خالد مشبال: المثقفون في المغرب لا يقرأون للأسف

مدير «سلسلة شراع» لـ«الشرق الأوسط»: موضة إصدار السلسلات بالمغرب كانت وراء توقفنا الاضطراري

TT

خاضت وكالة شراع لخدمات الاعلام والاتصال في المغرب تجربة رائدة في اصدار كتاب الجيب الزهيد الثمن المعروف بـ«سلسلة شراع» التي حققت انتشارا واسعا في المغرب تحت شعار «من أجل مجتمع مغربي قارئ».

منذ انطلاقها في مارس (آذار) 1996 والى توقفها الاضطراري في يناير (كانون الثاني) 2001 بعد أن أصدرت حوالي مائة كتاب موزعة بين أربع سلسلات: 76 عدد في «كتاب سلسلة شراع»، 12 عددا في «سلسلة ابداعات شراع»، و3 أعداد في «موسوعة شراع الشعبية في ثقافة التراث» وعدد واحد في كتاب السنة.

عن هذه التجربة و أسباب توقفها كان هذا اللقاء مع الاعلامي والكاتب خالد مشبال المدير المسؤول عن «سلسلة شراع».

* لماذا أقدمت على تأسيس وكالة وليس دارا للنشر، وما الفرق بين الاثنتين؟

ـ أسست «وكالة شراع» باعتبار أنني اعلامي، وقد فكرت في أن تكون وسيطا اعلاميا بين الكتاب والقارىء حيث بادرنا باصدار «سلسلة شراع» الشهرية في عام .1996 وكانت هذه التجربة رائدة قي حينها، بحيث لم يسبق في المغرب أن عرف القراء المغاربة مثل هذه السلسلة. وقد تأثرت في البداية بالسلسلات التي تصدر في الشرق وبالخصوص سلسلة «اقرأ» الناجحة في وقتها والتي كانت تصدر في مصر. لقد كنت متخوفا من هذه التجربة في البداية، كما نصحني العديد من الزملاء والأصدقاء الذين لهم صلة بالنشر والقراءة بألا أغامر في هذا الميدان لأسباب كثيرة منها: ضيق مساحة القراء في المغرب وانعدامهم أحيانا، ثم أن هناك أسماء كبيرة نشرت مؤلفاتها وكتبها ولم تتخط 500 أو 1000 نسخة من اصداراتها وفيها ما ظل يباع على مدى سنتين. ثم هناك عوامل حقيقية كادت أن تصيبني بالاحباط لولا أنني دائما متحد في الظروف الصعبة والمستحيلة. وقبل الشروع في هذه التجربة قمت بجولة في مختلف جهات المغرب واتصلت بالفعاليات الفكرية والثقافية في هذه المناطق لوضع أرضية للمشروع وإخبار هذه الفعاليات بهذه التجربة. وقد استمرت هذه الجولة واعداد أرضية المشروع ما يقرب من سنة. ثم انطلقنا باصدار العدد الأول من السلسلة في مارس بكتاب «حوار التواصل» للمهدي المنجرة الذي خلق الاقبال الكبير عليه مفاجأة لنا، حيث أصدرنا منه عشرين ألف نسخة في البداية، ثم أصدرنا طبعات أخرى منه بلغت في مجملها 150 ألف نسخة. ثم توالى الصدور مع أسماء وازنة وأسماء شابة ونجحت التجربة لشكلها وأناقتها ومضمونها ولثمنها البسيط، اضافة الى اختيار الموضوعات التي تشغل القارىء وتأخذ باهتماماته.

أما عن اختيار الوكالة وليس دارا للنشر فقد جاء بهدف التحري والدقة في اختيار النصوص، والتمكن من التحكم في مضمون وشكل الكتاب من الناحية التقنية ومن الناحية الموضوعية. وقد كان لنا اتصال بدار للنشر لتحقيق هذه الفكرة، وذلك ليشتغل الجميع في التجربة. فلولا وكالة شراع لما لقيت هذه السلسلة نجاحها الواسع في الأعداد التي صدرت والتي استمرت الى ما يفوق خمس سنوات.

