محمد رشاد: الكتاب العربي يقابل 11 رقيبا حتى يصدر وهناك أياد خفية تعوق ازدهاره

مدير الدار اللبنانية المصرية للنشر لـ«الشرق الأوسط»: أطالب بميثاق شرف يصون الكتاب العربي من الضرائب ويخلق قنوات مرنة لتداوله

TT

بمكتبه بشارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة، تحدث محمد رشاد مدير الدار المصرية اللبنانية الأمين العام المساعد لاتحاد الناشرين العرب وأمين عام اتحاد الناشرين المصريين لـ«الشرق الأوسط» عن مشاكل وقضايا الكتاب العربي، والمشاكل التي مرت وتمر بها الدار التي تأسست منتصف عام 1985، وأصدرت حتى الآن أكثر من ألف عنوان في هذا الحوار معه:

* الكل يتحدث عن مشكلات النشر في مصر وباقي البلدان العربية.. ما هي هذه المشكلات بالضبط؟ ـ مشكلات النشر في مصر لم تتغير منذ عشرين عاما، ورغم الجهود المبذولة على مستوى تطوير الكتاب واخراجه بشكل مشرف إلا ان الأزمات ما زالت تحاصره لدرجة انني أشعر بأن هناك أيادي خفية تعمل ضد رواجه، وهذه المشكلات لا يواجهها الكتاب المصري فقط بل لا يسلم منها الكتاب العربي أيضا.

أقول هذا الكلام لا بوصفي صاحب دار نشر فقط لكن بصفتي الأمين العام لاتحاد الناشرين المصريين والأمين العام المساعد لاتحاد الناشرين العرب، واستطيع ان اؤكد ان مشكلات الكتاب متشابهة بين بلدان العالم العربي، وان الاختلافات بينها جزئية.

* ما هي أسباب هذه الأزمات كما تراها؟

ـ هناك أسباب كثيرة، اعتقد ان أهمها عدم تربية عادة القراءة لدى النشء سواء في المؤسسات التعليمية العربية، أو في البيوت المصرية والعربية، وربما يدخل في ذلك تدهور الحالة الاقتصادية بشكل عام لمعظم الأسر مما يجعلها تفضل سد حاجاتها الأساسية على شراء الكتاب، وهناك أيضا نسبة الأمية التي تصل في البلاد العربية ما بين 4 الى 60 في المائة، وهذه النسبة تحد بشكل كبير من عملية انتشار وتوزيع الكتاب وتجعل الناشرين يفضلون طباعة كميات قليلة يسهل توزيعها قد تصل في بعض الكتب الى ألف نسخة، وربما تتراجع الى 500 نسخة.

* هل كنت تطبع هذه الكميات نفسها في الماضي؟

ـ في الحقيقة أنا أعمل في مهنة النشر منذ عام .1970 بدأت في إحدى دور النشر الكبرى في بيروت، وهناك قضيت خمس سنوات عدت بعدها الى مصر حيث عملت مديرا مسؤولا لدار الكتاب المصري اللبناني حتى عام 1985، بعدها أسست الدار المصرية اللبنانية. ونشرت حتى الآن أكثر من ألف عنوان، كما أنشأت الدار العربية للكتاب، وشاركت في تأسيس دار أوراق شرقية لنشر نوادر الكتب والموسوعات. وهذه الرحلة في عالم النشر جعلتني ألاحظ بشكل دقيق تجليات تردي عملية حب القراءة، وبالتالي مبيعات الكتب. فقد كنت في فترة السبعينيات أطبع 7000 نسخة من الكتاب، وبدأت هذه الكمية في التراجع مع عقود الثمانينيات والتسعينات حتى الآن لتصبح 5000 نسخة ثم 3000 نسخة لتصل حاليا الى 1000 نسخة، وربما أقل، والغريب ان هذا يحدث برغم زيادة عدد الجامعات في مصر والوطن العربي وانتشار المدارس في كل مكان.

