المعرض الدولي التاسع للنشر والكتاب بالدار البيضاء: حضور متميز لجديد الكتاب المغربي وتمثيل ضعيف لأغلب دور النشر الأجنبية

TT

عرفت الدورة التاسعة من المعرض الدولي للنشر والكتاب التي نظمتها وزارة الثقافة المغربية بتنسيق مع مكتب معارض الدار البيضاء من 9 إلى 15 ديسمبر (كانون الاول) حضورا مهما للكتاب المغربي الجديد، الذي عرف تطورا مهما على مستوى الطباعة والاخراج وعلى مستوى المتن المعرفي المقدم، حيث قدمت مجموعة كبيرة من دور النشر المغربية دراسات وابحاث واعمال ابداعية ساهمت في دعمها بشكل كبير وزارة الثقافة المغربية، كما ان الوزارة نفسها قدمت في رواقها الخاص مجموع الاعمال التي اصدرتها من سلسلة «الاعمال الكاملة» وسلسلة «الكتاب الاول» وسلسلة «كتاب الطفل» والدراسات والابحاث التي تصدر عن مطبعة «المناهل» التابعة للوزارة. وقد حظيت المجلة المغربية الثقافية خلال هذا المعرض برواق خاص بها، وهو دليل على ان المجلة الثقافية المغربية بدأت تعرف بعضا من الانتعاش خصوصا ان بعض المجلات ايضا بدأت تستفيد من دعم وزارة الثقافة وعلى رأسها مجلة «علامات» ومجلة «امل» ومجلة «البيت» الصادرة عن بيت الشعر في المغرب. ولكن في المقابل لم يقدم العارضون الاجانب بمن فيهم الاوروبيون والعرب الجديد من اعمالهم، حيث اقتصرت اهم دور النشر العربية والاجنبية على تمثيلها من قبل مؤسسة للتوزيع والنشر، هذا على الرغم من اشتراط وزارة الثقافة على العارضين تقديم كتب لا يتجاوز تاريخ طبعها خمس سنوات. وهو ما يطرح العديد من الاسئلة التي تصب اساسا في الهدف الاساسي من المعرض ومدى جدية وفاعلية القانون المنظم له والذي لا يحترمه اغلب العارضين، فهل بمثل هذا النهج يمكن لوزارة الثقافة المغربية ان تطمح الى ان يصبح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء معرضا مهنيا متميزا يرقى الى مواصفات المعارض الدولية مثل معرض فرانكفورت وبيروت والشارقة والقاهرة؟

وعلى الرغم من ارتفاع عدد العارضين الذين بلغوا 395 عارضا من ثلاثين دولة (185 مشاركا و210 ممثلين)، فإن المعرض لم يلق اقبالا كبيرا من طرف الزوار ولا من قبل العارضين الاجانب الذين لم يحضروا للمعرض بل اقتصروا على تمثيليتهم من قبل مؤسسة للنشر والتوزيع جمعت في رواقها العديد من دور النشر العربية والاجنبية كدار: سوي وكاليمار وماكميلان واني بريس واونيفيرساليس ولاروس وبورداس، ودار الآداب، ودار النهضة العربية ودار الكتاب المصري واللبناني والمؤسسة العربية الحديثة، وكذا بعض دور النشر المغربية كـ«دار توبقال والفنيق وطارق»، التي عادة ما كانت تحرص على ان يكون لها رواق خاص بها، ولكن ارتفاع تكلفة الرواق التي وصلت الى 600 درهم للمتر المربع، والتوقيت غير المناسب للمعرض جعلت هذه الدور تنضم الى من يمثلها عوض الغياب عن المعرض مثلما هو الشأن مع العديد من دور النشر وعلى رأسها «دار ايديف للنشر» التي لم تتمكن هذا العام من المشاركة في المعرض الدولي للنشر والكتاب بسبب الظروف المالية الصعبة التي تمر منها هذه المؤسسة الاشهر والاكثر نشاطا في قطاع النشر بالمغرب.

وفي هذا الاطار صرح مصطفى شجيع المسؤول الاداري والاعلامي بـ«دار افريقيا الشرق» بالدار البيضاء لـ«الشرق الأوسط» ان الدار التي يشرف عليها كانت على وشك عدم المشاركة في المعرض الدولي للنشر والكتابة، لكنها في النهاية فضلت المشاركة على الرغم من الخسائر التي ستتكبدها بسبب ارتفاع كلفة الرواق الذي يصل الى 600 درهم للمتر المربع ولا دخل لوزارة الثقافة فيه، بل ان مكتب معارض الدار البيضاء هو الذي يحدد الثمن ولا يهمه من العملية ككل إلا الربح.

