مشروع عربي في موسكو لتقديم روسيا بعيون عربية

الدكتور ميثم الجنابي لـ«الشرق الأوسط»: كتاب «رمال» ضروري للعالم العربي ورفضنا محاولات مشروطة للتمويل

TT

يشرف الدكتور ميثم الجنابي، مع مجموعة من الباحثين العرب المقيمين في موسكو: نوفل نيوف، وجلال الماشطة، وأحمد الخميسي، على مشروع كتاب «رمال» الذي صدرت منه سبعة أعداد، تناولت الشأن الروسي والصورة العربية في الذهنية الأدبية والفكرية الروسية، وأنماط الاستشراق الروسي. والجنابي واحد من المشتغلين في الحقل الفلسفي، ولد في العراق وغادره قبل ثلاثين عاماً إلى الاتحاد السوفياتي حيث حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الفلسفية الإسلامية. وله عدة دراسات وأبحاث في هذا المجال.

هنا لقاء معه حول مشروع «رمال»:

* ما هي الرؤية التي تقف وراء إصدار سلسلة دراسات عربية عن الشأن الروسي؟ هل هي مطلوبة في العالم العربي؟ ـ مما لا شك فيه أن روسيا تشكل بالنسبة للعالم العربي، من الناحية التاريخية والثقافية والجيوسياسية والعسكرية، أهمية كبيرة لا سيما أن تكون البلدان العربية المعاصرة واستقلالها السياسي، تاريخياً، تزامن مع المرحلة السوفياتية. تزامن ذلك في العام 1917 بين تكون الدول العربية المعاصرة بعد تحلل الامبراطورية العثمانية، وتشكل العالم العربي بصيغته الجيوسياسية المعاصرة، وايضاً قيام الثورة البلشفية.

وفي الإطار العام تلاقت كثر من الدول العربية والاتحاد السوفياتي من ناحية المصالح السياسية والجيوسياسية خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، وتعمقت هذه المسألة في وقت لاحق بعد الارتباط مع صعود حركات التحرر الوطني والتجربة الناصرية وغيرها من الانعطافات الحادة التي جعلت من روسيا والعديد بين الدول العربية علاقات حميمة وإلى حدٍ ما استراتيجية. وبعد انحلال الاتحاد السوفياتي وظهور روسيا باعتبارها الوريث الشرعي للامبراطورية السابقة، والتغييرات التي ترافقت في ميدان العلاقات السياسية والتغييرات على الصعيد العالمي، انقطعت هذه العلاقات التي كانت قائمة من حيث الجوهر بالدول وليس بالمجتمعات والأحزاب السياسية، وظهر بفعل الانقطاع فراغ كبير، واذا كانت في ما مضى ثمة دراسات سواء من الجانب العربي أو من الجانب السوفياتي المترجم للعربية تسهم في توضيح تلك الجوانب المتعلقة بين الطرفين، فاننا نلاحظ غياباً شبه كلي لدراسات من هذا القبيل عن روسيا وانقطاع المثقف العربي المعاصر ورجل السياسية المتخصص في الشؤون الدولية عن متابعة الاحداث الروسية من خلال الروس، أو من خلال العرب انفسهم، وأصبحت المصادر الأجنبية وبالذات الأوروبية والاميركي المعين الذي ينهل منه الصحافي ورجل السياسة.

هذا كان أحد الأسباب الجوهرية التي دفعتنا الى التفكير في انشاء كتاب أو كتيب أو مجلة تأخذ على عاتقها سدّ هذه الثغرة، ومن جهة أخرى دراسة روسيا بعيون عربية. وقد حاولنا أن نستلهم لحدٍ ما تاريخ العلاقة بين العالم العربي وروسيا، وقد لاحظنا ان الدراسات السابقة وضعها مستشرقون أو كتاب، روس وهي كتابات روسية بلغة عربية، فأردنا استبدال هذه الصورة بتقديم كتابات عربية في الشؤون الروسية. وهي مهمة تخضع في نهاية المطاف لرؤية العالم الأوروبي والروسي من خلال العيون العربية من أجل ايجاد صلات ممكنة وواقعية لفهم العلاقة وفهم الشأن الروسي للطرف المعني بهذه العلاقات. وروسيا ـ حسبما اشرت ـ ينبغي» في اعتقادي أن تبقى حليفاً للدول العربية أو على الأقل ان لا تكون عدواً أو محايداً»، وبالتالي تصبح دراسة الشأن الروسي من مختلف الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية والأدبية مهمة سياسية وثقافية.

* لماذا اخترتم اسم (رمال) وهو اسم لا يدل للوهلة الأولى على طبيعة سلسلة الكتب التي تنوون اصدارها؟

ـ كنا نبحث في بداية الأمر عن تسمية فريدة ومتميزة وغير شائعة الانتشار، وبعد محاولات طويلة، في نهاية المطاف جرى العثور على هذه التسمية، ولا أقول ان التسمية بحد ذاتها (صدفة) وانما من خلال المناقشة فتشنا عن التسمية، وحاولنا ان نعطي لها ابعاداً شعرية أو أدبية تعكس طبيعة العلاقة بين روسيا والعالم العربي.. الرمال من حيث الظاهر فعلاً تبدو انها كيان غير متحرك ولكنها في الواقع في حركة دائمة، وهي توحي بهذا المعنى كما لو أنها غير واضحة المعالم وغير واضحة الآفاق، ومتبدلة ومتغيرة وقد تبدو كما لو ان ما يجري فيها من تغييرات لا يخضع لمنطق واضح المعالم، وفي نفس الوقت تبدو وكأنها ذرات غير متناهية ولكنها مترابطة في ما بينها. في هذا المعنى اردنا ان نقول ان العلاقات العربية ـ الروسية هي الاخرى متحركة، غير واضحة المعالم، متبدلة، متغيرة، بفعل الطابع المميز لروسيا والعالم العربي في الحالة المعنية، الذي لا يحكمه في الأغلب منطق داخلي متماسك، والذي يمر بحركة انتقالات سريعة اشبه ما تكون بالحركة السحرية.. وهذه ـ كما أشرنا ـ مقاربة ادبية ولكنها تحاول أن تصور هذه العلاقة وليس لها علاقة بتاتاً بالرمل والرمال

* ما هي محاور واتجاهات السلسلة؟ ـ هناك محاور أساسية; المحور الأول: يتعلق باجراء دراسات سياسية تتناول الواقع الروسي، وأحد الشروط الأساسية لنشر الدراسة ان تكون ذات صلة بالعلاقة العربية ـ الروسية، حتى في حال الحديث عن شخصية روسية أو قضية روسية ينبغي أن تكون لها علاقة بالعالم العربي. ومن هنا تتميز السلسلة بأنها الاصدار الوحيد الذي يتناول روسيا بشكل متخصص في علاقتها بالعالم العربي.

المحور الثاني: أبحاث ومواقف. وهذه الأبحاث قد تكون سياسية وقد تكون اجتماعية وقد تكون فكرية، لها علاقة بقضية ما ملموسة في العلاقات العربية ـ الروسية، والكاتب عادة ما يبدي موقفه من هذه القضية.

المحور الثالث: سميناه مرايا عربية ـ روسية، ونحاول من خلاله ان نبحث عن الشخصيات الفكرية والأدبية الروسية التي كتبت عن العالم العربي، وبالعكس أي العرب الذين كتبوا عن روسيا وتخصصوا فيها، والحديث في هذا الباب يدور حول المستشرقين وعمن تخصصوا في روسيا من بين العرب.

المحور الرابع: هو ملف العدد، ونتناول فيه موضوعاً يهتم به القارئ العربي، مثل: روسيا والغرب، روسيا والشرق، القضية الصهيونية وعلاقتها بالعالم العربي، الصراع العربي ـ اليهودي، الظاهرة الاسلامية في روسيا، المشكلة القوقازية وانعكاساتها على العلاقة العربية ـ الروسية.

والمحاور الأخرى هي في الغالب محاور ادبية نسعى من خلالها لانجاز ترجمات لمؤلفين وقصاصين وشعراء وأدباء روس لم تترجم قبلاً للغة العربية بما في ذلك المعاصرون الذين لا يعرف عنهم القارئ والشاعر والأديب العربي المعاصر، وبالتالي حاولنا أن نستكمل صورة مما يجب تقديمه لرجل السياسة ورجل الفكر والتاريخ والأدب.

