كوييلو: ذاهب لزيارة العراق.. «إنه بلد بلا ملامح أو كاريكاتير لشعب بشوارب كثيفة»

الروائي البرازيلي الأكثر مبيعا في العالم يتحدث للمرة الاولى لـ«الشرق الأوسط» عن كتابه الذي سيصدر الربيع المقبل

TT

يبدو باولو كوييلو، وهو يرتدي بدلة رياضية بالاسود والرمادي من فان دايك، اكثر شبها بكاهن مدينة صغيرة منه بشخصية ذات شهرة عالمية. غير ان الروائي البرازيلي يعد، اليوم، واحدا من قلة من الكتاب الذين يستمتعون او كما يقول «يعانون» من النجومية.

وحتى في منتجع دافوس السويسري، حيث تناولنا طعام الغداء معه قبل اسبوع، يحيط به حشد المعجبين الذين يطلبون توقيعه. ويقول خصومه انه، بمشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بانتظام خلال السنوات الخمس الماضية، باع روحه الى «النخبة الرأسمالية». غير ان المعجبين بكوييلو ينظرون اليه باعتباره «ضمير العالم»، ويدعون انه مسؤول عن اهتمام المنتدى المتزايد بمشاكل مثل الفقر والظلم والعنف في العالم النامي.

سواء احب المرء عمل كوييلو ام لا، فان هناك شيئا مؤكدا: انه الكاتب الجاد الوحيد، حتى الآن في اية لغة يتمتع بدائرة قراء واسعة. فقد ترجمت رواياته الخمس الى 40 لغة وباعت اكثر من 100 مليون نسخة في مختلف انحاء العالم. وقد باع لوحده كتبا في الخارج اكثر مما فعل كتاب اميركا اللاتينية مجتمعين.

وقد جاء كوييلو الى الكتابة متأخرا في حياته نوعا ما. فقد كان في اربعيناته عندما نشر روايته الاولى «الخيميائي» التي الهمت كتابتها عطلة في مراكش. وقد برهن الكتاب على انه حدث مثير. فقد باع ما يقرب من 10 ملايين نسخة في البرازيل وحدها، وهو رقم لم يشهده ذلك البلد من قبل. وكانت ترجمتها الفارسية من النجاح الى حد موافقة كوييلو على زيارة ايران عام 2000 حيث خاطب حشودا ضمت آلافا عدة في طهران وشيراز.

وقبل كتابته «الخيميائي»، كان «يتسكع»، ويحيا حياة الهبيين، ويكتب عددا من الاغاني الشعبية التي حققت «نجاحا متواضعا».

ويقول كوييلو انه اراد على الدوام ان يكون كاتبا ولكن والديه كانا يحبطانه، بل ان والديه اخذاه في ثلاث مناسبات الى مؤسسات للصحة العقلية لانهما كانا يعتقدان ان من يرغب في الكتابة لا بد ان يكون مجنونا. ويقول الآن انه غفر لهما لان غفران اخطاء الآخرين كما يؤكد هو اعظم امتياز منحه الله للانسان.

وقد حققت احدى روايات كوييلو اللاحقة النجاح الذي حققته «الخيميائي» ولكنه يتمتع الآن بدائرة قراء هائلة يقرب تعدادها من 100 مليون يشترون، ويقرأون كما يأمل المرء، كل ما يكتبه.

وتشتمل روايته الموسوعة «فيرونيكا تقرر ان تموت» على الكثير مما يرتبط بالسيرة الذاتية. ففيرونيكا، شأن كوييلو الشاب، شخصية معرضة للمصاعب، توضع في مصحة عقلية. وفي أحد الايام تقوم باكتشاف هائل: فنحن نستطيع ان نختار ما اذا كنا نريد الموت او مواصلة الحياة. وقد منحها ذلك احساسا هائلا بالحرية وشعورا بقوة لا تنضب.

وتعالج رواية كوييلو الاخرى وهي بهذا المعنى اكثر رواياته صقلا وهي الموسوعة «الروح الحارسة للآنسة برايم»، هشاشتنا كمرتكبي آثام لا ينفع معهم عقاب.

وتعالج روايتاه الاخريان، وهما «بريدا»، و«رحلة الحج»، التفاعل بين العالمين الروحي والمادي.

