العودة إلى النفط مرة أخرى

بعكس الكتاب العرب، أكثر المؤلف من الاستشهاد بالأرقام ومقولات الآخرين إلى حد ربما يفقد القارئ التركيز خالد القشطيني

TT

عندما وصلني كتاب «السيطرة على النفط ـ المنافسة الشرقية الغربية في الخليج الفارسي»، قلت لنفسي: ماذا؟ أكتاب آخر عن النفط ومخانقة القطط السمينة عليه؟ فهذا الكتاب نفسه يدرج في الأخير قائمة طويلة بالكتب التي صدرت في هذا الخصوص، واعتمدها الباحث في بحثه. بيْد أن هذا الكتاب الجديد، الصادر عن دار نشر كيغان بول بلندن، للدكتور علوي درويش كيال، يتمتع بميزة خاصة، وهي أن كاتبه باحث سعودي نال شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة، وتولى مسؤوليات كبيرة في المملكة العربية السعودية، كان آخرها منصب وزير البريد والهاتف والبرق حتى عام 1995. وقام قبل ذلك بتدريس الأعمال في جامعة الملك سعود، ويؤهله ذلك ليعرف موضوعه من زوايا مختلفة وبصورة شخصية مباشرة.

يبدأ المؤلف كتابه بالاستشهاد بجيمي كارتر، الرئيس السابق للولايات المتحدة: «ينبغي أن يكون موقفنا واضحاً كلياً، سنعتبر أية محاولة للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي، هجوماً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة».

وعلى حجر هذه الكلمات، تقوم أطروحة الكتاب في تصوير النزاع بين الدول الكبرى على هذه المنطقة الحيوية وعزم الولايات المتحدة على استبعاد الآخرين من المنافسة والحصول لنفسها على حصة الأسد. والمنافسة هنا، وحسب طروحات المؤلف، لا تمسّ فقط حاجة الغرب إلى هذا المصدر للطاقة، وإنما أيضاً لأن نفط العرب يشكل قسطاً كبيراً من واردات الدول الغربية يفوق بكثير ما تتسلمه الدول المنتجة صاحبة السلعة. يستعرض الكتاب تاريخ النفط في المنطقة مع تاريخ التوغل الاستعماري فيها. وهو هنا يحمّل بريطانيا الكثير من مسؤولية المشاكل التي نجمت واستعصت فيها بعد أن تبنت سياسة خلق الانقسامات والتوترات لتحكم قبضتها على شعوب المنطقة. هذه نقطة جدالية شائكة. هل تقصّد البريطانيون هذه الشرذمة والتقسيمات فعلاً، أم أنها جاءت بصورة عفوية على طريقة الانكليز في الارتجال والعشوائية؟ فضلا عن ذلك، ما الذي كان يحدث لو أن الدول الغربية لم تستول على المنطقة وتركت الأمر لشعوبها؟ أتراهم سيتحدون ويتفاهمون ويعالجون كل شيء بحكمة ودراية؟ أشك في ذلك.

كتب هذا الكتاب في أيام الحرب الباردة، أو على وجه التحديد في السبعينات، مما يجعل الفصل الذي خصصه للاتحاد السوفيتي خارج الصدد وعديم القيمة تقريباً ولا سيما وهو يستعمل الفعل المضارع في كتابته بدلاً من صيغة الماضي. بيْد أنه يعطي من ناحية أخرى استعراضاً لدخول الروس في هذا النزاع بعد أن أخذ الاستهلاك السوفيتي المحلي والصادرات النفطية السوفيتية بالتصاعد منذ 1960. ففي عام 1969، زادت نسبة الاستهلاك لأول مرة على نسبة الإنتاج. وباستثناء اليابان التي حافظت على مستوى مستقر نسبياً، ارتفعت معدلات الاستهلاك في كل جهات العالم الصناعي. وكل ذلك جرَّ الدول الكبرى إلى التنافس على مصادر النفط الخليجية بالنظر لضخامة احتياطياتها ورخص إنتاجها. بيْد أن هذه المنافسة لم تتوقف على الروس والغرب، بل احتدمت بين الدول الغربية نفسها، كما يفصل المؤلف في مسألة تأميم النفط في إيران، حيث شجعت الولايات المتحدة حكومة الدكتور مصدق على التأميم أولا ثم سعت إلى الإطاحة به لتدخل الساحة وتستحوذ لنفسها على 40 بالمائة من الكونسورتيوم وتدفع بريطانيا إلى مرتبة أقلية الأسهم.

ينتقل الكتاب إلى تعامل الغرب مع العرب، فيلفت النظر إلى نقطة مهمة قلّما أشير إليها، فبينما أعطت الدول العربية كل ثقتها لشركات النفط وحكوماتها لتتصرف كما تشاء وترسم مخطط الإنتاج والبيع والتوزيع، رفضت الدول الغربية أن تقابل ذلك بالمثل، فحجبت الثقة عن العرب. أولا بتحديد كمية الإنتاج والاستيراد من النفط العربي بسياسة التقنين، بحيث لا يبقى الغرب معتمداً كلياً على نفط الشرق الأوسط. وعندما اتضح خطل هذه السياسة انتقلت إلى سياسة التعرفة التي فرضتها بصورة متباينة على الكميات المستوردة من الشرق الأوسط. وثانيا مارست سياسة فرق تسد التقليدية مع الدول المنتجة بحيث تستطيع الدول المستوردة أن تزيد الإنتاج والاستيراد من دولة معينة لتغطي النقص إذا حاولت دولة أخرى إيقاف التزويد لأي سبب كان. هكذا جرى عندما قامت إيران بتأميم النفط وفرضت بريطانيا حظراً علىها فبادرت شركات النفط إلى سد العجز بالاستيراد من الدول العربية. وعندما حاول العرب استعمال سلاح النفط بعد حرب يونيو (حزيران)، سارع الغربيون إلى سد النقص بزيادة الاستيراد من إيران.

استغرقت الدول المنتجة زمنا طويلا لتفطن إلى هذه اللعبة، وكان ذلك من العوامل التي أوحت بتشكيل منظمة الأوبيك لضمان وحدة الدول المنتجة وكمية النفط المنتج وحصة كل دولة. وهو موضوع آخر يعالجه الكتاب. بالطبع لعدم ثقة الغرب بالعرب خلفية تاريخية ونفسية، ولكن ذلك تعاظم مع ظهور عوامل سياسية منها وعلى رأسها النزاع العربي الإسرائيلي، وعداء العرب للدول الغربية، وفكرة استعمال سلاح النفط ضدها، وهو ما فعلوه فعلاً في الستينات والسبعينات. أشار المؤلف إلى الكثير من ذلك، ولكنه لم يورط نفسه بخوض هذا الجانب بكل تفاصيله ونتائجه.

اعتاد الكتّاب العرب على سوق الكلام جزافاً في أكثر الأحيان بدون دعم طروحاتهم بأي أرقام أو وثائق. الدكتور علوي كيال مال إلى عكس ذلك، فأوغل في الاستشهاد بالأرقام ومقولات الآخرين إلى حد ربما يفقد القارئ التركيز ويضيع عليه سلاسة الطرح ويسر الاستيعاب، ولكنه في غير ذلك، نجده يسوق كلامه بشكل سائغ مباشر يجعل من كتابه هذا اضافة حميدة لمكاتب المهتمين بهذا الموضوع الحيوي وأصحاب القرار في دولنا العربية.

السيطرة على النفط: المنافسة الشرقية الغربية في الخليج الفارسي المؤلف: د. علوي درويش كيال الناشر: دار كيغان، لندن