* منذ انطلاق «سلسلة شراع» رفعت شعار «من أجل مجتمع مغربي قارئ»، فهل استطاعت الوكالة أن تحقق بعضا من هذا الشعار هذا مع العلم أن نسبة القراءة بالمغرب قد تراجعت أخيرا الى نسبة 2%؟

ـ السلسلة حققت شعارها «من أجل مجتمع مغربي قارىء» والدليل هو أرقام المبيعات التي حققتها كتب السلسلة. ففي مجموع 76 عدد من سلسلة شراع أكثر من ثلاثة ملايين نسخة في المجموع، هذا اضافة الى أنه في السنة الثالثة من تجربة «سلسلة شراع» أصبحت سلسلة كتاب شراع نصف شهرية ولم تعد شهرية. ومن أجل تعميق ذلك الشعار كنا نقوم بجولات في المغرب وننظم ندوات وموائد مستديرة حول القراءة والكتاب وذلك لتحسيس الناس بأهمية القراءة. وتدعيما لهذا الشعار أيضا أعددنا برنامجا محكما وطلبنا من وزراء الثقافة السابقين أن يدعموا هذه الفكرة. ثم أعددنا مشروعا كلف دراسة مهمة ودقيقة اعتمدت على عدة مشجعات منها:أولا تعويد القراءة للشخص منذ طفولته وتربية ملكة القراءة عند الطفل سواء في البيت أو المدرسة وتحسيس الآباء والمربين بأهمية القراءة. ثانيا العمل من أجل تعميم المكتبات داخل البيوت والمؤسسات التعليمية والعامة. وثالثا اقامة حملات للتحسيس بأهمية القراءة بالنسبة لمختلف المستويات التعليمية. وللأسف لم يلق هذا المشروع، الذي هو روح شعار «من أجل مجتمع مغربي قارئ»، الاهتمام من طرف وزارة الثقافة كما لم تلق السلسلة أي دعم منها أيضا. هذا مع العلم أن معظم السلسلات التي تصدر في العالم المتقدم الذي يسجل أرقاما مرتفعة في القراءة ويسجل مبيعات مذهلة خاصة في أوروبا، ومع ذلك فإن تلك السلسلات وراءها من يدعمها إما رسميا وإما عن طريق مؤسسات عامة، وهذا ما لم يكن مستساغا في المغرب. فبعد خمس سنوات بدأت عدوى أو موضة اصدار السلسلات في المغرب الى أن وصلت ما يقرب من 12 سلسلة، الشيء الذي أثر على سوق القراءة وأثر أكثر على «سلسلة شراع» لتقليدها تقليدا حرفيا وأعمى.

* ركزت «سلسلة شراع» على الكتاب المغربي فقط، لماذا؟

ـ من ميزات شراع أنها تخصصت فقط في الكتاب المغربي، وقد كانت باستمرار تعتذر لمؤلفين من الشرق كانوا يودون الاسهام في هذه السلسلة. ومن خلال اصدارات شراع تمت اعادة الاعتبار الكامل للكاتب والكتاب المغربي. فلعل اقبال القراء وبالخصوص القراء المتعلمين وليس القراء المثقفين على السلسلة أعطى حيوية جديدة للمؤلفين المغاربة حيث أصبحوا مثل النجوم يطاردهم الناس في الأماكن العامة ويطلبون منهم توقيعات كما حدث للمهدي المنجرة والعربي المساري وحسن نجمي ومصطفى القرشاوي وعدد من الأسماء التي ساهمت في هذه السلسلة. وقد كان ذلك التصرف ظاهرة جديدة ملفتة للانتباه بالنسبة لهؤلاء المؤلفين الذين لم يتعودوا على مثل ذلك الاقبال. لكن بعد نجاح هذه التجربة كانت هناك أحيانا صعوبات مع بعض المؤلفين المغاربة الذين أرادوا أن ينشروا مؤلفاتهم في السلسلة ولكنها لم تكن تخضع لمواصفات وشروط السلسلة، بحيث أن مؤلفاتهم كانت ذات طابع أكاديمي وهو ما يصعب هضمه بالنسبة لقراء السلسلة التي يأتي في مقدمتها المتعلمون الشباب والموظفون وفي المرتبة الأخيرة المثقفون. والمثقفون في المغرب للأسف لا يقرأون.

