مجلة «النافذة» النرويجية: عدد خاص بالأدب العربي

TT

أوسلو ـ «الشرق الأوسط»: خلافا للاهتمامات المألوفة بالشرق الاوسط، شهدت العاصمة النرويجية، اوسلو، اهتماما بالثقافة العربية تمثل في صدور عدد من الفصلية الادبية النرويجية «النافذة» خاصا بالادب العربي. وقد صير الى الاحتفاء بهذا العدد اولا من خلال مؤتمر صحافي جرى في مقر اقامة السفيرة المصرية في النرويج حضره عدد كبير من الكتاب والصحافيين النرويجيين من ممثلي وسائل الاعلام المختلفة. وتلا المؤتمر الصحافي احتفال جرى في مطعم عربي في وسط اوسلو قرئت خلاله بعض النصوص والمساهمات المتضمنة في المجلة.

وان تكرس مجلة ادبية نرويجية عددا كاملا وخاصا بالادب العربي، فلا شك ان في الامر محاولة الى تعريف القارئ النرويجي بأدب ما انفك غريبا عنه، لكن ان تكون هذه المجلة هي فصلية «فيندوت» او «النافذة»، فهذا ما يدل على تغير ملموس لدى الجيل الجديد من الكتاب والادباء النرويجيين، الذي تنتمي هيئة تحرير المجلة الجديدة اليه. فـ «النافذة» هي احدى اعرق المجلات الادبية النرويجية. اذ يعود صدورها الى عام 1947. ونظرا الى الدور الذي لعبته في الوسط الثقافي في اوسلو، منذ صدورها وحتى اليوم، فانها تعتبر المجلة الادبية النرويجية الاولى.

وتتضح معالم هذا التحول في الوعي من خلال الافتتاحية التي وضعها كل من الناقد والاكاديمي تروند هوغن والروائي ستيفن سورم والناقدة يانكه كامفولا لارسن، وهم اعضاء هيئة التحرير الجديدة، الذين يعود الفضل اليهم في هذا الاهتمام السخي بالادب العربي. فيصرحون بأنهم اختاروا الشروع في اداء مهمتهم التحريرية انطلاقا من موقع مغاير عن ذاك الشائع في تصوير كل ما هو عربي واسلامي على صورة ايكزوتيكية جاهزة.

ويقول المحررون: ان النقاد النرويجيين، والغربيين عموما، اقبلوا على قراءة اعمال الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ بحماس بالغ إثر حصوله على جائزة نوبل للآداب عام 1988، غير انهم سرعان ما اصيبوا بخيبة أمل حينما ادركوا ان أدب محفوظ ليس على تلك الغرابة المألوفة التي توقعوا العثور عليها. لقد بدا محفوظ اشبه بأي كاتب عالمي أو غربي. وحيث انه لم يمدهم بالبضاعة المطلوبة، أي ما يستجيب الى مخيلتهم من حكايات شرقية مثيرة، فلقد صرفوا النظر عما تنطوي عليه اعمال هذا الكاتب الكبير من ثراء تعبيري ومضموني.

ولا عجب اذا ما سعت المجلة الى تقديم مقالات نقدية رفيعة المستوى ليس حول ادب محفوظ فحسب، وانما ايضا حول اعمال محمود درويش وعبد الرحمن منيف وآسيا جبار ونينا بوراري وغسان زقطان وغيرهم من الشعراء والروائيين العرب من مختلف الاقطار والاجيال ممن لا يعرف القارئ النرويجي عنهم سوى القليل، أو لا يعرف ايما شيء على الاطلاق، ولقد ساهم في هذه المقالات كتّاب عرب ونرويجيون شأن الناقد بيتر رانه والشاعرة والناقدة تورن بورجي والناقد السوري صبحي حديدي، مقدما الشاعر الفلسطيني محمود درويش، فضلا عن دراسة لادونيس حول اثر القرآن الكريم على الشعرية العربية.

ويسبق هذه المقالات حوار مع استاذة الدراسات الشرقية في جامعة اوسلو، كنفر ميدل، تتحدث من خلاله عن جوانب مختلفة من تاريخ الادب العربي، وتلي ذلك دراسة للكاتب الفلسطيني سمير اليوسف يتناول فيها الرواية والقصة العربيتين منذ مطلع الستينات وحتى اليوم. الى ذلك يتضمن العدد طائفة من النصوص الابداعية العربية لكل من محمد الماغوط ويوسف ادريس وادونيس ومحمود درويش وعبد الرحمن منيف وغسان زقطان وحنان بكير وغيرهم، وهي ترجمات انجزها شعراء وكتاب يجيدون اللغتين اجادة تامة شأن الباحث والكاتب العراقي وليد الكبيسي، وهو يكتب باللغة النرويجية اصلا، وله في ذلك مؤلفات عدة.

هذا بالاضافة الى نصوص ومساهمات نقدية من قبل نخبة من الكتاب النرويجيين تلامس أوجه العلاقة المختلفة بالتاريخ والثقافة العربيتين، وفي هذا المضمار تأتي مقالة الناقد الشاب سيمون مالكن «لورنس في الجزيرة العربية»، ويعرض فيها كيفية التعاطي السينمائي الغربي مع التاريخ العربي، وكذلك نص الروائي اولي روبرت ساندري الذي يسرد فيه ذكريات والدته الانجليزية حول القاهرة، مسقط رأسها في مطلع القرن الماضي، بالاضافة الى حوار مع الشاعر ايرلنغ كتلسن يتحدث فيها عن افتتانه بالثقافة الصوفية الشرقية.

وهناك الكثير من المظاهر الطريفة والشيقة مما يبعد عن المجلة شبح الاملال ويجعلها مقروءة، مثلا هناك نصوص كلاسيكية طريفة لكل من ابن فضلان والتنوخي والهمذاني، بالاضافة الى تجربة فريدة وذكية تتمثل في ترجمة نصوص نرويجية الى اللغة العربية ومن ثم اعادة ترجمة الترجمة الى اللغة النرويجية وبما يبرز الفارق المثير، للاهتمام والدراسة، ما بين مخيلة وادوات تعبير الشاعر النرويجي ومخيلة ولغة المتلقي (أي المترجم العربي). الى ذلك حفلت المجلة بالعديد من الصور والرسوم والخطوط البارزة، فضلا عن غلافها الذهبي الاطار الذي جعلها لافتة للنظر حتى من قبل أولئك الذين لا يلفت الادب انظارهم.