رحلتي مع الكتاب

الحزيمي: مسؤوليتي عن الرقابة أتاحت لي قراءة كتب كبيرة

TT

عند كتابتي هذه الزاوية انتابني الكثير من التردد، لما في هذا النوع من الكتابات من الانزلاق في مهاوي التحدث عن النفس، وتمجيد الإنجازات الشخصية، وهو أمر مكروه لدي شخصياً، ولدى معظم الناس في المجتمع السعودي بشكل خاص والمجتمع العربي بشكل عام. ولذلك أتمنى على القارئ الكريم ألا يفسر ما كتب هنا على أنه نوع من مدح الذات أو التغني بالأمجاد الشخصية.

إن تجربتي مع الكتاب ليست قراءة أو اطلاعاً من أجل الثقافة أو المتعة، وإنما هي رحلة عمل طويلة تتلخص في أربعة اتجاهات هي: القراءات المقررة للتحصيل الدراسي في مختلف مراحل التعليم; القراءات الخاصة بإعداد محاضراتي للتدريس في برامج التدريب والتعليم العالي; القراءات الخاصة بتأليف الكتب وإعداد المقالات والدراسات; القراءات الشخصية لبعض الكتب المختارة.

أستطيع القول بأن علاقتي بالكتاب بدأت بشكل واضح في المرحلة المتوسطة بالمعهد العلمي بالرياض، حيث كان المعهد حينذاك يعج بنشاط ثقافي كبير، كان من ضمنه الاهتمام بالكتاب. وكان معظم الأساتذة بالمعهد من المتخصصين في العلوم الشرعية أو اللغة العربية والأدب العاشقين حتى الثمالة للقراءة والمتحمسين لاقتناء الكتب. وبتشجيعهم بدأت محاولاتي الأولى لقراءة بعض الكتب الدينية والتاريخية والأدبية ككتب الجاحظ وسيرة ابن هشام والكتب الأدبية للمنفلوطي والعقاد وطه حسين والمازني، ولكن ذلك كله كان من باب التقليد ليس إلا، وأتذكر أني كنت من فرط الحماس اشتري بعضاً من الكتب من المكتبات التجارية المنتشرة على شارع البطحاء بمدينة الرياض. وفي المعهد العلمي كانت معظم المقررات حينذاك من الكتب العلمية وبخاصة التراثية منها مثل : تفسير الجلالين، والعقيدتان الحموية والواسطية لابن تيمية، وشرح بن عقيل، والنحو الواضح لعلي الجارم. إلا أن معظم تلك الكتب لم يكن لها هوىً في نفسي لصعوبتها، وعدم قدرتي على استيعابها.

وعندما دلفت إلى المرحلة الجامعية في تخصص التاريخ والجغرافيا، كانت جميع المقررات كتباً مشهورة في التخصص مثل : تاريخ الطبري، والبداية والنهاية لابن كثير، والكامل لابن الأثير، ومعجم البلدان لياقوت، وطبقات بن سعد، ونور اليقين للخضري، والحروب الصليبية لغنيم، وكتب أحمد أمين فجر الإسلام وضحى الإسلام، وتاريخ الأندلس لعنان/ والعواصم من القواصم لابن العربي، وكتب الجغرافيا السياسية والإقليمية والسياسية، وكتب الثقافة الإسلامية كالمسألة لاجتماعية لعمر عودة الخطيب، وكتب مصطفى السباعي وعبد الكريم الخطيب وكتب المودودي وأبو الحن الندوي وسيد قطب وغيرها. ولأني كنت أطمح إلى التفوق، فقد كنت أقرأ تلك الكتب أربع مرات في السنة، وهو ما أكسبني قوة في الثقافة والمعلومات، ومعرفة بمهارة القراءة السريعة. وإضافة إلى ما سبق فقد كان مطلوباً مني في تلك المرحلة إعداد بحث سنوي في التخصص وهو ما ألزمني بقراءات أخرى، وتطلب اقتناء كتب جديدة أو استعارتها من المكتبات العامة والمتخصصة في مدينة الرياض.

وبعد التخرج من الجامعة تركت الكتاب جانباً لعدة أعوام بسبب انشغالي بالعمل الوظيفي، وترتيب متطلبات إكمال الدراسات العليا في الخارج. وعندما ابتعثت بعد ذلك إلى الولايات المتحدة للتخصص في المكتبات والمعلومات، أصبحت أكثر اهتماماً بالكتاب، ولكن اهتمامي كان ينصب على إنهاء متطلبات الدراسة، ودراسة الكتب المقررة، أو التي تدخل في مجال إعداد الأبحاث، مع أن التركيز هناك كان على المقالات ومصادر المعلومات السريعة أكثر من الكتب.

وعندما رجعت إلى الوطن كان المجال مفتوحاً أمامي لمرافقة الكتاب في أكثر من اتجاه. فهو مصدر من مصادر إعداد المحاضرات وكذلك إعداد المقالات لمجلة مكتبة الإدارة التي كنت عضواً في تحريرها. كما أن مسؤوليتي عن قسم الخدمات والمراجع بالمكتبة المركزية أتاح لي الاطلاع على المراجع العربية التراثية والحديثة والأجنبية، وعلى متابعة ما يصدر من جديد في مجالها. وبعد عدة أعوام عملت في أعداد كتابي الأول المراجع العربية. كما أصبحت خلال نفس الفترة مسؤولاً عن تزويد المطبوعات بالمكتبة، وهو ما أتاح لي الاطلاع على الجديد مما ينشر من الكتب العربية والأجنبية، سواءً ما يرد منها بالبريد والشحن الجوي أو عن طريق معارض الكتب المحلية والعربية أو عن طريق الاطلاع على ما يعرض في الدوريات المتخصصة. وازداد الميل لدي مؤخراً نحو استخدام الكتاب المرجعي الإلكتروني، والقراءة في ميدان العلوم الشرعية، وبخاصة في دراسة مصادر القرآن والحديث من خلال الاطلاع على الكتب المطبوعة والكتب المرجعية على الأقراص المدمجة.

كما أن مسؤوليتي عن الرقابة على الكتب قبل شرائها أتاح لي قراءة أعداد كبيرة من الكتب وفي مختلف التخصصات، وبخاصة في مجالات الفكر والدين والسياسة والاقتصاد والقانون. كما زاد اهتمامي خلال نفس الفترة بقراءة العديد من كتب الرحالة الأجانب باللغتين العربية والأجنبية، وكذلك عن تاريخ الموريسكيين في الأندلس، وتاريخ الوجود العماني في زنجبار.

وخلال العشر السنوات العشر الماضية، واصلت العمل في إعداد عدد من المؤلفات التوثيقية والعلمية وهي: الدليل الشامل لمراجع العرب ثلاثة مجلدات، ومراجع العرب: دراسة ببليومترية، وخدمات الإعارة في المكتبة الحديثة، المعلومات الإدارية إصدار توثيقي، وفي الوقت الحالي أعكف على إعداد موسوعة شاملة في الأخلاق، وهو ما أتاح لي الرجوع إلى كثير مما كتب عن الأخلاق والدين والسيرة النبوية والتربية وعلم النفس، إضافة إلى الاطلاع على بعض المعاجم والتفاسير وكتب الفكر الإسلامي ذات العلاقة بالموضوع.

* باحث ومؤلف سعودي; مدير مركز الوثائق، عضو هيئة التدريب، معهد الإدارة العامة بالرياض