الناشر المغربي عبد القادر الرتناني: توقفنا بشكل اضطراري بسبب مشاكل مع ناشر لبناني

صاحب دار «إيديف» لـ«الشرق الأوسط» : 300 عنوان هو رصيد الدار في 23 سنة من العمل

TT

منذ تأسيسها في عام 1980 عملت دار «ايديف للنشر» بالدار البيضاء على التعريف بالكتاب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية. لكن هذه الدار العريقة بالمغرب، مقارنة مع حداثة تاريخ النشر بالمغرب، توقفت أخيراً.

حول هذه الوضعية الصعبة التي تعرفها الدار، ومشاكل النشر بالمغرب، كان هذا الحوار لـ«الشرق الأوسط» مع عبد القادر الرتناني مدير دار «ايديف للنشر».

* بعد 23 سنة من تاريخ النشر تضطر دار «ايديف للنشر» للتوقف. ما أسباب هذا التوقف؟

ـ إنه توقف اضطراري فقط، وذلك بسبب بعض المشاكل مع دار نشر لبنانية تطورت ووصلت الى المحاكم، وصدر حكم مبدئي لصالحنا في البداية ثم صدر بعد ذلك حكم آخر لصالح الناشر اللبناني. وهو ما ترتب عنه تجميد حسابات الدار وتوقيفها بشكل اضطراري. ونحن الآن بصدد انتظار الحكم النهائى في هذه القضية والذي سيصدر خلال هذا الشهر. وعلاقة دار «ايديف» بهذا الناشر تعود لسنوات، حيث منح هذا الناشر اللبناني لدار «ايديف» حق بيع منشوراته بالمغرب. وقد قامت الدار بتوزيعها وبيعها في مجمل المدن المغربية لمدة 12 الى 24 شهرا لكل اصدار. ولكن بعد ذلك اكتشفت الدار أن تلك الكتب كانت تدخل الى المغرب وتباع بأثمنة مخفضة وأقل من الثمن المحدد لدار «ايديف» لبيعها. وساعتها أوقفت عملية التوزيع والبيع ولم أعط الأمر أهمية كبرى، لأنني كنت قد دفعت للناشر أغلب مستحقاته ولم يبق له إلا الشيء القليل.

وأنا بكل صراحة أنتظر صدور الحكم النهائي، وآمل أن يكون الحكم لصالحنا حتى نستمر في العمل ونستطيع أن نفي بالتزاماتنا. فـ23 سنة من العمل لا يمكن أن نضحي بها بهذه السهولة. وهذا هو ما قالته لنا وزارة الثقافة في هذا الاطار برسالة تحثنا فيها على الاستمرار في العمل وعدم التوقف. هناك حلان برأيي للمشكلة: إما التوقف والتضحية بسنوات العمل الطويلة، أو الاستمرار والكفاح من أجل البقاء. * هل هناك أطراف معينة تساعدكم على تجاوز هذه الوضعية؟

ـ وزارة الثقافة المغربية إضافة الى بعض الناشرين الأجانب هم الذين يتصلون بنا، ويسألون عن كيفية مساعدتهم لنا.

* إذن هذا التوقف الاضطراري لدار «ايديف» لا علاقة له بدعم مصلحة الكتاب التابعة للسفارة الفرنسية التي أعادت هذا العام سياسة دعمها للكتاب المغربي؟

ـ لا أبدا، فمصلحة الكتاب بالسفارة الفرنسية قد أعادت فعلا النظر في دعمها للكتاب المغربي، وهي الآن تشتغل وفق مخطط معين، حيث عبرت عن رغبتها في دعم الترجمة أكثر من الفرنسية الى العربية. ومع ذلك فهناك لجنة تجتمع ثلاث مرات في السنة نرسل إليها الكتب للحصول على الدعم وهي التي تقرر في ذلك. والدعم الذي كنا نحصل عليه من السفارة من قبل، هو دعم خمسة كتب في السنة من بين 25 كتابا نصدرها.

* هل كانت دار «ايديف» تتلقى دعما معينا من وزارة الثقافة المغربية؟

ـ منذ انشاء الدعم في عام 1999، حصلت ايديف على الدعم في عام 2000 عن ثلاثة كتب بدل خمسة تقدمت بها، وفي 2002 على كتابين. وهذه التجربة مهمة جدا لأنها ساهمت في اعطاء النشر نفسا جديدا بالمغرب.

