كتاب تراثي مفقود يطبع لأول مرة

محقق سعودي يعثر على نسخة وحيدة بخط المؤلف في المكتبة الظاهرية بدمشق

TT

عُرِفَ في النشاط البشري وفي المجال الثقافي بخاصة أعلامٌ نذروا أنفسهم وأوقاتهم وسخروا جهودهم لخدمة الحركة العلمية والثقافية، كل في مجال تخصصه، فكان ذلك سبباً في الكشف عن كنوز معرفية ضخمة تروي ظمأ المختصين وعطش طلبة العلم إلى الموارد العلمية العذبة التي تسقي جزءاً كبيراً من تطلعاتهم الشغوفة، وتجيب على كثير من تساؤلاتهم الملحّة . ويعدّ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش من هؤلاء الذين أفادوا الحركة العلمية كثيراً عن طريق تآليفه وتحقيقاته الكثيرة، ولاسيما في مجال تاريخ مكة المكرمة وأمهات كتب الفقه الحنبلي، وآخر إصدارته كان كتاب «فتح الملك العزيز بشرح الوجيز» لعلي بن البهاء البغدادي.

وبرغم أن هذا الكتاب من أهم الشروح المعتمدة في الفقه الحنبلي إلا أنه ظل مفقوداً وإن وردت الإشارة إليه والتعريف بأجزاء منه، حتى عثر الدكتور ابن دهيش على نسخة وحيدة بخط المؤلف، أشار إلى أنها كانت موجودة في المكتبة الظاهرية بدمشق ومصنفة ضمن كتب المذهب الشافعي إذ التبس على واضعي فهرسة تلك المكتبة كتاب «شرح الوجيز» لابن البهاء البغدادي الحنبلي مع كتاب «شرح الوجيز» للرافعي الشافعي. وطبع الكتاب لأول مرة في خمسة مجلدات ضخمة عن مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة بمكة المكرمة ودار خضر ببيروت.

وضع المحقق دراسة وافية للكتاب جاءت في سبعة مباحث، للحديث عن صاحب الوجيز، والتعريف بكتابه، والسيرة الذاتية لابن البهاء، وبيان أهمية كتاب فتح الملك العزيز، ومنهج ابن البهاء وموارده فيه، ووصف نسخة الكتاب المخطوطة الوحيدة، ثم أرفق نماذج من مصوراتها.

وقد وفق المحقق إلى طريقة جميلة في معالجة نصوص كتب الشروح تتميز بالتيسير على القاريء للتفريق بين النص والشرح، فقد أورد النص مظللاً بظل خفيف، ملاصقاً للشرح دون اللجوء إلى الطريقة المعتادة بوضع أسطر فاصلة وحواشي تذهب وقار الكتاب بما تسببه من فصل في الذهن وعلى الورق بين النص وشرحه، مما يشتت الفكر ويضعف فائدة الكتاب.

«فتح الملك العزيز بشرح الوجيز» مصنف على أبواب الفقه المعتادة «من كتاب الطهارة إلى كتاب الإقرار» إلا أن الذي عثر عليه المحقق هو الأجزاء من كتاب الطهارة إلى آخر كتاب النكاح وتمثل أربعة أجزاء في الأصل وبقي الجزء الخامس من كتاب الخلع إلى كتاب الإقرار لم يعثر عليه فأثبت الأصل وهو كتاب الوجيز تعميماً للفائدة كما فعل عند وجود نقص أو سقط في بعض المواضع.

وفي نهاية تحقيقه للكتاب وضع المحقق فهارس عامة له، وهي فهرس الآيات القرآنية الكريمة، وفهرس الأحاديث والآثار، وفهرس الموضوعات لكامل الكتاب، وفهرس المراجع والمصادر، مما أثرى مادة الكتاب وأتم استفادة طالب العلم من قراءته . مما تميزت به عملية تحقيق الكتاب تلك التعليقات والحواشي الثرية بالمادة العلمية المتعمقة، من ذكر أرقام وأماكن الآيات الكريمة، وتخريج الأحاديث الشريفة تخريجاً وافياً، والترجمة لكل علم مهم والإشارة إلى مصادر ترجمته لمن أراد الاستزادة عنه، والرجوع إلى المصادر الأصل لمطابقة النصوص، كما فعل عند إشارة الشارح إلى نص للبغوي في تفسيره فقام المحقق (1/96) بإثبات النص الكامل من تفسير البغوي ذاته، وعند نقل الشارح نصاً من الإنصاف للمرداوي حصل سقط لا يصح الكلام إلا به فأثبته المحقق ( 5/260) من الأصل وأشار إليه، وكذلك فعل في مواضع أخرى.

* كاتب سعودي . [email protected]

* «فتح الملك العزيز بشرح الوجيز»

* المؤلف: علي بن البهاء البغدادي

* المحقق: الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش