جنود مغاربة في فيتنام

TT

مطلع العام الحالي، صدرت في فرنسا عدة كتب مهمة تتناول مواضيع مختلفة تتعلق بالآيديولوجيا الاستعمارية. الاول يحمل عنوان: الكتاب الاسود للاستعمار من القرن السادس عشر وحتى القرن العشرين، وفيه جمع الباحث والمؤرخ المعروف مارك فارو نصوصا من مختلف اشكال الاستعمار التي عرفها العالم منذ سيطرة الاوروبيين على القارة الامريكية وحتى قضية كوسوفو والشيشان، مرورا بالاستعمار البريطاني الذي خضعت له الهند وعدة بلدان آسيوية وافريقية على مدى قرون، والاستعمار الفرنسي الذي خضعت له هو ايضا بلدان عديدة في القارتين الصفراء والسوداء.

ويهدف الكتاب المذكور الى اعطاء صورة دقيقة ومفصلة عن القرون الخمسة للحقبة الاستعمارية والى تقديم الادلة القاطعة عن الجرائم التي ارتكبها الاستعماريون في القارة الامريكية وفي الهند والجزائر وفي العديد من المناطق الاخرى في آسيا وافريقيا. ويقول مارك فارو ان الاستعماريين ظلوا يعتقدون على مدى قرون عديدة ان احتلالهم لمناطق مختلفة من العالم، والسيطرة على شعوبها سياسيا وثقافيا امر مشروع، ذلك انهم كانوا يعتقدون انهم الافضل والارقى والاكثر تحضرا وعلى اساس هذا الاعتقاد خولوا لانفسهم ارتكاب مجازر ضد من حاول مقاومتهم والتصدي لمخططاتهم الاستعمارية. ويروي مارك فارو الحكاية الطريفة التالية: «في عام 1948 كنت مدرسا في معهد في مدينة وهران الجزائرية. ولما ابلغت تلاميذي انه يتحتم علينا ان ندرس مع بعضنا بعضا الثقافة العربية اندهشوا وقالوا بشيء من الغضب: «ولكن يا استاذنا العزيز.. العرب ليسوا شعبا متحضرا!».

الكتاب الثاني حمل عنوان: «غبار امبراطورية» وفيه تروي مؤلفته نيلكيا ديلانوي قصة جنود مغاربة كانوا يعملون في الجيش الفرنسي في فيتنام التي كانت تسمى آنذاك «الهند الصينية» وهؤلاء المغاربة هم: محمد الجلالي وبن طاهر وميلود وزوجاتهم الفيتناميات تي آن وونه وماي واولادهم الذين كانوا يحملون اسماء فيتنامية وعربية. ينضاف الى هؤلاء عشرات من المغاربة الآخرين الذين فروا من الجيش الفرنسي مفضلين العيش مع السكان الاصليين. وفي فيتنام عاشوا ازيد من عشرة اعوام، اي منذ نهاية الحرب الفرنسية ضد المجاهدين الفيتناميين وحتى التدخل الامريكي في المنطقة.

وكان الفيتناميون يسمون المغاربة بـ «الاوروبيين السود». وعند عودة هؤلاء الى المغرب عام 1972، اطلق عليهم مواطنوهم اسم: «الصينيين». وقد بحثت المؤلفة نيلكيا ديلانوي وثائق مختلفة، متنقلة بين الرباط وباريس وهانوي بحثا عن آثار هؤلاء المغاربة الذين عاشوا ممزقين بين فيتنام ووطنهم الام.

ومعلوم ان فرنسا جندت 123000 جندي من اصل مغاربي في الحرب التي شنتها ضد الوطنيين الفيتناميين بقيادة الزعيم هوشي منه الذي امر انصاره منذ البداية بضرورة القيام بعمل دعائي واسع لاقناع الجنود المغاربيين بعدم خوض الحرب ضدهم، ذلك ان فرنسا تحتل بلدانهم الثلاثة اي المغرب والجزائر وتونس وتعامل مواطنيهم بقسوة وعنف وشراسة وبفضل هذه الحملة الدعائية، تمكن الوطنيون الفيتناميون من كسب تأييد العديد من الجنود المغاربة الذين فروا من الجيش الفرنسي ليعيشوا متخفين بين السكان الاصليين.

وفي مقدمة الكتاب، تقول المؤلفة نيلكيا ديلانوي التي عاشت في المغرب خلال الحقبة الاستعمارية: «ربما أردت من خلال مغامرة هؤلاء الرجال اعادة تركيب تاريخ ظلت فرنسا الاستعمارية تهيمن عليه لفترة طويلة حارمة المؤرخين من اضاءة جوانبه المعتمة والغامضة، ولعل هؤلاء الجنود المغاربة الذين عاشوا ممزقين بين وطنهم وفيتنام التي ارسلوا اليها لقتال الوطنيين فيها والراغبين في حصول بلادهم على استقلالها قد ساعدوني في الوصول الى هدفي والى تقديم صورة اخرى عن الحقبة الاستعمارية».