* إذن هناك أسباب أخرى تقف وراء الأزمة؟

ـ انتشار الأمية ليس هو السبب الوحيد ولا يقف الأمر عند عادة القراءة وتربيتها، لكنه يتجاوز ذلك الي وجود أمية لدى المتعلمين أنفسهم الذين لا يرون فائدة في القراءة نتيجة انتشار الاسفاف والاضمحلال الفكري.

* هل تعتقد أن لانتشار الانترنت دوراً في أزمة الكتاب؟

ـ التكنولوجيا مهما زادت امكانياتها وما تقدمه من أدوات جذب للناس لن تؤثر على صناعة الكتاب وتوزيعه، والدليل على ذلك، الاحصائيات التي تقول ان مبيعات الكتاب في الفترة الأخيرة في الدول المتقدمة زادت بنسبة تتراوح بين 8 الى 12 في المائة، هذا يحدث رغم ان هذه الدول تملك أحدث أنواع التكنولوجيا، لكن هذا لا يؤثر على رغبة القراء الذين يهتمون بتربيتها لدى أبنائهم من الصغر، حتى يستفيدوا منها عندما يستخدمون شبكة الانترنت.

* لكننا حاليا نربي أطفالنا على الاستفادة من الانترنت؟

ـ أطفالنا عندما لا نربي لديهم عادة القراءة ويتجهون الى الكومبيوتر والانترنت تتكون لديهم عادة كاذبة لانهم يتجهون الى مواقع غير مفيدة وقد تكون مضرة في كثير من الحالات.

* هل هناك مشكلات صناعية تؤثر على الكتاب؟

ـ أولا نحن لا ننتج مستلزمات الطباعة بدءا من الآلات مروراً بالأحبار والورق، ورغم ان هذه الأشياء ذات أسعار ثابتة نسبيا عالميا إلا اننا في مصر نفرض عليها رسوما جمركية رهيبة تؤدي أيضا الى زيادة سعر الكتاب، وتدفع مشكلته نحو التفاقم أكثر، هذا بالاضافة الى ان وسائل الاعلام تعامل الكتاب كما لو كان سلعة كمالية، كما ان الصحافة لا تفرد مساحة لعرض الكتب وتنشيط ذاكرة المواطنين والناس، الى جانب ذلك لا يمكن ان يتابعوا البرامج الخاصة التي يقدمها التلفزيون حول مشكلات صناعة الكتاب لانها تعرض في أوقات غير مناسبة.

* ماذا عن المشكلات الرقابية التي تحول دون حرية انتقال الكتاب بين البلاد العربية؟

ـ الكتاب العربي يقابل 21 رقيبا في العالم العربي، وهي رقابة تقليدية لا تتناسب مع ظروف العصر وتحد من زيادة الكمية المطبوعة، وهناك أيضا آفة تزوير الكتاب التي لم تستطع هذه الأجهزة الرقابية وقفها، أو الحد منها، لان الناشر المزور لم يقر في ضميره حتى الآن ان الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية جريمة كبرى تقتل الإبداع والفكر العربيين.

* ماذا حصل لمشروعاتك المعلنة سابقاً لنشر الإبداع الروائي والشعري؟

ـ في الواقع كان عندي مشروع لنشر الشعر والقصة والرواية، وكنت أخطط لاصدار سلاسل تتخصص في ذلك، واخترت بالفعل هيئة علمية تشرف على عمليات النشر للشبان وكبار المبدعين. كان عندي حلم كبير حاولت تحقيقه ونشرت بعض الكتب، لكني لم أكن راضيا عنها، لا أنا ولا القراء، واعتقد ان السبب في مستوى الإبداع غير المرضي يرجع الى انقطاع الصلة بين المبدعين الكبار والشباب، وانفصام عرى التواصل بين الأجيال التي كنت في فترات ماضية ألمسها في كبار المبدعين الذين يلتف حولهم الكثير من التلاميذ ينقلون لهم معارفهم ويكونون قدوة لهم، وهذا اصبح نادر الوجود ويحدث في بعض الاحيان.

* هل هناك محاذير معينة تراعيها عندما تختار كتابا ما للنشر؟

ـ في البداية أنا مع حرية المبدع حتى نهايتها، فله الحق في اختيار الشكل الذي يبدع من خلاله، كما ان له حرية التعبير عما يعتمل في داخله، لكني أرى ان الكتابة الجنسية الفاضحة، أو التي تسبب فتنة طائفية، أو تسب الحكام لا علاقة لها بالإبداع أو حرية المبدع، لذا أرفض نشر الأعمال التي تستهدف ذلك وأمتنع عن نشرها.

وقد مرت بي وأنا أعمل في مشروعي لنشر كتب الإبداع أعمال بها الكثير من الملاحظات، لكن أصحابها كان يرفضون الحديث عنها لانهم يسلبون الناشر حقه في رؤية العمل، وهذا يختلف عما يحدث في بلدان أوروبا حيث يضطلع الناشر بدور كبير يصل الى حد اقتراحه تغيير العنوان بالتشاور مع المؤلف في بعض الاحيان، وهذا يحدث من منطلق خبرة الناشر بعمليات ترويج الكتاب وأذواق القراء. هذه المشكلات جعلتني أتوقف قليلا مقررا اغلاق الباب على مثل هذا النوع من الكتب حتى حين.

* لكن ما هي المعايير التي تلتزم بها في الكتب التي تصدر خارج مصر؟

ـ كل دولة لها محاذيرها الخاصة ونحن في جميع كتبنا نراعي خصوصيات كل مجتمع، ولا يمكن ان نقبل الاعتداء عليها.

* ماذا عن تجاربك مع المبدعين الشباب؟

ـ اكتفيت بما نشرت وأغلقت هذا الباب، لانني شعرت بأن بعض الكتاب الشباب ليس لديهم الرغبة في الافادة والتعلم ويصرون على ما يكتبون مع ان الأدب ليس له علاقة بالتشكيك في عقائد الآخرين أو الإباحية، والكاتب الحقيقي هو الذي يحترم تقاليد مجتمعه ولا بد أن يكون مسؤولا عما يكتبه، مع اقتناعي بحرية المبدع وأنه لا قيود عليه سوى هذه المسؤولية.

* لكن ما هي معاييركم لنشر كتاب ما؟ ـ أي عمل يقدم لنا في الدار، أتصفحه وأنظر فيه واذا شعرت بأنه مفيد للناس وفيه بعض الملاحظات أعرضه على مستشاري الدار، الذين يقدمون دراستين، الأولى علمية والأخرى تسويقية، بعدها ندفع العمل للنشر بالشكل الذي حددته الدراستان.

* ماذا عن مشروعاتك القادمة؟

ـ لدي مشروع لاصدار سلسلة دراسات أدبية وإبداعية، سأعود بها لمشروعي القديم وسوف أقدم عبر هذه السلسلة مبدعين شبابا، كما سأقدم سلسلة للمبدعين الكبار لا تقف عند اتجاه بعينه. ما يعنيني في هذه السلاسل تقديم الإبداع الحقيقي وكفى، أما غير ذلك فلا يهمني.

* ما هي الاعتبارات التي تحكم النشر فيهما؟

ـ بداية كتب الإبداع أقل الكتب مبيعا في العالم حيث لا تشكل سوى 5% من حجم المبيعات مع ذلك اتصدى لنشرها ولا اسعى للربح في اصدارها، لكنني اضع معايير للحد من ظاهرة ان يطبع المبدع كتبه ويهدي نصفها لاصدقائه ومعارفه، لان هذا في تصوري ليس في صالح المبدع ولا الناشر معا. ومن حق المبدع ان يحصل على عدد محدود من نسخ كتابه وحسب اعتبارات النشر المعمول بها عالميا. وعلى من يريد قراءته أن يذهب ويشتريه. كل دور النشر في العالم تفعل ذلك، الكاتب لا يهدي كتبه، والناشر هو الذي يشير عليه بما ينفع كتابه، وفي هذا السياق عندي اعتبار آخر وهو أنني لن أتعاون مع الذين يطبعون كتبهم على حسابهم لانهم يحرمون الناشر من أن يتصدى لنشر كتبهم وتوزيعها.