* كم نسخة كانت تطبع «سلسلة شراع» من كل عنوان؟

ـ سلسلة شراع كانت تطبع عشرين ألف نسخة عن كل عنوان وذلك طيلة مدة السلسلة. ولكن في الشهور الأخيرة من السنة الخامسة ارتفع حجم المرجوعات من هذه الكتب التي كانت تصرف هي الأخرى عن طريق مد بعض المؤسسات التعليمية والجامعية والعامة بنسخ منها. وحتى لا تبقى تلك المرجوعات خلقنا فكرة مائة كتاب التي تضم الأعداد الموجودة من السلسلة والتي نمد بها القراء الراغبين في هذه المجموعة وذلك مع الاحتفاظ بثمن الكتاب الرمزي الذي هو عشر دراهم. وقد نجحت الفكرة وما زلنا رغم توقف السلسلة نقوم بهذه العملية.

* هل حققت السلسلة مبيعات مجزية علما أن ثمن الكتاب كان زهيدا وفي متناول الجميع؟

ـ السلسلة حققت مبيعات مهمة بدليل أنها تمكنت من اصدار عشرين ألف نسخة عن كل كتاب من السلسلة في الوقت الذي تقف فيه العديد من دور النشر عند 1000 أو 2000 نسخة عند اصدارها لأي كتاب والذي يستغرق بيعه مدة سنتين أو أكثر. وهذا ما يؤكد نجاح التجربة ويؤكد أننا بالفعل أنشأنا قارئا جديدا ووسعنا قاعدة القراءة واستطعنا أن نحقق نسبيا شعارنا «من أجل مجتمع مغربي قارئ».

* وكيف كانت تتعامل «شراع» مع الكتاب خصوصا إذا ما حققت كتبهم ذات الطبعات المتعددة مبيعات جيدة؟

* الظاهرة الغريبة في تجربة وكالة شراع واصدار «سلسلة شراع» أن الجميع كان متطوعا، فالمؤلف لا يأخذ أي تعويض بل يأخذ نسخا محدودة جدا لا تزيد عن 50 أو 100 نسخة عن كل كتاب. كما أن الفنانين التشكيليين كانوا يتطوعون لاعداد غلاف السلسلة. هذا ناهيك من عدد من الجمعيات التي تأسست باسم «أصدقاء سلسلة شراع» بهدف مد العون للسلسلة عبر جمع الاشتراكات أو مراقبة التوزيع وخلق مبادرات جديدة للتشجيع على القراءة.

* هل حصلتهم على دعم مادي من بعض الجهات والمؤسسات؟

ـ نعم كانت السلسلة تحظى بدعم بعض الأشخاص والأصدقاء الذين يكنون الاحترام لي ولزوجتي أمينة السوسي بحكم الفترة الطويلة التي قضيناها في الاعلام المسموع والمرئي بالاذاعة والتلفزيون. ولكن بعض الداعمين من رجال الأعمال الذين عرضنا عليهم الفكرة والمشروع رأوا أن العملية غير ذلك.

* سبق وأعلنتم في احدى افتتاحيات «سلسلة شراع» أنها تتوفر على خزانة مهمة من الكتب تضمن اصدارا منتظما الى غاية متم 2003 ، ولكننا فوجئنا في يناير 2001 بتوقف السلسلة عند العدد 76، فلماذا توقفت السلسلة بعدما حققت تراكما مهما لم تحققه حتى المؤسسات الرسمية؟

ـ المادة المعرفية لم تكن هي السبب لأن المخزون من الكتب زاد عن السابق بحيث لدينا الآن الكافي من الاصدارات يتعدى عام .2003 لكن السبب الأساسي هو سبب مادي محض يتمثل في الارتفاع المهول في ثمن الورق وفي تكلفة الطبع، وغياب الدعم لهذا المشروع الطموح. فبعد وقفة التأمل، التي طالت نوعا ما، نحن الآن بصدد استئناف اصدار «سلسلة شراع» بفكرة جديدة وبطريقة جديدة وباعتماد وسائل أخرى تعيد الحيوية للقارئ وتعمق أكثر شعار السلسلة.