وكوييلو انسان كتوم عندما يتعلق الامر بأي كتاب جديد يشتغل عليه، فلا احد حتى زوجته، يسمح له بقراءة سطر واحد او معرفة الحبكة قبل ان يكمله.

ولذلك احسسنا بشيء من الحرج عندما سألناه عن كتابه الاخير، لكنه لم يخبرنا عنه فحسب، وانما اعطانا نسخة منه، وهي واحدة من خمس نسخ جلبها معه الى دافوس. ومن المقرر ان ينشر الكتاب الذي يحمل عنوان «احدى عشرة دقيقة» في الربيع المقبل.

لكن حديثنا على مائدة الغداء ذهب الى ما هو ابعد من قضية الكتب. ونقدم في ما يلي مقتطفات منه:

* عم يدور كتابك الجديد؟

ـ الشيء ذاته الذي تعالجه كتبي الاخرى: اعجاز ما يبدو ارضيا. غير ان «احدى عشرة دقيقة» يعالج الفكرة حول موضوع جديد: الجنس. وقد اشار بعض النقاد الى حقيقة عدم وجود مكان للجنس، الا بحدود قليلة، في عملي، واستنتجوا بأني اخشاه بشكل ما. وفي هذا الكتاب ادخل الى جوهر الامر. وقد يجعل جزء منه بعض العوانس او الكهنة يحمرون خجلا.

* الام يشير عنوان «احدى عشرة دقيقة»؟

ـ انه يشير الى معدل وقت الممارسة الجنسية، ثم لا تنس ان الرقم 11 هو رقم يتألف من رقمين متماثلين كما هو الحال مع الحياة والموت كشريكين متماثلين يخلقان كلا موحدا.

* ولكن أليست الدقائق الاحدى عشرة طويلة جدا بالنسبة لمن هم اقل شأنا من غيرهم من المخلوقات البشرية؟

ـ يعتمد ذلك على امور شتى. ربما يكون ابتكار الفياغرا قد دفع بذلك المعدل الى الاعلى.

* دعنا لا نوغل في الحديث عن هذه القضية. فصحيفتنا قد لا تكون قادرة على نشر حديث حول القدرة الجنسية! وفي صباح اليوم كنا نجلس سوية في قاعة المؤتمر هنا في دافوس، نستمع الى وزير الخارجية الاميركي كولن باول. شعرت بأنك كنت غير مرتاح، بل ومشمئزا تقريبا، فلماذا؟

ـ شعرت بعدم الارتياح لان باول كان يتحدث حول الحرب ضد العراق، وهي حرب تبدو الآن حتمية وكان الجميع يصغون بصمت مهذب كما لو ان الامر كله كان يدور حول موضوع تجريدي. وبينما كنت استمع الى خطابه، كان بوسعي ان اتصور القنابل وهي تتساقط والمدن وهي تحترق واللاجئين وهم يفرون في كل الاتجاهات والجثث تتراكم وشيطان الدمار ينفلت في البلاد. ومع ذلك فإن معظم الناس، خصوصا في الغرب يتعاملون كما يبدو مع الحرب باعتبارها اكثر قليلا من لعبة كومبيوتر على نطاق واسع. وقد لاحظت انك تدون بعض الملاحظات كجزء من عملك المهني، بينما كان آخرون يعدلون المايكروفونات الموضوعة على آذانهم ويستحسنون ما يقال او ببساطة يسترخون في مقاعدهم. كان ذلك تجمعا مهذبا لم يكن فيه احد يمتلك الحق في الاشمئزاز، لكنني لم استطع تحمل الامر.

* من الواضح انك تعارض استخدام القوة ضد صدام حسين. نستطيع ان نناقش صحة او خطأ ذلك الموقف في وقت لاحق. ولكن دعني، الآن اعرف سبب احساسك شخصيا بالتأثر الى هذا الحد؟