واضاف شجيع ان «المعرض نظم بشكل مرتجل وسريع، ولم يتم الاعلان عنه بشكل كبير من قبل. لاننا ونحن في نهاية اسبوع المعرض ما زلنا نلاحظ ان الكثير من الناس ليس لديهم علم به. زيادة على ذلك فالتوقيت غير مناسب، لأنه جاء بعد العيد مباشرة وفي فترة امتحانات الطور الاول للمؤسسات التعليمية بالمغرب، وهو ما جعل الاقبال على المعرض ضعيفا جدا مقارنة مع السنوات الماضية».

فإذا كانت وزارة الثقافة تراهن على جعل المعرض معرضا مهنيا وجديدا، يليق بمستوى صناعة الكتاب، فإنها قد اخفقت في اول خطوة في تنظيم هذا المعرض وفي لفت انتباه عموم المغاربة اليه وذلك لأنها تأخرت في الاعلان عن موعده وفي الاعداد له بالشكل الجيد، وذلك لأن الثقافة من جديد قد ارتهنت بالسياسة وبالظروف الانتخابية والتشكيلة الحكومية التي شهدها المغرب والتي اخذت الكثير من الوقت، حيث بدت وزارة الثقافة بعدها وكأنها تتصارع مع الوقت من اجل انجاز ما تأخر من نشاط. فتوقيت المعرض غير مناسب بالمرة حسب شهادة اغلب العارضين والمثقفين وذلك لانه اتى بعد العيد مباشرة وفي فترة الامتحانات بالمغرب. فهل يعقل ان ينظم الاساتذة رحلات للمعرض لتلامذتهم في هذا الوقت بالذات؟ وحتى إن حضروا فما هي الكتب التي سيقتنوها ما دامت دور النشر الاجنبية لم تحمل جديدها، ومادام ثمن الكتاب مازال بعيدا عن متناول شريحة مهمة من المغاربة والكتب المدعومة من طرف وزارة الثقافة لدى الناشرين لا ينخفض ثمنها الى النصف؟

ولعل ما يخفف من حدة امتعاض المثقفين المغاربة والعارضين الذين ظلوا طيلة اسبوع العرض ينتظرون زائرا ما يقدم على لمس الكتب المعروضة والتي لم تتحقق لهم إلا في نهاية الاسبوع وفي وقت تسليم جائزة الاطلس الكبير لعام 2002، هو الحضور المشرف للكتاب المغربي الذي بدا يتحسن سنة بعد اخرى على مستوى الطباعة والاخراج وحتى على مستوى المادة المعرفية المقدمة. فاغلب دور النشر المغربية قدمت مجموعة من الاصدارات الجديدة التي تتراوح بين الدراسات الادبية والنقدية والفكرية والتاريخية والابداعات الروائية والقصصية والمسرحية الصادرة بالعربية والفرنسية والامازيغية. فـ«شركة النشر والتوزيع المدارس» قدمت مجموعة من السلاسل الخاصة بالاطفال بالعربية والفرنسية والانجليزية من مثل «حكايات ماما حبيبة» و«ريم وكريم» و«المحامي الصغير» و«الخيال العلمي» و«حكايات جحا»، وهي سلاسل تتراوح اثمنتها بين 5 و10 دراهم. كما أصدرت بمناسبة المعرض مجموعة من الكتابات منها «القصص الشعبي بالمغرب: دراسة مورفولوجية» لمصطفى يعلي، «التخييل وبناء الخطاب في الرواية العربية» لعبد الفتاح الحجمري، «الاثر الصوفي في الشعر العربي المعاصر» لمحمد بنعمارة، و«البربر في الاندلس» لمحمد حقي. وصدر ايضا عن المركز الثقافي العربي كتاب «الادب والمؤسسة السلطة» لسعيد يقطين، «الاسلام ورهانات الديمقراطية» لمحد محفوظ. كما اصدرت دار توبقال للنشر مجموعة من الكتابات والدراسات منها: «العولمة ونفي المدينة» لعزيز لزرق، «البلاغة والسلطة في المغرب» وديوان «في الثلث الخالي من البياض» للمهدي اخريف. وصدر عن دار الفينيق كتاب «الهوية شاعر» لعبد اللطيف اللعبي و«اشكالية الرؤية السردية» لعبد القادر الشاوي، ناهيك من اصدارات متميزة لدار الثقافة بالدار البيضاء تجمع بين الابداع بمختلف أجناسه وبين الدراسات الأدبية والتاريخية والكتابات الموجهة للطفل.