* ما هي هذه الفكرة الجديدة؟

ـ أولا الوقفة التأملية جعلتنا نفكر في اصدار السلسلة بصفة فصلية أو موسمية فوقع الاختيار على أن تصدر في المرحلة القادمة مرة في كل ثلاثة أشهر، أربعة أعداد في السنة مع اتباع الصرامة العلمية التامة في اختيار النصوص، والابداع في غلاف السلسلة مع الاحتفاظ بحجمها. وقفة التأمل دفعتنا الى أن نفكر في اصدار كل ستة أشهر «سلسلة ابداعات شراع» التي كانت تصدر في ما قبل كل شهرين. المشروع في جملته خضع لدراسة جديدة خلال فترة التأمل وقلنا أننا يجب أن ننطلق من جديد ولكن باصدار أربع سلسلات في السنة كتاب في كل ثلاثة أشهر، ونخضع ابداعات سلسلة شراع وموسوعة شراع وكتاب السنة حسب الطلب، وذلك حتى نضمن حدا معينا من المبيعات والانتظام في الصدور. لقد جعلتنا وقفة التأمل نفكر بطريقة جديدة ونستعد لاختراق الحواجز التي تقف أمام ترويج الكتاب وفرض وجود الكتاب داخل المؤسسات العمومية بصفة عامة وبالمجالس المنتخبة على أن تقدم لهم سلسلة شراع مجموعة من النسخ لا تقل عن 50 نسخة وليس نسخة واحدة. وطبعا نحن متفائلون بهذه التجربة ونعتمد بالتالي على رصيدنا المعنوي لدى الناس الذين يعرفوننا ويعرفون مصداقية وكالة شراع. ولكن وكالة شراع لم تقف على ذلك لأنها بجانب الكتاب أصدرت جريدة أسبوعية جهوية هي جريدة «الشمال».

* هل لانشغالكم بصحيفة «الشمال» الجهوية دور في توقف «سلسلة شراع»، أم أن الأمر يعود الى منافسة العديد من السلاسل التي تناسلت في الآونة الأخيرة لتجربة شراع؟

ـ لا علاقة لصحيفة «الشمال» الجهوية بتوقف سلسلة شراع. أما السلاسل فقد أثرت على شراع بشكل كبير لأن السوق أصبح مختلطا وأصبح القارئ المتعلم الذي هو القارئ الحقيقي لسلسلة شراع تحت مغالطة لتقليد شكل وحجم السلسلة. وأكثر من ذلك فقد تم الاتصال بنفس المؤلفين الذين سبق وأصدروا كتبهم في سلسلة شراع. فلما تكاثرت هذه السلاسل وأصبحت عدوى وموضة تأثرالسوق وتأثر بالتالي القارئ لأن قارئنا قارئ مدلل وهش يتأثر بسرعة ويقرأ بالعين لا بالذهن.

والملاحظ هو أن معظم تلك السلسلات أيضا لم تواظب صدورها الشهري، مما يدل على أن القارئ أصيب بتراكم وضياع من جراء دوامة الاصدارات المتقاربة والمتشابهة التي تسبح في نهر ضيق لا يسمح بالسباحة المعرفية.

* هل ستحافظ السلسلة على أسعارها السابقة؟

ـ لعلي الوحيد ضمن وكالة شراع، التي هي شركة مكتبها يتكون من أسرتي وأولادي، المصر على أن يبقى ثمن السلسلة 10 دراهم وتبقى الكتب الأخرى بأثمانها. وأخيرا استطعت اقناعهم بأن تظل كتب شراع محافظة على أثمانها الرمزية، مع بعض التغييرات الشكلية والجوهرية في المضمون والفكرة.

* هل لنا أن نعرف الاصدار الذي ستستأنف به شراع صدورها؟

ـ لم نتفق بعد على كتاب معين، ولكن هناك كتابا مهما لمؤلفة مغمورة وأكيد أنه سيثير ضجة في أوساط القراء باعتبار أننا مجتمع محافظ وباعتبار أن الكتاب يتناول تاريخ الدعارة النسائية في المغرب وبالخصوص في الشمال، حيث كانت هناك مناطق سكنية محددة ومعروفة بممارسة البغاء. واضافة الى البغاء والدعارة هناك أسماء وازنة معروفة في وقتها كانت مولعة بهذه الأماكن، وقد كانت هناك قصة بين زعيم سياسي مغربي وبغي كانت في منتهى الجمال وصدرت حولهما أغان شعبية. وأتصور أن هذا الكتاب سيثير ضجة وسيكون حدثا في المغرب.