ـ كنت مشمئزا لانني سرعان ما وجدت نفسي عاجزا، لدي ما يزيد على 100 مليون من القراء، لكن ليست لدي قوة. هذا عالم يفترض ان يمارس فيه الكتاب التسلية، ولا يتوقع منهم السعي الى قول او رأي فصل في القضايا السياسية الكبرى. وكنت غاضبا ايضا لان ما كان باول يبلغنا به في الواقع هو ان كل بنانا السياسية والدبلوماسية، التي دفعنا من اجلها الكثير، قد اخفقت في ايجاد بديل عن استخدام القوة. وبكلمات اخرى فاننا لم نتحرك الى ما بعد العصر الحجري. ففي العصر الحجري كان الرجل الذي لديه خصومة مع رجل آخر اما ان يضربه او يقتله، وبذلك ينتهي النزاع. لقد كان تاريخ البشرية بأسره يدور حول الجهود التي تبذل لتجاوز ذلك النمط البسيط من الاشياء وايجاد بدائل للعنف كوسيلة لحل النزاعات. لست شخصا سياسيا على الاطلاق. وربما يكون هذا هو السبب الذي جعلني افترض بسذاجة ان العالم المعاصر قلل من هذا البديل. لقد خدعت بكل تلك المنظمات التي تبدو رفيعة: الامم المتحدة، هذا الاتحاد او ذاك.. الخ. ولكن الحقيقة هي انه حتى في وقتنا الحالي يمكن ان يحقق الفوز من يكون ناديه اكبر.

* هل تشعر بالحزن اذا ما ادى استخدام القوة ضد صدام حسين الى تحرير الشعب العراقي واقامة نظام ديمقراطي في بغداد؟

ـ لقد اصغيت باهتمام لباول. وهذا ليس ما قاله. لقد تحدث عن نزع سلاح العراق واشياء من هذا القبيل. لا اشعر بتعاطف مع صدام حسين ونظامه. ولا اعرف عن العراق ما يكفي لاصدار حكم. ولكن اذا كانت القضية نزاعا بين الامم المتحدة والحكومة العراقية، لا بد ان تكون هناك وسيلة غير الحرب لحله.

* القضية اكثر تعقيدا، فادارة بوش مرغمة في اطار قانون اقره الكونغرس الاميركي على ازاحة صدام حسين عن السلطة؟

ـ احقا ذلك؟ هذا امر جديد بالنسبة لي. لم اكن اعرف عن وجود مثل هذا القانون. هناك اشياء كثيرة لا اعرفها، ولكن هل من المقبول ان يكون برلمان بلد ما قادرا على اقرار قانون لازالة نظام بلد آخر؟ وهكذا فإن باول يعتبرنا جميعا مغفلين عندما يتحدث عن اسلحة الدمار الشامل! لماذا لا يكون مستقيما ويبلغ العالم بأنهم لا يحبون النظام العراقي ويريدون استبداله بنظام يفضلونه؟

* الامور كما ترى ليست بالبساطة التي تصورتها، ربما ينبغي على الكتاب والمثقفين ان يتمسكوا بعملهم؟

ـ وما هو عملهم؟ تسلية الجمهور مثل دببة ترقص؟ انظر.. انا لا اعرف الملف العراقي. ولكنني لست ساذجا، ولا حالما مفرط التفاؤل ولا رومانتيكيا. في تاريخي ايام هيبية مديدة. ولا اعتقد ان عصرنا الذي يعتبر «المال كل شيء» يمكن ان يتجاهل المثقفين شريطة ان يعبروا عن آرائهم بجرأة. لقد كان ذلك التعبير الجريء من جانب المثقفين الاميركيين، ومثقفين آخرين انضموا اليهم لاحقا، هو الذي ساعد على انهاء حرب فيتنام. لست من مؤيدي الحوار من اجل الحوار، ولكنني اثق بأن القنابل لا يمكن ان تفرض الديمقراطية وحقوق الانسان، كما انني لست مقتنعا بأن العراق قد امتلك فرصة مناسبة للإدلاء برأيه. لا يمكننا ان ندين ونعاقب احدا دون ان تتوفر له فرصة لعرض قضيته. لقد اعتقلت، انا نفسي ست مرات على ايدي الانظمة العسكرية المختلفة في بلادي وفي كل مرة تعين علي ان اثبت انني لست مذنبا. ولم يهتموا على الاطلاق بالسعي وتقديم اي دليل. كان شكهم كافيا. ان النظام القانوني الغربي يستند الى افتراض البراءة. وقد نعرف الى حد كبير ان شخصا ما مجرم، ولكن يجب علينا ان ندعه يذهب اذا لم نستطع ضمان تجريمه في محاكمة عادلة تستند الى دليل دامغ. وحتى اذا ما اعترف المرء فإن ذلك لا يكفي. وهذا هو الفارق الرئيسي بين الثقافة الغربية والثقافات الاخرى. فقد نعرف جميعا ان صدام شخص شرير. ولكن ذلك لا يكفي. يجب ان نظهر الدليل وكذلك نوفر له فرصة الدفاع عن نفسه.

