انعكاسات الحرب العالمية الثانية على العراق وثورة 1941 المجهضة

TT

يصدر قريبا كتاب يتناول فترة غامضة من تاريخ العراق المعاصر وبالتحديد، فترة بداية الاربعينات حين قامت ثورة 1941 التي ما زالت تثير تفسيرات مختلفة. وهنا فقرات وافية من الكتاب.

أثرت الحرب العالمية الثانية في مجرى حياة العراق بصورة عامة، لأنه كان مرتبطاً بالحكومة البريطانية بمعاهدة سنة 1930، وقد أعلن رئيس الوزراء بأن العراق سوف يحترم نصوص هذه المعاهدة وسيسهل تطبيق بنودها. وقد قطع الصلات مع ألمانيا وخرج السفير غروبا وأكد العراق للسفير البريطاني بأنه سيلتزم بالمعاهدة.

لكن الشعب العراقي، وبعض مفكريه وقادته، كان ساخطاً على الحكومة البريطانية وما جرّت سياستها على فلسطين. وفي هذه الفترة، حلّ محمد أمين الحسيني ضيفاً على العراق، ولما اجتمع مجلس الأمة في أول يوم من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أثار قضية فلسطين وضرورة حلها. وقد كان العراق يراقب ساحات الحرب الدائرة بين المحور والحلفاء، وظهر جلياً انتصار ألمانيا في أواسط سنة 1940، وسقوط فرنسا بين يدي هتلر وفكّر الساسة ان يكون العراق محايداً بعد أن يأسوا من إنصاف فلسطين وسورية من قبل الحلفاء.

وقد بدأ الانشقاق في وزارة نوري السعيد وظهر الوهن على السياسة العراقية، وهنا بدأ تدخل الجيش في إدارة دفة البلاد، فقد كانت هناك كتلة مكونة من حسين فوزي وأمين العمري تعارض وجود نوري السعيد وطه الهاشمي في الحكم ورأت في رشيد عالي الكيلاني مرشحاً للعمل، لكن كان العقداء الأربعة أسرع منهم وأنذروا قوات معسكر الرشيد مثلما فعل المعارضون عندما قاموا بالعمل نفسه في معسكر الوشاش. وتمكن نوري السعيد وطه الهاشمي من إقناع الوصي، فأخرج المنافسين من الجيش وبقي نوري السعيد في الحكم بمؤازرة العقداء، لكن هذا العمل دعا بعض الساسة إلى اتهام نوري السعيد بأنه يعمل لصالح الإنجليز فاستقال من رئاسة الوزارة.

إن هذا الاختلاف الذي صدّع الوزارة والدولة دعا الوصي إلى تأليف حكومة من كل الأحزاب، فاجتمع رؤساء الوزراء السابقون ووعدوا بمساعدة أية وزارة تتولى الحكم حتى تستتب الأمور وتُبعد سياسة الدولة وإدارتها عن تدخل الجيش.

وألف رشيد عالي الكيلاني الوزارة التي ضمّت عدداً كبيراً من الساسة المعروفين في 31 مارس (آذار) سنة 1940، وتألفت الوزارة من ناجي شوكة وناجي السويدي ونوري السعيد وطه الهاشمي وعمر نظمي ومحمد أمين زكي وصادق البصام ورؤوف البحراني، وأبقى رشيد عالي وزارة الداخلية له. وبذلك كانت أقوى وزارة في تاريخ العراق السياسي شكّلت دون أن يتدخل الجيش في إبداء الرأي فيها، وهي تمثل الائتلاف السياسي، وأعلنت في منهاجها الوزاري صحة التحالف مع بريطانيا.

وذكر لونكريك ان ميزانية سنة 1940 ـ 1941، احتوت على أموال خُصصت فيها ثلث الإيرادات للجيش وشملت مشاريع لإكمال مشروع أبي غريب والحويجة وسد ديالى وتحسين نهر الشامية وبناء السدود حول بغداد، وكانت الأسعار تهبط في الأسواق لأن الوزارة قامت بإصلاحات اجتماعية عديدة. (1) وكانت الانتصارات الألمانية وسقوط فرنسا من الأسباب التي دعت العراق إلى عدم الانضمام إلى الحلفاء.

إن الكراهية التي زرعت في النفوس ضد الإنجليز لعدم استجابتهم للقضايا القومية في فلسطين وسورية ورغبة بالتخلص من الانجليز رجحت كفة الجانب المعادي لبريطانيا، وقد أكد هذا النفور فشل الجهود التي بذلت أخيراً خلال صيف عام 1940 للحصول من البريطانيين على بعض التأكيدات عن مستقبل فلسطين أو بعض الميل المأمول نحو تحرير سورية. كل هذا قد تم استغلاله من قبل المفتي أمين الحسيني وكثير من أصدقائه، كما تم تكريم الوزراء السوريين الذين زاروا العراق بحماسة منقطعة النظير باعتبارهم شركاء في النضال ضد الامبريالية. (2) لم يقطع العراق علاقاته مع إيطاليا وغدت سفارتها منبعاً ثراً للدعاية للمحور تنشر في العراق وتجد صدى واسعاً عند أبناء الشعب لا حباً بألمانيا وإيطاليا، وإنما كراهية للإنجليز. وعلى الرغم من دخول ايطاليا الحرب ورغبة بريطانيا قطع العلاقات معها، ذهبت احتجاجات السفير البريطاني ادراج الرياح، اضافة الى ان الصحف العراقية كانت بصورة واضحة تبدي تعاطفها مع المحور وتبرز انتصاراته في الصحف بعناوين كبيرة وتضع انتصارات وأخبار القوات البريطانية في الدرجة الثانية وبمكان لا يلفت نظر القارئ. كان الرأي العام كله حتى أكثر الساسة ضد التعاون مع بريطانيا مع ان الأتراك نصحوا الدولة بضرورة التعاون مع بريطانيا. وقد ذهب ناجي شوكة إلى تركيا واتصل بالسفير الألماني فون بابن مما أدى إلى صدور بيان في 23 أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1940، يتضمن: العطف على مشكلات العرب إذا انتصر المحور على الحلفاء، وبذلك فتحت الاتصالات بين بغداد وبين المحور.

إن الحرب وملابساتها العالمية ما بين مدّ وجزر وعدم معرفة النتائج الأخيرة للنهاية قسّمت الرأي في الحكومة بصورة واضحة. فقد كان نوري السعيد وجميل المدفعي يريان ضرورة التمسك بالمعاهدة وتطبيق بنودها والالتزام بها، والفريق الثاني الذي كان فيه ناجي شوكة والضباط كانوا مخالفين لآراء الفريق الأول. وكان رئيس الوزراء حائراً بين هذين الاتجاهين ولا يقدر أن يعمل عملاً حازماً أو واضحاً. وقد استاءت بريطانيا من موقفه هذا مع انه كان يعرب عن استعداده لتطبيق بنود المعاهدة بعد أن عرف موقف انطوني ايدن وشكه وقلقه من موقفه الذي يقفه في هذه الفترة.

بدا القلق والحيرة والارتباك على جو العلاقات العراقية ـ البريطانية تقرر بعدها بقاء رشيد عالي في رئاسة الوزراء وأن يستقيل نوري السعيد وناجي شوكة من الوزارة، فاستقال في 21 يناير (كانون الثاني) سنة 1941، ثم تبعه ناجي شوكة وجيء بوزيرين هما علي محمود الشيخ علي ويونس السبعاوي. ولم تستمر الوزارة في سدة الحكم، إنما تقرر أن يستقيل الوزراء الآخرون.

هنا تظهر آثار تدخل الجيش بصورة واضحة في شؤون السياسة في العراق، فقد ذهب الضابط محمود سلمان إلى الوصي وأبلغه رغبة الجيش بمساندة رشيد عالي الكيلاني. وكان حرياً به أن يقبل استقالة الوزارة وتعيين غيرها، وبذلك يسد الطريق على الجيش وعلى تدخله، لكنه في الثامن والعشرين من (كانون الثاني) وافق على تعيين محمد علي محمود وموسى الشابندر وزيرين جديدين. وهنا تبدو على الوزارة السحب السوداء، إذ ان مجلس النواب الذي اجتمع في الثلاثين من الشهر نفسه وجّه نقداً لاذعاً لرشيد عالي الكيلاني ووزرائه ولم يجد الكيلاني مهرباً من هذه الهجمة، إلا أن يطلب من الوصي أن يحل المجلس حتى يتجنب هذه الانتقادات التي أخرجت بعض الوزراء عن الطوق وأصول المناقشات البرلمانية والأخلاق العامة بين الناس.

موقف الوصي ما كان موقف الوصي حازماً وواضحاً ولعله خشي مغبة الأمر، فترك بغداد إلى الديوانية وبذلك أحرج الكيلاني فاستقال برقياً من الوزارة، وأشار عليه الوزراء الكبار بضرورة أن يعيّن طه الهاشمي رئيساً للوزراء لأنه عسكري وله صلات وثقى بالجيش. وفي شهر فبراير (شباط) تألفت وزارة طه الهاشمي وعاد الوصي إلى بغداد.

فهل انتهت المشكلات وسويت الأمور لصالح الشعب العراقي؟ إن المصلحة الفردية وحب الذات كانت تدفع الفرقاء إلى التطاحن ووضع المصلحة الخاصة فوق مصلحة الوطن.

وعاد الوصي إلى بغداد وكلّف طه الهاشمي بتأليف الوزارة، وقد اتصل الهاشمي بالقادة وأخبرهم بالأمر وقال صلاح الدين الصباغ في مذكراته بأن الهاشمي سيقبل الوزارة إذا ضمن تأييد العقداء وأن تحترم الوزارة بنود المعاهدة فكانت الموافقة. (3) وتشكلت وزارة طه الهاشمي، وجاء انطوني ايدن إلى القاهرة وطلب منه الذهاب لمقابلته أثناء وجوده في القاهرة، فأرسل توفيق السويدي وزير الخارجية، وبحث السويدي مع ايدن مساعدة الجيش العراقي بالسلاح وتسهيلات في دفع الأثمان وقبول عراقيين في المؤسسات العسكرية البريطانية. وأراد ايدن قطع العلاقات مع إيطاليا والسماح للقوات البريطانية بالتحشد في العراق وحل قضية العقداء الأربعة وتأثيرهم في مجرى السياسة العراقية.

وقد رحّب البرلمان بالوزارة بعد أن قامت بإنجاز بعض الأعمال المفيدة وزيادة رواتب الموظفين وفازت باسناد شعبي جيد.

كانت غلطة طه الهاشمي الأولى انه استشار الجيش فدخل في روعه مقدرته على إدارة الأمور، وكانت الغلطة الثانية انه لم يكن حازما في اتخاذ الموقف الجاد لإثبات قدرته، فهو أشد تعاطفاً مع قادة الجيش من إطاعة أمر الوصي. بعد أن تخلوا عن نوري السعيد تخلوا عن مساندة طه الهاشمي فقد أحسوا بأنهم خرقوا الأصول الدستورية المتعارف عليها في البلاد وأنهم سوف ينالون بهذا التدخل السافر في أمور البلاد عقاباً، وزاد من هلعهم وخوفهم نقل كامل شبيب وطلب طه الهاشمي من صلاح الدين الصباغ الالتحاق بعمله في لواء ديالى وترك بغداد مع أنهم أقسموا بشرفهم العسكري بأنهم لن يتدخلوا في السياسة.

هنا يقف الباحث بعد هذه السنوات الطويلة من حركة رشيد عالي ويتساءل: هل كانت هذه الحركة لصالح العراق وضد الاستعمار الانجليزي؟ أم انها حركة لحماية الأغراض الفردية؟

كنت طالباً عندما حدثت هذه الأحداث وكان العراق مشحوناً بكراهية الانجليز، فقد كانت أعمالهم في فلسطين والعالم العربي تثير في نفوسنا الألم. ولم نكن بحاجة إلى إثارة فقد نشأنا في المدارس ونحن نسمع كل يوم وساعة كراهية الإنجليز والرغبة بالتخلص منهم، وكنا نحفظ الأناشيد المدرسية التي تحث على التخلص منهم وكانت دروس المحفوظات تملي علينا السخط على الأجنبي والاستعمار الذي كان بعيداً عنا في اللغة والدين وطراز الحياة. وقاعدة الدين كانت تغذي هذه المشاعر دائماً وحب الاستقلال يدوي مع كل كلمة من كلمات الجرائد والصحف والخطب المدرسية والعامة.

لذلك لما خاف القوّاد على أنفسهم استفادوا من هذا الحقد وأثاروا النار في نفوسنا وكان وقودها جاهزاً للالتهاب، أليس القادة ضد الاستعمار الإنجليزي؟

هذا ما بثه رجال الحكم والدولة بعد أن خاف هؤلاء على مناصبهم عندما نقل ضابط واحد من زملائهم فأشعلوها حرباً قومية.

وفي ليلة الأول من أبريل (نيسان)، اجتمع العقداء الأربعة مع أمين زكي نائب رئيس الأركان وأعلنوا حالة الطوارئ في معسكر الرشيد، وحركوا الجيش حول بغداد وحول مكان إقامة الوصي، وذهب فهمي سعيد وأمين زكي إلى طه الهاشمي وطلبا منه الاستقالة وأنذروه بأن وزارته يجب أن تستقيل خلال يوم واحد. ولما عرف الوصي الأمر هرب من مكان إقامته إلى البصرة والغريب أن يُطلب من حامية البصرة إلقاء القبض عليه، فاضطر إلى الذهاب إلى عمّان. (4)

* الحرب العالمية الثانية

* ظروف الحرب العالمية دعت الحكومة البريطانية فرض إرادتها على الحكومة العراقية، ولما أذاعت ألمانيا وإيطاليا بأن المحور يعطف على الآمال العربية حفرت هوة بين العراق والإنجليز الذين لم يعترفوا للعرب ولفلسطين خاصة بالحقوق، وهذا الذي دعا الرأي العام للانقسام ما بين مؤيد للمحور وبين مؤيد للحلفاء، ورأى جانب منهم ضرورة إعادة العلاقات مع ألمانيا التي قطعت من جراء الحرب.

كانت المشكلة الأولى خوف العقداء، لذلك تمسكوا برشيد عالي، لكنه خاف من نقد مجلس النواب له، وطلب حلّه، لكن الوصي لم يجد ضرورة للحل لوجود مناقشة الميزانية فيه، ولما استقال رشيد عالي برقياً قال إنه استقال تحت تأثير الحكم الأجنبي ونشرت الاستقالة في الجرائد وصدّق الرأي العام ذلك، فانضمّ إلى جانب الكيلاني لأنه ضد الإنجليز. ولما جاء طه الهاشمي وهو يعرف خفايا الأمور قال بصراحة بأن الوزارة استقالت لأنها لم تؤيّد من المرجع الأعلى في حل البرلمان، فكان ذلك سبباً في إثارة حفيظة الكيلاني والعقداء الذين كانوا يريدون ارتداء لباس القومية والوطنية وقرروا اسقاط الوزارة وأجبروا طه الهاشمي على الاستقالة، وقال الهاشمي في مذكراته بصراحة عن الكيلاني «اخذ ينتقد خطابي في المجلس النيابي الذي نفيت فيه تدخل الأجانب في أمر استقالة وزارته، وقد قال لي، كيف تنفي هذا السبب وأنت تعلم أنه لولا تدخل الإنجليز لما استقالت الوزارة؟ فأجبته ان سبب استقالة الوزارة كما يعلمها، هو إقدام حكومته على طلب حل المجلس، وقلت له، لو انك لم تقدم على هذا لبقيت في الحكم ولا يصح عزو سبب استقالتها إلى المصالح الأجنبية كما ذكر في كتاب استقالته وطبعها في نشرة ووزعها على الناس في صباح ليلة الاستقالة، ثم من الذي اضاف عبارة المصالح الاجنبية على مسودّة الاستقالة (وكان السبعاوي هو الذي أضاف تلك العبارة)، وانت بنفسك لم تعز السبب إلى الأجنبي في كتاب استقالتك لو لم يضفها السبعاوي فتقبلتها مكرهاً. فامتعض من هذا الجواب وقال: خطابك تكذيب صريح لي وإحراج لموقفي أمام الرأي العام». (5) وقد طلب مني السبعاوي أن أصلح ما ذكرته في خطابي في المجلس في أول فرصة، وأنكرت عليه تدخله في الأمور لأنه لا يعرف الأمور، وإنما سمعها، فما كان منه إلاّ أن قال للهاشمي «إن بيانك يكذبنا ويحرجنا»، فقال الهاشمي: أضفت تلك العبارة وكان الأجدر بك ترك المسودة كما كتبها الكيلاني.

ورأى طه الهاشمي أن ينقل كامل شبيب للقضاء على الشغب وحذر القادة فكان كامل يختلق الأعذار ويعظّمها في أعين القادة ويجعلهم قلقين دائما ويختلق الأخبار. ونقله يقلل من تأثيره المهيج المقلق وأن يذهب صلاح الدين إلى قطعاته في ديالى. فأتى كامل شبيب شاكياً باكياً ورمى اللوم على رفقائه وأسند التقصير إلى رشيد عالي، وكان صلاح الدين مستعداً لترك بغداد إلى جلولاء. ولم يكن رئيس الأركان قوي الشخصية ليفرض سيطرته، لذلك رجاني تأجيل نقل الشبيب لأن القادة رأوا في نقله مقدمة لتشتيتهم، وكان يونس السبعاوي يحث على الشغب بالاتصال بالقادة، فماذا صنع القادة؟ طلبوا من طه الهاشمي الاستقالة وأحاطوا بالقصر وأخبروه بأن الجيش يريد رشيد عالي، فاضطر إلى الاستقالة حقناً للدماء. وبذلك هرب عبد الإله من الضغط وهنا برزت رغبة الحكم بالنفوس وأخذت المعارضة تخوّف الوصي من الجيش ويلحون عليه لمعاقبتهم، أما رشيد وجماعته فقد كانوا يخوّفون القادة من الوصي. وظهرت آثار الخوف على القادة من المعارضة وكان يونس السبعاوي الحلقة بين رشيد والجيش. (6) في هذا الجو المضطرب غاب الوصي وقال رشيد عالي إنه مستعد لإنقاذ الموقف، فحذره الهاشمي من المخاطر التي تعم البلاد ولم يسمع نصائحه بالتروي، وأعاد رشيد عالي الكرّة على طه الهاشمي ان الجيش عازم على تسلم البلاد. وقد ذهب رشيد إلى بناية مجلس الوزراء وتسلم الحكم وكان الوصي في البصرة. وفي 4 ابريل (نيسان) صدر في الجرائد بيان رئيس الأركان بأن طه الهاشمي استقال برغبته وقد سافر الوصي إلى عمّان وعيّن الشريف شرف وصيا بموافقة مجلس الأمة وألف رشيد عالي الوزارة.

وكان رشيد عالي في 3 ابريل (نيسان) قد شكل حكومة الدفاع الوطني وأعلنت في الجرائد والصحف والإذاعة.

خرج الناس في الشوارع فرحين.

انه أسبوع واحد اجتمع فيه مجلس النواب المعارض ووافق على رغبات رشيد عالي في عزل الوصي وتعيين الشريف شرف محله وقبل استقالة طه الهاشمي، ولم يبق الوصي سوى خمسين يوما في الوصاية.

أنا في حيرة من أمر العراق ومجلسه، أقال عبد الإله بالحرارة والتصفيق اللذين قابل بهما عبد الإله. إذا كان مجلس النواب وهو يمثل الشعب أو أنه من أبناء الشعب يكون كالأغنام وهم يرفعون أيديهم بالموافقة تحت الإشارة وكأنهم خشب مسندة! حقاً إن أهل العراق أصحاب أكثر من بيعة، هل جبن؟ أم حب سلامة أو الطمع في المال؟ أين المثل العالية والشهامة والمروءة والثبات على العهد والحفاظ على الكلمة؟

المجلس النيابي يمثل اكثر أهل العراق الذين بايعوا الحسين بن علي وذهب أهل العراق إلى عبد الله بن الزبير في الحجاز ثم عادوا إلى العراق فنكثوا العهد.

من يعطيني السبب المقنع في أمر مجلس النواب، له الأجر والثواب ولن ينالهما أحد أبدا! انه مجلس انتخب في زمن نوري السعيد، أراد رشيد عالي حله لأنه معارض له فلم يوافق الوصي ويسافر إلى الديوانية، هذا المجلس المعارض لرشيد نفسه هو الذي خلع الوصي عن العرش ونصّب الشريف شرف، ثم أعاد عبد الإله بعد أن خسر رشيد المعركة. المجلس الذي عدّل الدستور ومنح الملك (أو الوصي) حقّ إقالة الوزارة وهو المجلس الذي أتم دورته النيابية!، إنه خير مثل على طبع أهل العراق.

* الكتاب: حرب العراق والإنجليز

* المؤلف: د. يوسف عز الدين

* الناشر: دار «الحضارة» ـ القاهرة