عاصفة أدبية حول رواية ألمانية جديدة .. الكاتب مارتين فالسرمتهم بمعاداة السامية

TT

قبل صدورها، وذلك خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، أثارت رواية جديدة للكاتب الألماني مارتين فالسر البالغ من العمر 76 عاما، والحائز جائزة «السلام» قبل أربعة أعوام والتي يمنحها المكتبيون الألمان في كل دورة من دورات المعرض الدولي للكتاب بفرانكفورت، عاصفة كبيرة في الأوساط الأدبية والثقافية الألمانية. ويبدو أن العاصفة ستزداد حدة خلال الأشهر القادمة، خصوصا بعد نهاية عطلة الصيف وقرب الانتخابات الألمانية التي ستجرى أواسط سبتمبر (أيلول) المقبل.

عنوان الرواية: «موت ناقد». بطلها ناقد أدبي يدعى أندريه هرل كونينغ له ملامح الناقد الشهير مارسيل رايخنيتسكي، اليهودي البولوني الأصل، والذي يمثل المشهد الثقافي الألماني منذ مطلع الخمسينات وحتى هذه الساعة والمعروف بانتقاداته الشديدة والحادة لكبار الكتاب الألمان بما في ذلك جونتر جراس.

وكانت العاصفة الأدبية قد بدأت حين أرسل فرانك شيرماخر، المسؤول عن الملحق الثقافي لجريدة «فرانكفورت الجماينة» الواسعة الانتشار رسالة إلى مارتين فالسر أواخر شهر مايو (أيار) الماضي، يعلق فيها على عدم استعداده لنشر روايته الجديدة مسلسلة قائلا في مطلعها: «إن هذه الرواية ـ يقصد «موت ناقد» ـ هي بمثابة جريمة قتل. وهي تصفية حساب مع ناقد أدبي هو مارسيل رايخنتسكي». وأضاف فرانك شيرماخر قائلا: «أعتبر كتابك وثيقة تفوح كراهية وحقدا (...) وهو أيضا حلم بالقتل ومليء بالكليشيهات المعادية للسامية».

على أثر الرسالة المذكورة، انقسمت الأوساط الأدبية والثقافية الألمانية إلى قسمين: قسم يساند آراء فرانك شيرماخر في الرواية وصاحبها متهمين إياه بمعاداة السامية، وقسم يرى أن المسألة لا تتعدى أن تكون زوبعة في فنجان وأن الرواية وصاحبها لا علاقة لهما بمعاداة السامية لا من قريب ولا من بعيد. وقد عبرت عن آراء القسم الثاني جريدة «سوديتشه تزايتونغ» التي تصدر في ميونيخ والواسعة الانتشار هي أيضا حيث كتبت تقول: «لقد صنع فرانك شيرماخر فضيحة. ورسالته المفتوحة فضيحة في حد ذاتها، ذلك أن دار «سور كامب» المرموقة التي أصدرت الكتاب لم تر فيه ما يمكن اعتباره عملا معاديا للسامية». وقد تدخل الكاتب الكبير جونتر جراس الحائز جائزة نوبل للآداب في المجال الساخن قائلا: «إن مارتين فالسر كتب أعمالا عامة ليس فيها أية رائحة لمعاداة السامية. وعكس ما يزعمه متهموه وأعداؤه هو ناضل هنا كل ما يمت بصلة لمعاداة السامية حيث نشط نشاطا فائقا وحثيثا بهدف إصدار يوميات فيكتور كلامبرير وهو يهودي عاش متخفيا عن الانظار في مدينة دريسدن وكتب ملاحظاته اليومية عن الأحداث خلال الفترة النازية. إنه من السهل التهجم على مارتين فالسر لأنه يمتلك رؤية جد محافظة عن التاريخ والتي يجب أن يسميها «الإحساس بالتاريخ». وأنا أرى أن التاريخ مادة جد دقيقة لكي يتم تناولها اعتمادا على العواطف (...). أنا لم أقرأ رواية «موت ناقد» التي هوجمت عمدا من قبل «فرانكفورت الجماينة» التي كانت قد رفعت من قبل مارتن فالسر إلى الأعالي. وهذا شيء لا علاقة له بمعاداة السامية».

وفي حوار مسهب أجرته معه الأسبوعية الشهيرة «دير شبيغل» دافع مارتين فالسر عن نفسه بقوة قائلا: «لو أنني عانيت جملة واحدة يمكن أن يستشف من خلالها ما يمكن اعتباره بمعاداة السامية لكنت حذفتها فورا. ولماذا يثقلون على الكاتب ـ يعني روايته (موت ناقد) ـ بمسألة لا علاقة لها بالموضوع أصلا. والموضوع هو الطريقة التي تمارس بها السلطة النقدية في الوسط الأدبي الألماني».

وكان مارتين فالسر قد تهجم في الخطاب الذي ألقاه في فرانكفورت في خريف عام 1998 خلال حفل تسلمه جائزة السلام على من سماهم «مستغلي الهولوكوست» لترهيب الألمان عقب مرور أزيد من نصف قرن على انهيار النازية. وقد أثار الخطاب المذكور ضجة عنيفة في ذلك الوقت وشن المجلس اليهودي حملة عنيفة على صاحبه متهما إياه بـ«معاداة السامية» وبـ«السعي لإحياء الماضي النازي المقيت».

وأما الناقد مارسيل رايخنتسكي الذي يراه البعض مجسدا في بطل رواية «موت ناقد» فقد صرح قائلا: «إن كتاب مارتين فالسر ليس مقبولا بالمرة. إنه كتاب معاد للسامية بالمعنى الحقيقي للكلمة. إنه نتاج رجل طموح ومزهو بنفسه». وأضاف: «لقد دافعت عن فالسر عندما اتهم بمعاداة السامية إثر الخطاب الذي ألقاه في فرانكفورت عام 1998. غير أنني أعتقد أن المجلس اليهودي كان على حق. فبعد ذلك بعام تقريبا، أصدر فالسر رواية يتحدث فيها بإسهاب عن والدته وعن طفولته خلال الحقبة النازية. والرواية مفعمة بإحساس قومي قوي يساعد على فهم شخصيته الحقيقية. فبين القومية والشوفينية، ليس هناك مسافة كبيرة».