الاساسي للمياه في فلسطين)، بل هي تستغل هذه الاحواض في الضفة الغربية وقطاع غزة بمعدل 360 مليون متر مكعب سنوياً باعتبارها غنائم حرب على حد زعمها، كما انها تقوم بتخفيف ملوحتها الناجمة عن السحب الجائر بحقنها كميات من مياه الامطار وقد انشأت لهذا الغرض مجموعة مشاريع تضخ سنوياً نحو 130 مليون متر مكعب في هذه الاحواض الجوفية.

وعلى الرغم من ان الضفة الغربية وقطاع غزة يعانيان في الوقت الراهن ازمة حادة في المياه بسبب سرقة اسرائيل لاكثر من 80 في المائة من موارد المياه الموجودة فيها، تؤكد الدراسات، بحسب خدام، انه في حال مارس الفلسطينيون سيادتهم الكاملة على مصادر المياه في هاتين المنطقتين فهم لن يعانوا ازمة مائية في المستقبل القريب لان الايرادات المائية المتاحة تفوق الطلب عليها.

لذا تسعى اسرائيل ـ يضيف المؤلف ـ الى جعل الوضع المائي جزءاً هاماً من الحل «السلمي» للصراع العربي ـ الإسرائيلي جاهدة كي تميل الدفة لصالحها.

ولما كان الامن المائي الاردني مرتبطاً الى حد بعيد بالامن المائي الفلسطيني كونهما يشتركان في اهم المصادر المائية لكليهما وهو نهر الاردن، يرى الباحث ان استقرار الامن المائي الاردني استراتيجياً لا يتحقق الا في اطار رؤيا أشمل تطال المنطقة العربية في بلاد الشام والعراق وربما في إطار اقليمي أوسع يشمل تركيا وايران، الامر الذي يتطلب برأي الكاتب، وضعاً اقليمياً جديداً يقوم على اساس التعاون والتكامل وليس على اساس الهيمنة والاستغلال كما تحاول اسرائيل ان تفرضه باستمرار على المنطقة.

ولا تختلف المواقف التركية عن الاسرائيلية في ما يخص الامن المائي العربي في بلاد الشام والعراق، اذ يشير خدام الى ان طموح تركيا للعب دور اقليمي في الشرق الأوسط دفعها الى جعل المياه سلاحاً سياسياً للضغط على سورية والعراق لاتخاذ مواقف مناوئة للاكراد في تركيا، كما انها استغلت قوتها العسكرية ودعم الدول الاطلسية لها والضعف العربي العام والخلافات السورية ـ العراقية لتتهرب من إبرام اي اتفاق لاقتسام مياه نهري دجلة والفرات بين الدول الثلاث المشاطئة لهما ورفضت الاعتراف بالطابع الدولي للنهرين.

ازاء هذا الواقع، يعتبر الباحث ان الحلم بوحدة او اتحاد بين سورية والعراق في كيان سياسي ديمقراطي يمكن ان يشكل تحولاً استراتيجياً خطيراً على صعيد الشرق الأوسط عموماً والوطن العربي خصوصاً، من هنا تعمد القوى العالمية وبعض القوى الاقليمية الى جانب بعض القوى المحلية، على إبقاء البلدين في حالة تنافس وصراع دائمين، على حد تعبير خدام.

ويرى الكاتب ان غياب الرؤية الاستراتيجية الشاملة لدى السلطات في الدول العربية المعنية وافتعال الحروب والخلافات بينها جعلها تخسر الكثير على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، موضحاً ان تزايد الحجم السكاني في المستقبل القريب سوف يشكل ضغطاً على الموارد المائية مما يتطلب تنظيم ادارة هذه الموارد وتنميتها وترشيد استعمالاتها.

وفيما يطرح خدام السؤال الخطير الذي يواجه اسرائيل اليوم، عما سيحصل لأمنها المائي في حال استعاد العرب سيطرتهم الكاملة على مياههم، يرى أن السلام الذي تستجديه الدول العربية، حسب تعبيره، هو في حقيقة الامر نتاج توازن قوى او في أحسن الاحوال نوع من التسوية او شكل جديد لإدارة الصراع، اذ ان اسرائيل على ما يبدو لن تقبل بالحل السلمي كما يتصوره العرب لانها تخشى ان يعترف لها بأرض لا مياه كافية فيها، لأن إسرائيل ستصاب في حالة تخليها عن الأراضي المحتلة بعجز شديد في امنها المائي.

* الأمن المائي العربي.. الواقع والتحديات

* المؤلف: منذر خدام

* الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية