مؤلف «من الشراع إلى البخار»: توليت المهمة كاملة وأنا شبه مكره

يعقوب يوسف الإبراهيم

TT

نشرنا في عدد سابق عن عالم النشر والكتابة «عرضا» لكتاب «من الشراع الى البخار.. قصة أول شركة ملاحة بحرية» كتبه د. عبد اللطيف الحميدان، وجاءنا التعقيب التالي من مؤلف الكتاب:

انتابتني مشاعر من الحبور وانا اقرأ ما كتبه الدكتور عبد اللطيف الحميدان، استاذ التاريخ في جامعة الملك سعود بالرياض الذي تفضل باستعمال «تعريف» بدلا من كلمة «نقد» لكتابي «من الشراع الى البخار ـ قصة أول شركة ملاحة عربية» والدكتور، لمن لا يعرفه، امين الرأي عليم بالمادة، يبتعد عن المجاملة.

وبمقدار ما كانت المفاجأة سارة ـ بالنسبة لي على الأقل ـ وهي ان الكتاب وان كان قد صدر منذ فترة قريبة في الكويت فإن انتشاره خارجها ووصوله الى المهتمين في منائر العلم والمعرفة في الشقيقة الكبرى، اثار اهتمام شخصية اكاديمية متخصصة لها باعها في تدريس مادة التاريخ الحديث والمعاصر للجزيرة العربية والخليج منذ اكثر من ثلاثة عقود، بالاضافة الى كونه خريج احدى الجامعات البريطانية البارزة، وكانت رسالته تتعلق بنشاط طبقة التجار وتأثيرها في المجتمع في شمال الخليج العربي في القرنين السابع والثامن عشر.

ولكن امام هذه النشوة كانت خيبة أمل نتيجة «اختفاء» المختصين والاكاديميين في الكويت وترددهم في التعرض للموضوع، حتى ان بعض المهتمين من اخواننا عرب الشمال علقوا على هذا التردد: «ان الكويتيين بطلوا يقرأوا». وما دام المومى اليهم ما عادت تشكل هذه الامور لهم هاجساً او هماً وطنيين.

ولن أذيع سرا هنا ان قلت بأنني اعطيت فكرة الكتاب وجل معلوماته الى اثنين من المهتمين بالتاريخ البحري وتوثيقه في الكويت، وانتظرت طويلا فلم اجد إلا الاعتذار بضيق الوقت. وحينما لم أر بالأفق بارقة أمل، قررت ان اقوم بالمهمة كاملة وأنا شبه مكره، ولقد وجدت في مقولة لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه) «خير العمل ما اكرهت نفسك عليه» ما دفعني للكتابة.

لنرجع الى «تعريف» الدكتور الحميدان، ولا يفوتني هنا أن أنوه انه جاء سريعا وفيه حماسة النقاء وصدق العطاء، واستميحه عذرا ترك فسحة للتوضيح على ما ذكره. ولنبدأ بالأسوأ لكي نتوقى أوله ونتلقى آخره. فالاول كبرد الشتاء يحرق وآخره يورق و«بصلة المحب خروف»، كما يقول اخواننا في مصر. فأقول «اصاب ولم يصب» مستعيرا هنا العبارة المنسوبة الى الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رضي الله عنه) الذي قالها في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) بالفارسية «كردي نكردي».

يذكر الدكتور: «الاستفاضة في المبحث الاول عن مؤسس الشركة الشيخ جاسم بن محمد آل ابراهيم وكان بودنا ان يوجز ضمن التوطئة، اما التفاصيل فيضمها الى المبحث الاخير المتعلق بالشركة ليشكل من تلك المادة التاريخية المثيرة نسيج وحدة مترابطة متكاملة». وأود هنا ان أبين ان الكتاب ليس بحثا اكاديميا بقدر ما هو قصة حقيقية لمشروع رائد رغبت بشرحها للقارئ العادي متناولا الظروف والاسباب التي دعت لاصدار الكتاب. ولا يمكن ان تجمع مع ما اسماه «التوطئة» التي هي استهلال لشرح تميز بالاسلوب والتعامل مع متطلبات الحضارة. والجمع بينهما هو جمع لنقيضين كل في واد ولا يمكن اقامة واصل بينهما وعين الخطأ تحويل القلوب الى قوالب.

وعن المبحث الثاني يقول الدكتور: «أراد المؤلف في ما يبدو ان يجعله مدخلا لموضوع كتابه فجعل عنوانه «العرب والبحر»، لكنه انزلق في حديث طويل عن الصراعات التي ثارت بين القوى الاوروبية من أجل السيطرة على التجارة بدلا من ان يتحدث عن التفاعل الطويل بين العرب والبحر... الخ. ثم يأتي الى ذكر رواد مثل بزورك شهريار وسليمان التاجر وابن زيد السيرافي وانتهاء بالمهري وابن ماجد... الخ». وهنا اقول ان المبحث الثاني وعنوانه «العرب والبحر» مكوّن من فصلين بالتساوي تقريبا: الاول يتناول نشاط العرب البحري منذ الأزل وقبل ميلاد المسيح (عليه السلام) بالفي سنة وذكر نشاطهم البحري معززا بأشعار العرب ومعلقاتهم قبل ظهور الاسلام. وبعد ظهور الاسلام جاء ذكر البحر في القرآن الكريم وظهرت في المبحث آيات كريمة ثم جاء بعدها ما ذكره وكتبه المؤرخون العرب كالسعودي وما ذكره الرحالة العرب كابن جبير والسيرافي ونشاط العرب في الابحار الى الهند والبحار الجنوبية.

أما الفصل الثاني ففي المبحث وفيه نشاط الاوروبيين وظهورهم في الشرق ووصولهم الى الهند بمساعدة البحارة العرب الرواد مثل ابن ماجد، ووصول السفن الاوروبية الضخمة واستفادتهم مما استعمله العرب واكتشفوه قبل الاوروبيين من اشرعة ووسائط التعرف على حركة النجوم والفلك، وما هو معروف عن تقدم علم الفلك في ابان ازدهار الحضارة العربية الاسلامية، بالاضافة الى الخرائط والرحلات والاكتشافات الجغرافية التي انكب عليها الاوروبيون لدراستها.

ولقد وقع الدكتور الحميدان في تناقض حينما اراد الاطالة عن دور العرب واختصار الدور الاوروبي. فليس بالامكان ان لا نعرّف القارئ عن امور ربما هي بديهية بالنسبة الى استاذ جامعي او باحث اكاديمي، بل من الواجب ان تكون المعلومة متوفرة ومبسطة بقدر الامكان لاعطاء فكرة عن هدف الكتاب وهو انتقال الملاحة البحرية من الشراع الى البخار. ومبتغاي في تعريف القارئ عن اسباب تأسيس اول شركة ملاحة عربية ما كان ليكون ممكنا اذا ألغينا اهتمام الاوروبيين في المنطقة، خاصة انه لولا دخولهم اليها ما استطاع أهلها التعرف على مرحلة البخار لانعدام معرفتهم ومشاهدتهم واستخدامهم لوسائط النقل العاملة بالبخار قبل ذلك.

ثم ان اختصار دور الاوروبيين يحرم القارئ ايضا من معرفة اسباب احتدام المنافسة بين القوى العالمية. وكان التركيز على حروب البحار وعدم الخوض في حروب اليابسة ضرورة لاظهار تطور الانتقال السياسي من سيطرة اقليمية الى سيطرة عالمية. ومرة أخرى لم يصب الدكتور هدفه واعتبر الكتاب عملا وبحثا اكاديميا يجب ان ترجح فيه كفة دون أخرى ليتسع مجال المقارنة ويشمل أمورا قد لا تكون ضمن دائرة تخصص الكتاب.

