خلفيات انشقاق حزب الأمة السوداني

كريمة رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب الأمة تروي شهادتها عن أحداث عاشتها

TT

هذا كتاب يستمد أهميته من زاويتين، الزاوية الأولى ان المؤلفة هي رباح كريمة رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب الأمة الصادق المهدي، والزاوية الثانية انه يتحدث عن «الاختراق والانسلاخ في حزب الأمة (2001 ـ 2002)»، فإنه يتناول احداثا ووقائع للصراع الحاد في حزب الأمة بين رئيس الحزب الصادق المهدي وابن عمه رئيس القطاع السياسي في الحزب مبارك الفاضل المهدي، والذي انتهى، بعد مؤتمر سوبا في يوليو 2002 الى جناحين: حزب الأمة التاريخي (تأسس عام 1945) برئاسة الصادق المهدي، وحزب الأمة (مجموعة الاصلاح والتجديد) برئاسة مبارك الفاضل المهدي الذي أقر اخيراً المشاركة في حكومة الانقاذ الوطني، وأصبح مبارك الفاضل مساعداً لرئيس الجمهورية، وايضا باربع حقائب وزارية بينها التربية والتعليم والاعلام والاتصالات.

والكتاب يرتكز على التوثيق باعتبار المؤلفة شاهداً وطرفاً في الصراع، فقد كانت بحكم عملها في مكتب رئيس حزب الأمة تطلع على الرسائل والمذكرات المتبادلة والمنشورات التنظيمية والبيانات الى جانب الاحاديث والتصريحات الصحافية والحوارات والمناقشات التي دارت امامها.

ومن هذا المنطلق تناولت مؤتمر سوبا (ضاحية قرب الخرطوم حيث انعقد مؤتمر مجموعة الاصلاح والتجديد بقيادة مبارك الفاضل، وأفضت قراراته الى الانفصال عن حزب الأمة التاريخي) تقول المؤلفة في المقدمة: «ان تجمع سوبا في الفترة 10 ـ 12/7/2002 ليس مفاجئا ولا مدهشا فقد ظل مبارك الفاضل منذ فترة ليست بالقصيرة ينتقد تنظيمات الحزب ويصف قيادته بمختلف الصفات السالبة». وتحدث امام هيئة شؤون الانصار اثر عودته من الخارج، عن ضرورة تجاوز أسلوب القيادة الحالي (فالناس لا تأكل فكرا)، كما قام بعدة لقاءات سرية مغلقة مع مجموعة من شباب حزب الأمة ودعا الشباب «لتلبية طموحاتهم الذاتية وبناء أنفسهم ماديا».

وأوردت تسلسل الصراع عبر المذكرات والوقائع واللقاءات بين قيادة حزب الأمة ومبارك الفاضل المهدي وما جرى تناوله في مؤتمر سوبا مقارنة مع مرجعيات حزب الأمة حول الاتفاق مع النظام (حكومة الانقاذ) عبر «نداء الوطن» الذي وقع في جيبوتي في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1999 والذي التزم بانهاء الحرب وعقد اتفاق سلام.

وتحدثت المؤلفة عن أول انقسام خطير حدث في حزب الأمة عام 1966 حين وقع خلاف بين رئيس الوزراء محمد احمد المحجوب رئيس الحكومة الائتلافية (حزب الأمة والوطني الاتحادي) والهيئة البرلمانية لحزب الأمة فكونت الهيئة البرلمانية لجنة لبحث اداء الحكومة ولكن رئيس الوزراء المحجوب بدلا من التفاهم مع الهيئة التي انتخبته اعتبر نفسه غير مسؤول امام الهيئة البرلمانية، بل مسؤول فقط امام الإمام الهادي المهدي راعي حزب الأمة وطائفة الانصار. ولكن رئيس حزب الأمة الصادق المهدي تدخل مؤيدا الهيئة البرلمانية في حقها في محاسبة رئيس الوزراء وحق الحزب في متابعة اداء حكومته والتنسيق بين أجهزته وبينها، فوقع استقطاب حاد حول هذه القضية مما أدى الى انشقاق حزب الأمة الى جناحين: جناح الهادي وجناح الصادق.

وتساءلت المؤلفة لماذا لم يتحرك حزب الأمة لاحتواء هذه «الجماعة المخربة» (مجموعة مبارك الذي اصبح الآن مساعدا لرئيس الجمهورية)، واجابت: «ان النهج الديمقراطي اقتضى عدم التعامل بالمشرط وانما بالتحري والاثبات والتوثيق».

وكذلك كان من المفيد اتاحة الفرصة لعرض افكار هذه المجموعة لقياس مدى صدقية ادعاءاتها ولتبيان الحقيقة وهي أن كل تلك الضجة تهدف للانخراط في السلطة القائمة بلا أي محتوى فكري أو وطني أو اصلاحي.

اهمية كتاب «الاختراق والانسلاخ في حزب الأمة 2001 ـ 2002»، انه يشكل مادة توثيقية جيدة ومرجعية هامة لانشقاق تصعب الاستهانة به في حزب تاريخي كحزب الأمة.