عيون المطابع:

TT

تأتي المجموعات القصصية الجديدة التي ستصدر لي قريبا عن «دار الثقافة للنشر والتوزيع بالدار البيضاء» بعد مجموعات سابقة صدرت لي للفتيان والفتيات وأغلبها صالح للصغار والكبار، وقد صدر لي منها حوالي ثلاثين كتابا بالمغرب، وصدر منها عن «دار العبيكان» بالرياض بالمملكة العربية السعودية أزيد من أربعين رواية قصيرة NOVELETTA للشباب. وهذه القصص هي «هشام الفروج» و«بوعجاج» و«سلطان المتسولين»، «سقوط القناع عن مكيكو مكواع»، وهي موجهة للشباب وعموم القراء، وهي تعتمد على التشويق الحاد. والحديث عنها قد يعرض عقدتها، أو عقدها، للانكشاف، رغم ان انكشافها لا يؤثر على متعة قراءتها، ورغم ذلك فسأكتفي باطلالات سريعة على بداياتها لإعطاء فكرة عنها للقارئ، دون إفسادها عليه.

هشام الفروج بدأ رواد حديقة ابن سينا بالرباط يشتكون من ظاهرة غريبة تتمثل في غلام متوحش يخرج على الناس فجأة ويخطف اشياءهم، مثل المظلات والنظارات والهواتف وقطع الملابس، ويختفي كما ظهر فجأة وبلا أثر، كان يخرج لهم من وراء الاشجار أو ينزل عليهم من فوقها في الاماكن الخالية.

وحين خطف هاتف زوجة وزير تحرك الامن للقبض عليه، ونصبوا له الكمائن وبثوا العيون المتنكرة في هيئات رياضيين ومعاقين وشيوخ، وجاءوا بحرس من ركاب الخيل...

لم يوقفه ذلك بالمرة، بل أخذ يفاجئ هؤلاء كذلك ويأخذ ادوات اتصالهم وقبعاتهم الرسمية احيانا، ويتركهم اضاحيك لزوار الحديقة، ومرة ارتمى فوق فارس من شجرة وأوقعه من فوق جواده وشن به غاراته على الحراس المتنكرين.

وبقي يعيث في الحديقة فسادا حتى تصدت له طالبة من معهد الصحافة كانت تقصد الحديقة للمذاكرة، فخطف منها هاتفها، وحين جرت خلفه عاد وخطف الكاسك من فوق رأسها، وعادت تجري خلفه فاختفى وخرج لها من خلف شجرة وطرحها أرضا وأخذ ساعتها وخلع حذاءها ولبسه وهو قاعد فوق ظهرها، وهي تصرخ، وقد ظنته جنيا أو قردا بشريا لطول شعره وحفائه وخشونة يديه.

ولم تحقد الفتاة الجميلة عليه بقدر ما أعجبت ببراعته في نهبها دون أن يؤذيها، واستهواها غموضه ودواهيه الى هذا التصرف الغريب وأثار فضولها الصحافي، فقررت أن تلاحقه لمعرفة حقيقته، قبل أن تسبقها الشرطة اليه، وتجعل من حالته النادرة موضوع اطروحتها الجامعية حول التحقيق الصحافي.

وبدل أن توقعه في حبائلها أوقعها هو في حفرة داخل دغل في ركن الحديقة فوجدت نفسها أسيرة في قبو دار مهجور مجاورة للحديقة، وهناك اكتشفت سرا أدمى قلبها وغير مجرى حياتها الهنية الرخية وحياته كذلك.

بوعجاج كان يونس، عبقري المدرسة الثانوية، فتى نحيلا ضئيلا مصابا بالربو فاختنق امام المدرسة بسبب دخان حافلات أبو عجاج القهراوي ومات، وأصيب زملاؤه بصدمة هائلة، وقرروا محاربة حافلات القهراوي الملقب ببوعجاج لما ينفثه أسطول حافلاته المهترئ من عجاج ودخان يلوث شوارع المدينة الكبيرة وبيوتها ورئات سكانها، فكتبوا اليه فلم يجب، واشتكوه للمسؤولين فلم يتلقوا جوابا، واشتكوا للصحافة فلم تنشر شكاواهم، واخيرا ذهبوا اليه وترجوه أن يسحب الحافلات أو يجدد محركاتها، فطردهم بطريقة مخزية.

وعلموا من آبائهم أن القهراوي من أغنى أهل المدينة، وأنه شخص أمي قدم اليها من قرية صغيرة واشتغل مع فرنسي في مصنع للمشروبات الغازية، وحين مات الفرنسي أصبح غنيا بقدرة قادر، وعرفوا منهم كذلك أنه لا يلوث شوارع المدينة فقط، بل وعقول أهلها باستيراد المشروبات والسجائر المنتهية الصلاحية وتغيير تواريخ استهلاكها وبيعها للفقراء بأثمان مخفضة، وأن سبب قوته وطغيانه هو شراء ضمائر كبار المسؤولين بالرشاوي الضخمة وشراء كرسي في البرلمان للتمتع بالحصانة من متابعة العدالة.

وأحس الاولاد بالعجز والاحباط أمام هذا الاخطبوط الجبار وصرفوا النظر عن مقاومته، ولكن شيئا عجيبا حدث، جعلهم يسترجعون الحماس والايمان رأوا في نفس الليلة وجه زميلهم يونس، شهيد التلوث، في المنام يعاتبهم على استسلامهم لجبروت الفساد، وأوحى اليهم بطريقة ذكية لاختراق دروعه السميكة، وأيقنوا أنها رؤيا صادقة وليست حلما من أضغاث الاحلام.

ومن ثم بدأت حملة من أشرس الحملات على امبراطور الفساد، القهراوي بوعجاج، وتوالت المفاجآت والمغامرات والتشويق الحابس للانفاس.

سقوط القناع عن مكيكو مكواع إذا أردت أن تصبح ذا سلطة ومال وجاه، وتبقى في منصبك السامي أزيد من ربع قرن بلا حسيب ولا رقيب، فاتبع طريق المكي ـ أو مكيكو ـ مكواع، ولكن بشرط، وهو ان تطرح الاخلاق من حسابك.

مكيكو مكواع موظف سام على رأس مؤسسة ضخمة، ابتكر وسيلة للبقاء في منصبه مدى الحياة، واطلق عليها، بينه وبين نفسه، اسم «سلاح الملفات». ومن خلالها استطاع ان يتحكم في عدد من الموظفين السامين والشخصيات النافذة في البلد عن طريق إثقال كواهلهم بديون لا يطالبهم بها إلى أن أصبحت مستحيلة الاداء لضخامتها، وعن طريقها استبعد هؤلاء واستعملهم كـ«لوبي» لاحباط كل محاولة لزحزحته عن منصبه الكبير الخطير.

وبقي كذلك مطمئنا آمنا من صروف الدهر، الى ان رمى القدر في طريقه بكمال شرف الدين. كان كمال شرف الدين موظفا صغيرا في قسم الحسابات بالمؤسسة، وكان موهبة خارقة في تقنيات الحاسوب فاستطاع الاطلاع على جميع أسرار المؤسسة وفسادها الهائل، وكان رئيسه المباشر يستغل خبرته الواسعة وحماسه للعمل ويكلفه بانجاز أعمال القسم ويدعي للرئيس انه منجزها.

الى أن كان يوم أصيب فيه طفل شرف الدين بمرض خطير فاحتاج الى سلفة كبيرة عاجلة لعلاجه، فقصد المدير الكبير، مكيكو مكواع، وكان هذا مشغولا بتكوين حزب ليصبح زعيما، فأساء استقباله ورفض مساعدته، ففقد كمال أعصابه وهدده بنسف امبراطوريته على رأسه، بما يعرفه عنه من فساد ونهب للمال العام، وفر هاربا... فأصدر مكواع أمره لحراسه باحضاره حيا أوميتا. ومن هنا تبدأ هذه الرواية الغنية بالتشويق، منذرة بنهاية عهد الفساد في البلد وفي جميع بلاد العالم الثالث، ومبشرة بعهود جديدة من الجدية والحرية والديمقراطية والشفافية والعدالة الاجتماعية وتحكم الشعوب في مصيرها.

* كاتب من المغرب الكاتب محمد عبد السلام البقالي (تصوير: مصطفى حبيس)