سندريلا السينما المصرية تتحدث عن أسرار «عصر سعاد حسني»

أحبها كبار شعراء مصر ورفضت الاستمرار في الزواج من العندليب الأسمر خوفا من خيانته

TT

في البداية، وبعد ان تقرأ صفحات هذا الخمس الاولى ستفترض انه مذكرات «شخصية» للفنانة الراحلة سعاد حسني.. وعندما تمضي مبحرا بين صفحاته (277 صفحة) ستكتشف انه ليس مجرد مذكرات شخصية او فنية لفنانة كانت عنوانا لعصر، ورمزا من رموزه، وعلامة من علاماته.

ستكتشف انه «حوار» بين كاتب مثقف ثقافة سياسية وسينمائية، وبين ممثلة تتلمذت على ايدي عبد الرحمن الخميسي وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين وصلاح ابو سيف وكامل الشناوي ويوسف شاهين ، حوار يرسم ملامح عصر استمر نصف قرن او يزيد، بانتصاراته وهزائمه، بسياسييه وشعرائه وادبائه وسينمائييه ومسرحييه، بانتهازييه ونبلائه وصعاليكه.

عاشت، السندريلا، (ترى من منا لم يحبها، ولا يجد عبق صورتها الاخاذة في ركن عزيز من ذاكرته) في عصر اسمته مجلة «الكواكب» المصرية ذات مرة عصر سعاد حسني. يقول المؤلف: «.. كان العصر الذي عبرت هي عنه وتفاعلت معه ورمزت اليه، كما رمز اليه عبد الحليم حافظ وصلاح جاهين ويوسف ادريس وصلاح عبد الصبور واحمد بهاء الدين.. وغيرهم، عايشت فيه «سندريلا» اجيالا من اهم الرجال والنساء،واهم الافكار والانجازات، فهو عصر عبد الناصر وثورة يوليو، واختلطت منذ صغرها بشخصيات بارزة في هذا العصر: بابا شارو والخميسي وكامل الشناوي ويوسف السباعي واحسان عبد القدوس».

وتكمن غرابة هذا الكتاب، او قل فرادته، في الطريقة التي كتب بها. فهو حوار فكري، وتاريخي وسياسي وفني ووجداني وعاطفي عن السينما والمسرح والحياة والناس والتاريخ بين طرفين يعلمان جيدا ما يتحدثان عنه، و يتحاوران حوله.

والمؤكد انه عندما يكتب احد تاريخ السينما المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين، فانه سيضع هذا الكتاب على قائمة مراجعه ومصادره. لقد استعان مؤلف كتاب «سندريلا تتكلم»، الزميل منير مطاوع بتسجيلات اجراها مع السندريلا الراحلة بلغت 140 ساعة، بفضل علاقة صداقة شخصية ووجدانية وعائلية استمرت 4 سنوات متواصلة حتى رحيلها، او قتلها كما يشك البعض، في لندن منذ اكثر من عام.

لكن الحق ان المؤلف الحقيقي للكتاب هو الفنانة الراحلة سعاد حسني، اذ ان الكتاب عنها، ويتحدث بلسانها، ويعرض افكارها، ويصيغ كثيرا من الاحداث والوقائع في تاريخ السينما المصرية منذ اواسط الخمسينيات من خلال رؤيتها لها كشاهد عيان.

ويكشف الكتاب كثيرا من الاسرار، والمعلومات، ليس بخصوص حياتها الشخصية او المهنية فقط، بل والحياة العامة في مصر، وخصوصا في مجالات السينما والمسرح والدراما التلفزيونية والآداب والفنون الاخرى.

* السياسة والحب

* وتكمن اهمية ذلك كله في ان سعاد حسني لم تكن مجرد «ممثلة حلوة»، بل كانت، اضافة لجمالها المتفرد، تتمتع بثقافة سياسية وفنية رفيعة، والمهتمون بالعمل العام في مصر يعرفون انها كانت دائما على تخوم اليسار، بل كانت محسوبة عليه بطريقة او بأخرى، مثلها مثل كبار مبدعي هذا العصر وفنانيه. خذ مثلاً اجابتها عن سؤال منير مطاوع: «هل انت سياسية؟»، واستمع اليها وهي تجيب:

ـ لا .. طبعا انا مش سياسية،انا فنانة فاهمة اهمية الفن في المجتمع.. وفي السياسة، وعلشان كده مشغولة طول الوقت بتعميق وعيي واحساسي الوطني، بالمعرفة السياسية.. ودوري السياسي هو ان اقدم فنا صادقا على اعلى مستوى.

فيعود المؤلف ليسألها:

* وهل عندك فكر سياسي تساندينه؟ يعني هل انت مع الاشتراكية؟

فترد: «طبعا.. ومع العدالة الاجتماعية.. ومع حرية التعبير.. ومع الفن المسؤول».

ويسألها مرة ثانية:

* يعني كنت تختارين ادوارك في الافلام على اساس سياسي؟

فتجيب بحزم:

ـ طبعا.