* من هو المستفيد من هذه الدراسات؟ هل يستفيد منها السياسيون وصانعوا السياسة العربية وخاصة أقسام العلاقات الدولية والباحثون في وزارات الخارجية والجامعات ومراكز البحوث؟

الهدف الاساسي هو ان تستفيد منها هذه الشريحة، الكتاب ليس موجها للقارئ العادي، بل موجه لمن يهمه الشأن العام، ومن هو مهتم بالشؤون الدولية والعلاقات الثقافية بين الأمم. ولكن ليست مهمة المجلة أن تصل بالضرورة لرجل القرار السياسي أو رجل الدبلوماسية، لكن هذه الشرائح تدخل ضمن تصور واضعي الكتاب من أجل أن يكونوا من قرائها وليس قراءها الوحيدين.

* لماذا هو (كتاب) وليس (مجلة)؟ لماذا لا تتحول الى اصدار دوري منتظم على هيئة مجلة متخصصة؟ هل هناك عقبات؟

ـ هناك تعقيدات فنية ومادية.

* وماذا بشأن العاملين في هذا المشروع، كم عددهم؟

ـ العاملون في هذا المشروع هم ثلاثة من المختصين في الشأن الروسي المقيمين في روسيا، وتمثل هيئة التحرير العصب الرئيسي وتقوم بالجهد الأكبر في الاعداد والتحرير.

* كم نسخة تطبعون من كل كتاب؟ ـ ألف نسخة لا تباع بالمعنى المتعارف عليه لسبب بسيط وهو أن المهمة الأولية التي وضعنا من أجلها هذا الكتاب ليست تجارية على الاطلاق، ورغم انني أعرف أن الكتاب لكي يستمر يجب أن يستند الى أسس تجارية.

* من يموله اذن؟

ـ نحن الذين نموله بشكل مباشر من خلال الاشتراكات والتبرعات الشخصية من قبل أشخاص، لأن أهم أهداف المشروع ان يكون الكتاب مستقلاً استقلالاً تاماً عن أي مؤسسة حكومية أو حزب سياسي أو جهة مالية، وبما أن الكتابات والترجمات التي نقوم بها نباشرها في الأغلب (نحن) «هيئة التحرير»، واستناداًَ الى كتاب أمثالنا، ونحن نعمل بدون مقابل، فالكتاب بهذا المعنى لا يكلفنا فلساً.

* ألا تفكرون في تأسيس مركز كمؤسسة حاضنة لهذا المشروع حتى تضمنون بقاءه ـ العمل الآن جار في هذا الاطار، وقد جرى تقديم اقتراحات عديدة لاحتضان هذا المشروع من حيث تمويله وتوزيعه وطباعته، ولكني رفضت هذه المشاريع جميعاً لسبب بسيط أنها تحاول ان تتدخل بهذا القدر او ذاك في شؤون الكتاب، وساندتني هيئة التحرير التي رفضت اي تدخل من أي جهة كانت في سياسة الكتاب، أو شعاراته أو اعضاء تحريره.

* وحتى الآن لم تجدوا ممولاً مقتنعاً بالمشروع ذاته دون أن يفرض عليكم شروطاً؟

ـ هناك اقتراحات لا تحوي شروطا سياسية أو فكرية ولكنها ايضاً لا تناسبنا لأسباب خاصة.. والآن من المحتمل أن تجري اعادة بناء الكتاب ضمن مركز للدراسات الاستراتيجية يدرس اوروبا واوروآسيا ويمكن انتاجه تحت اسم مركز الدراسات الأوروآسيوية من أجل تقديم رؤى استراتيجية للعالم العربي في ما يتعلق بالصراعات والتحولات.

* ألم تصل لكم اسرائيل بعد؟

ـ اسرائيل أنشأت بالفعل مركزاً لما يسمى بدراسات الشرق الاوسط، وقد وظفت اغلبية ساحقة من المستشرقين والمستعربين برواتب مغرية، لا من أجل أن يكتبوا شيئاً ضد العالم العربي ولكن من أجل تقريبهم ودفعهم لتسويق المشروع الاسرائيلي، في حين ان العالم العربي غائب عن هذا الموضوع.

=