وينتقل الدكتور الى المبحث الثالث ليذكر: «اهتمام السريع للمؤلف بالكويت» واراد دمج مبحث «الكويتيون في الهند» مع المبحث الثالث المتعلق بالكويت ليكون مادة واحدة في موضوعها وزمنها. وردّي ان الفصل بين المبحث الثالث المتعلق «بالكويت وانسانها» والمبحث السابع «الكويتيون في الهند» هو برأيي اعطاء الفسحة والانسيابية للتركيز على المبحث الثامن الذي هو «تأسيس شركة المراكب العربية» الذي كان ثمرة النشاط التجاري للكويتيين المستقرين بالهند. ولا اعتقد ان جعل كل ما يتعلق بالكويت في فصل واحد هو الانسب. فالكتاب بمجمله يتناول الكويت عبر تاريخها وما عملية الفصل بين البحثين إلا تسهيل لقراءة الكتاب. ويجب ان اكرر هنا ما قلته عن ان مهنية الدكتور الحميدان العالية وروحه الاكاديمية طغتا على طريقة نقده فجعلتاه ينظر الى الكتاب على انه بحث يُنال به شهادة او درجة اكاديمية، ونسي ان الكتاب المطروح هو للقارئ العادي الذي جل همه معرفة تاريخ بلاده وبالتالي يجب ان يكون الكتاب مقبولا لأذواق ومستويات مختلفة وليس لاقناع مشرف او هيئة متخصصة. فالكتب الاكاديمية ربما تحتوي على معلومات مهمة ومفيدة، لكن اسلوب كتابتها وترتيب فصولها تقصران استساغتها على الخاصة لا العامة.

وقد صدق ابو الطيب اذ قال:.

فوضع الندى في موضع السيف في العلا ـ مضر كوضع السيف في موضع الندى.

ثم نأتي الى الاشادة، وهي دعوة كريمة ليست مقيدة بشروط ومقننة بقواعد و«لقمة حافة مع السلام خير من وليمة دسمة مع الخصام». وقد استدرك الدكتور الحميدان ـ وكأنه يقرأ الافكار ـ بأن «النقد للكتاب كان منهجيا ولا يؤثر من قيمة المعلومة فيه»، وهذا اطراء ضمني يشكر عليه. غير ان هناك فقرة مستعرضة ذكرها الدكتور عن زيارة القاضي الهندي «كورستجي»، الذي زار الكويت عام 1916 قائلا: «ان الشيخ جابر بن مبارك الصباح كان يملك زورقين بخاريين». والحقيقة انهما من ما ورثه عن ابيه الشيخ مبارك الذي توفي عام 1915. وقد ذكرنا ان الزورق الاول جرى امتلاكه عام 1907 واطلق عليه «سعيد» وبعدها في «سنة الطفخة»، وهي السنة التي قفزت فيها ايرادات اللؤلؤ الى مستويات عالية عام 10 ـ 1911، اشترى زورقا بخاريا آخر اطلق عليه «مشرف» هو الذي عاد به الشيخ سالم بن مبارك مع الحاج حسين بن علي بن سيف بن رومي من رأس تنورة في 16 سبتمبر (ايلول) 1910 في محاولة الشيخ مبارك الصباح استرضاء تجار اللؤلؤ للعودة الى الكويت بعد هجرتهم منها.

وعودة الى زيارة كورستجي، الذي لم يكن اصلا رحالة، بل مجرد مسافر على ظهر الباخرة «زياني» العائدة للشركة البريطانية الهندية للملاحة. وهي رست في ميناء الكويت ظهر 21 ديسمبر (كانون الاول) 1916 وغادرت في الثامنة مساء يوم 22 ديسمبر امضى منها نهارا واحدا في جولة بمدينة الكويت مع مدير الجمارك آنذاك عبد اللطيف العبد الجليل، الذي اصطحبه لمقابلة قصيرة للشيخ جابر بن مبارك حاكم الكويت حينذاك.