* ماذا لو ان مفتشي الامم المتحدة قدموا الدليل الضروري؟

ـ حتى في هذه الحالة يتعين علينا ان نناقش العقاب الذي يتناسب مع الجريمة. انا لا اتفق مع مفهوم حرب عادلة او حرب ضرورية. فالحرب غير عادلة وغير ضرورية على الدوام. وعلى اية حال لست متأكدا من ان اغلبية العراقيين تريد ديمقراطية على النمط الاميركي. ان للولايات المتحدة قوة هائلة، غير ان عليها ان تحترم ثقافات الشعوب الاخرى. ففي اميركا اللاتينية بدأنا مؤخرا نحرر انفسنا من هيمنة الولايات المتحدة. وهذا لا يعني اننا لا نحب او نحترم او حتى نعجب بالشعب الاميركي وثقافته. ان كل ما نطلبه هو ان لا تحتلنا قوة اجنبية، وان نكون قادرين على تطوير ثقافاتنا الخاصة بطرقنا الخاصة. ومن حسن الحظ ان الولايات المتحدة لم تعد مهتمة كثيرا بنا. واشعر بالسعادة لذلك. ان هذا يمنحنا فرصة ان نكون انفسنا، ان نرتكب اخطاءنا، وان نتهادى ونتسكع بطريقتنا الفوضوية اللامنطقية تحت شمس لاتينية. انا مع تنوع الآراء والقيم. هل كان فولتير هو الذي قال: انا ضد رأيك، ولكنني مستعد للموت دفاعا عن حقك في التعبير عنه؟ كيف يمكننا ان نكون متأكدين بأن صدام حسين ليس ما هو عليه لان معظم العراقيين يشبهونه؟ وكيف نعرف ان العراقيين يمكن ان يفضلوا جنرالا اميركيا كحاكم عليهم؟

* كل هذا يذكرني بمعنى ما بجان بول سارتر. ففي باريس اواخر الستينات كنا جميعا واثقين من انه سيوقع اي مذكرة احتجاج ما دامت مناهضة لاميركا؟

ـ لا اعرف اي شيء عن سارتر الذي لا يهمني. ولست بالتأكيد مناهضا لاميركا، بل انني واحد من اكثر الكتاب في اميركا اللاتينية ميلا الى الولايات المتحدة. وبوسعك ان تثق ايضا انني لن اضع توقيعي على نداء ايا كان، كل ما اريد فعله هو قول الحقيقة كما اراها، كما انني لن اجلس في مقهى بباريس واصدر مناحات متطاولة. اخطط للذهاب الى بغداد لرؤية الاشياء بنفسي. واعتزم الحديث الى الناس العراقيين العاديين والمثقفين العراقين. لا بد ان يكون لديهم شعراء وكتاب. واملي ان اظهر وجههم الى العالم. وفي غضون ذلك فان العراق اما بلد بلا وجه او ملامح او انه كاريكاتير لشعب لديه شوارب كثيفة. ان قتل شعب لا ملامح له او كاريكاتير امر سهل. آمل ان ابلغ العالم ان العراق مليء بالناس الحقيقيين المفعمين بالحيوية، الناس الذين ينبضون حياة، الناس الذين لديهم آمال ومخاوف، الناس الذين يمكن ان يفعلوا الخير والشر، والذين يأثمون ويندمون ويحيون ويموتون. يجب ان نسمع من العراقيين الذين سلب او خنق صوتهم.

ـ تلك فكرة ممتازة. هناك اشياء كثيرة قصدت ان اخبرك عنها في هذا الحوار. ولكن سيكون من الافضل لو انك سمعتها من اهل العراق، شريطة ان تتاح لك فرصة التحدث اليهم دون شوارب كثيفة تعين الحدود التي تحيط بك.