وخذ عينة اخرى تكشف عن الوعي السياسي للسندريلا الراحلة، التي لم تكن فقط مجرد ممثلة موهوبة صارخة الجمال، خفيفة الظل، بل كانت نموذجا معياريا للحبيبة لدى جيل او جيلين من مشاهدي السينما العرب على مدى الستينيات والسبعينيات وطرف من الثمانينات، تقول:

ـ فيلم «على من نطلق الرصاص» باعتبره اهم فيلم سياسي قدمته مع محمود ياسين واخراج كمال الشيخ، والسيناريو لرأفت الميهي.. واهمية الفيلم بالنسبة لنا انه كان اول فيلم يعارض ويكشف خطورة الانحراف والانفتاح الاقتصادي والفساد.

واقرأ قولها ايضا عندما تتحدث عن مفهومها للفن الناجح، تقول:

ـ انا عندي الفيلم الناجح مش هو اللي بيكسب كثير من دخل الشباك.. المهم يكون ناجح في انه يعبر بفن جميل عن حياة الناس واحوالهم.. عن متاعبهم وتطلعاتهم، هذا هو النجاح الحقيقي. تلك لمحة عامة عن المستوى الثقافي والموقف الفكري لسندريلا الشاشة العربية. لكن ماذا عن حياتها الخاصة التي لم تخل من زوابع واعاصير، وانتهت نهاية تراجيدية محزنة؟

هنا كان مكمن الصعوبة في مهمة منير مطاوع، الذي تعامل، كما بدا من كتابه، بحساسية فائقة، وامانة كبيرة مع السندريلا، اذ ان سعاد حسني، كما يعرف اهل الفن، كانت شديدة الكتمان في حياتها الخاصة، ولم تكن تحب ان تعرض احداثها على الناس، وكانت، مثل اغلب الموهوبين الكبار، شديدة الحساسية والصدق مع الناس. كان مكانها المفضل كما تقول هو بيتها. وعندما تخرج للشارع كانت تخرج متنكرة او شبه متنكرة. وكانت، حتى، تنكر انها سعاد حسني اذا سألها مواطن فضولي ان كانت هي. لكن، يبدو من الكتاب، انها منحت ثقتها كاملة لمنير مطاوع، اذ اعترفت له ايضا بقصة حبها للشاعر صلاح عبد الصبور، واعترفت له للمرة الاولى انها تزوجت عبد الحليم حافظ سرا لمدة 4 سنوات. وكان شاهد الزواج فنان الشعب المصري يوسف وهبي. وحكت له عن علاقتها «المركبة» بالعندليب.

قالت له: «العندليب انا حبيته، وهو كمان كان بيحبني قوي... في الاول كان بيعطف علي.. بنت صغيرة داخلة عالم جديد، وهو سبق.. وله شهرة ومكانة، ولكن مثلي كان يتيما، وعاش الحرمان العاطفي، فكان حاسس بيّ قوي، وما انكرش افضاله عليّ في كل خطواتي الاولى المرتبكة.. كان متبنيني ومؤمن بي، وحاسس ان انا حاجة، وكان بينصحني كثير.. وكانت عواطفه شلالات ومشاعره خالصة ومخلصة وبيحب بجد.. كنت باحبه مثل امه، كان محتاجا لأم.. وانا كنت محتاجة لأب..».

وبعد ان تحكي ابعاد علاقتها به تضيف لمنير مطاوع ،بثقة يصعب على فنانة بحساسية السندريلا ان تمنحها لصحافي: «طلبت الجواز.. كنت عايزة اتجوز واستقر.. عايزة يبقى لي بيت وعيال.. عايزة ابقى ست ويبقى لي زوج اسعده ويسعدني واهنيه.. واطبخ له، وكل حاجة.. لكن حليم كان معبود النساء.. وفتى الاحلام وكل بنت بتحبه، ومع انه بيحبني قوي خاف من الزواج، خاف من حب انسانة واحدة.. بنت واحدة، ممكن يخسره حب كل البنات.. خاف مني عبد الحليم الفنان... ولاني كنت باحبه فعلا، وافقت على رغبته باننا نتجوز في السر.. جواز عرفي يعني».

وتعود السندريلا لتعترف لمنير مطاوع بسبب، من اسباب كثيرة لانفصالها عن عبد الحليم حافظ قائلة: «بدأت احس ان ما بيني وبين حليم ما كانش ينفع بيت احلامي، فيه اولاد وبنات، وفيه ناس عايزة تعيش زي ما هي، مش زي ما الجمهور عايز.. وصحة حليم لم تكن تسمح.. ونجومية العندليب كانت اهم عنده من اي حاجة ثانية.. واقول لك حقيقة ثانية.. انا خفت اني اكون زوجة العندليب الاسمر..».

* ليه؟

ـ لاني ما كنتش عايزه اخونه.

ويضيف منير مطاوع بعد هذا الحوار مباشرة: «قالتها بألم وهي تغطي وجهها بيديها.. ثم قامت متسللة الى غرفتها وتركتني وحدي مع جهاز التسجيل».

* الكتاب: «السندريلا تتكلم»

* المؤلف: منير مطاوع

* الناشر: الدار المصرية اللبنانية ـ القاهرة ـ يونيو