علي حرب يهاجم الكواكبي في ذكرى مئويته ويتهمه بالاستبداد

الباحث اللبناني هاجم في محاضرة بالبحرين المجتمع المدني و.. حجاب المرأة

TT

أشعل المفكر اللبناني علي حرب حماس الناقمين على مشروعه الفكري، حين شن مساء الأحد الماضي الثاني من يونيو (حزيران) في احتفال مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بمئوية عبد الرحمن الكواكبي، هجوماً ضد الموروث الثقافي باعتباره داعماً رئيسياً لفلسفة الاستبداد، بل ان المحاضر لم يتوانَ وهو في البحرين من الهجوم على حجاب المرأة باعتباره يتنافى مع الدعوة الى النهوض والتنوير أو الى التقدم والتحديث.

ففي محاضرته التي جاءت بعنوان: الاستبداد وجذوره الثقافية، انهال حرب على الجميع، ابتداء بالنصوص والمرجعيات التي طالما تعثر بها في مشاريعه الفكرية، ومروراً بالسلطات والمجتمعات، ولم يوفر حتى الكواكبي نفسه الذي اكتشف الجمهور من خلال حديث علي حرب بأنه ليس داعية ضد الاستبداد، بل هو «يتخلى عن سلاح العقل التحليلي والتساؤل النقدي عندما يتعلق الأمر بمرجعيته الدينية الاسلامية لكي يقف منها موقف التنزيه والتعظيم والتقديس» واتهم العرب بأنهم «يستعدون العالم ولا يحسنون التفاعل معه، والأخطر أنهم لا يحسنون المشاركة في صناعته عبر المساهمات الغنية والمبتكرة في ميادين الثروة والقيمة أو العلم والتقنية. وما جرى في أيلول مثال بليغ وفاضح. فنحن لم نحسن أن نقدم للعالم سوى هذا الصنيع الارهابي بعد قرن ونصف القرن من الدعوة الى النهوض والتنوير أو الى التقدم والتحديث». قراءة مبتسرة وفي استعراضه لأوضاع العالم العربي جاءت قراءته متحاملة بشكل أساسي على الجانب القيمي في الثقافة العربية محملاً اياها جميع الاخفاقات التي أصابت مشروع التحرر من الاستبداد متغافلاً عن أن التراث نفسه غدا ضحية الاستبداد والقراءات والتفسيرات المتعسفة، ففي استعراض علي حرب لحال الأمة يقول: «على صعيد حريات التفكير والرأي ثمة تراجع اليوم مقارنة مع ما كان عليه الوضع في زمن طه حسين، بعد أن ازدهرت دعاوى الحسبة وتهم التكفير أو أعمال التصفية للأدباء والفنانين والمفكرين».

و.. «على صعيد المرأة ثمة عودة الى الحجاب بعد عقود من السفور. وثمة تعويم لفكرة التعدد التي ظنت النساء أنها ولت الى غير رجعة. هذا فضلاً عن أن المرأة ما زالت تتعرض للعنف والاضطهاد بعد مائة عام من الدعوة الى تحريرها. لأن الرجل ما زال يعتقد أو يتصرف على أساس أن المرأة لا حق لها لكي تطالب به ولا فرق بين تقليدي وحداثي».

و.. «على الصعيد السياسي تمارس الديمقراطية بصورة شكلية اسماً على غير مسمى، أو بصورة هزلية كاريكاتورية كما تشهد نسبة الـ99%، أو التجديد للرؤساء مدى الحياة، أو التعامل مع مساوئ الزعماء وكوارثهم بوصفها صنائع ومنجزات. يبدو أن شعوبنا ما زالت حتى الآن عاجزة عن انتاج رؤساء ديمقراطيين، أو غير قادرة على أن تحكم نفسها وتتحكم بمصائرها، وانما هي تتصرف بوصفها محتاجة الى أنبياء مخلصين أو الى قادة ملهمين تقدم لهم فروض التبجيل والتعظيم».

و.. «على صعيد المجتمع المدني، لم تتشكل في الفضاء الاجتماعي مؤسسات وسطى تداوليه لها وزنها وفاعليتها في الحدّ من القيود والضغوط المجتمعية أو السياسية. هذا ما تشهد به الوقائع في معظم البلدان العربية، حيث المجتمع المدني تبتلعه الدول الاستبدادية أو الطوائف الدينية والعشائر القبلية بعصبيتها الأهلية الضيقة».

ودعا علي حرب لما أسماه بالتفكير (بطريقة مختلفة) للوقوف على مسببات الاستبداد بدل الاستمرار (في وضع الملامة على الأنظمة السياسية والحكومات الاستبدادية؟) لأنه «من التبسيط والخداع تشخيص المشكلة على هذا النحو». وتساءل حرب: كيف نفهم أننا نناضل طويلاً من أجل الديمقراطية لكي نفشل في ممارستها؟ أو كيف أننا نشتغل بكشف آليات السيطرة ومقاومة استبداد الدولة، فتزداد آليات القهر والتعسف أو الظلم؟ وكيف نفهم أيضاً أننا نناضل من أجل المجتمع المدني أو نقاوم المجتمع الأبوي لكي يقوى المجتمع الطائفي أو لكي تقوى علاقات الوصاية والأبوة والمركزية.

آليات الاستبداد وعن حديثه عن آليات الاستبداد رأى حرب «أن جذر المشكلة يكمن في بنية المجتمع ومؤسساته، اذ هو الذي يولد العنف ويصنع الاستبداد. والمجتمع البشري هو مؤسسة ثقافية، مما يعني أن مصدر العنف والاستبداد يتجسد في نماذج الثقافة وقيمها ومرجعياتها وسلطاتها. وبالطبع ليس المثقفون من دعاة الحرية بمنأى عن المحاسبة والمراجعة. بالعكس انهم جزء من المشكلة، بل هم من صناع الأزمة، اذ هم في الغالب رفعوا شعارات يستحيل تطبيقها، أو لا يقدرون عليها ولا يحسنون الدفاع عنها، أو لا يحيطون بشروطها ومتطلباتها، أو يتعلقون بها على نحو استبدادي، كما هي علاقتهم بفكرة الحرية التي استبدت بهم لكي يستبدوا بها، مما قادهم من حيث لا يعقلون، الى تقويض مشاريع التحرر، فيما هم يقدمون أنفسهم دعاة الحرية وعشاقها».

هجوم على الكواكبي واتهم حرب الكواكبي نفسه بالالتباس والتعارض لا لشيء سوى أنه يقف موقف (التنزيه) لمرجعيته الدينية، وقال: نجد في خطاب الكواكبي مثالا على الالتباس والتعارض بين الدعوة الى محاربة الاستبداد السياسي وبين الوقوع في فخ الاستبداد الفكري. صحيح أن الكواكبي يعمل فكره النير في تحليل طبائع الاستبداد ومظاهره وآلياته، ولكنه يتخلى عن سلاح العقل التحليلي والتساؤل النقدي عندما يتعلق الأمر بمرجعيته الدينية الاسلامية لكي يقف منها موقف التنزيه والتعظيم والتقديس. ووصف الكواكبي بأنه تمادى في الخلط بين الديمقراطية والارستقراطية، أو يطابق بينها وبين الشورى، ومن خلال السياق ذاته رأى حرب أن الأهم هو «ان الكواكبي يتناسى أن المرجعيات الدينية تشترك جميعها في تغليب النص والتسليم بالأمر على المساءلة العقلية الحرة، فضلا عن كونها تنبني على التمايز والاصطفاء». وأضاف: «هكذا يفقد الكواكبي استقلاليته الفكرية عندما يتعلق الأمر بمرجعيته النبوية التي يتعامل معها كسلطة مطلقة لا تخضع للمساءلة والجدل، أو يتصرف ازاءها بمنطق التسليم والطاعة. هنا يكمن أساس الاستبداد: فقدان المرء حريته الفكرية ازاء شخص أو نص أو حدث يجري التعامل معه كأصل ثابت أو كمرجع مطلق أو كرمز مقدس».

ودعا لأن «نقيم مع الأصول والثوابت علاقات متحركة ومتغيرة أو نامية ومتجددة، بقدر ما نتعامل مع النصوص كمواد فكرية نختلف عنها ونغنيها بالقراءات الخصبة والمثمرة»، لأنه من غير ذلك «نقع بين فكيّ كماشة عقائدية خانقة، طرفها الأول النموذج الأصولي الذي يدَّعي القبض على الحقيقة ويمارس الوصاية على شؤون العقيدة والأمة، وطرفها الثاني هو الأبله الثقافي الذي يتصرف كقاصر».