* ما موقف الجمعيات المهتمة بالنشر والكتاب بالمغرب من مشكلتهم الحالية؟

ـ لا يوجد أي تضامن أو دعم معنوي، لا بالنسبة لنا ولا بالنسبة للآخرين، خصوصا أن هناك مكتبة مهمة الآن بالدار البيضاء تعيش وضعا مختنقا بسبب مشاكل مالية، ولا أحد من مهنيي الكتاب يقف الى جانبها.

* على مدى 23 سنة من تاريخ دار «ايديف للنشر» ما نوعية المشاكل التي اعترضت الدار؟

ـ بكل صراحة النشر في المغرب وفي أي دولة صعب جدا. لأنه عمل شبيه كما نقول في العامية المغربية بالماء الذي يسكب في الرمل. وهنا أعطي مثالا قريبا وهو كتاب الصحافيين الفرنسيين الأخير عن صحيفة «لوموند» الذي صدر يوم 27 فبراير(شباط) الماضي وبيعت 60 ألف نسخة في يومه الأول. وسيعاد طبعه وستباع منه 300 أو 400 ألف نسخة. لكن أي ناشر مغربي شجاع لا يتجاوز 3000 نسخة عن كل كتاب. في المغرب توجد 15 مكتبة محترفة و150 نقطة بيع. فدار «ايديف» بعد 23 سنة من التجربة لم تصل إلا الى توزيع 300 نسخة في المغرب في الدفعة الأولى وننتظر شهرين بعد ذلك لنرى هل سنعيد طبع الكتاب أم لا. وهنا يجب على الوزارة المعنية أن تعمل على توسيع مجال النشر بالمغرب، خصوصا أن المغرب الذي يقدر عدد سكانه بـ30 مليون نسمة، يتوفر على قراء مفترضين. لكن للأسف توزيع الكتب وحتى شبكة المكتبات التي تتوفر عليها المدن المغربية غير كافية، وهنا أعطي نموذج مكتبة يتيمة بدينة وجدة (الشمال الشرقي للمغرب) أو بالأحرى للاقليم ككل، فلو أغلقت هذه المكتبة أبوابها فلن يصل الكتاب الى تلك المنطقة. وهذا النموذج ينطبق على العديد من المدن المغربية.

* بالنظر الى عقبات توزيع الكتاب داخل المغرب، وعلى اعتبار أن لكم تجربة في توزيع الكتاب المغربي بالخارج في كل من تونس وفرنسا وكندا، فما هي المشاكل التي تعترض توزيع الكتاب المغربي بالخارج؟

ـ في فرنسا التوزيع صعب جدا، فنحن كدار قضينا زهاء عشر سنوات حتى تمكنا من ادخال اسمنا الى البلد. وكوني ناشراً من المغرب، كنت أواجه صعوبات عدة في البداية، لأنها ليست بنفس أهمية دور النشر الفرنسية المهمة كغاليمار وكراسيي وغيرها. هذا عن الموزع، أما عن المكتبات فالمشكلة هي نفسها ، فقد قضيت عشر سنوات لأتمكن من ادخال اصدارات «ايديف» و«ملتقى الطرق» الى حوالي 300 مكتبة بفرنسا.

* هل هذه العقبات هي التي دفعت دار «ايديف» و«ملتقى الطرق» الى اللجوء الى النشر المشترك مع دور نشر معروفة بفرنسا؟

ـ نعم فتلك المشاكل التي واجهتنا هي التي دفعتنا بالفعل الى التفكير في النشر المشترك لأن اسم الناشر الفرنسي يمنحنا حق الدخول الى سوق الكتاب بفرنسا. النشر المشترك بالنسبة لنا كان بمثابة تأشيرة لدخول فرنسا على الرغم من أن الناشر الفرنسي لم يكن يساهم معنا بأي شيء لأن العمل كله كان يتم بالمغرب. إنه يمنحنا الاسم فقط. ومن بين دور النشر التي تعاونا معها دار «كراسيي»، دار «فلاماريون»، ودار «باري ميديتراني» التي يكن صاحبها حبا كبيرا للمغرب العربي، هذا اضافة الى دار «أكت سود» و«لوسوي» اللتين أصدرنا معهما سابقا مجموعة من الكتب.

* وهل كانت هذه التجربة ناجحة بالنسبة لكم؟

ـ نعم ، لقد كانت تجربة ناجحة وخاصة في الكتاب الجميل ( LES BEAUX LIVRES ) حيث أعددنا مجموعة من الكتب عن بعض المدن المغربية كالصويرة والرباط وطنجة. وأخيرا أعدنا اصدار كتاب جديد عن مدينة طنجة، وزعت منه لحد الآن بفرنسا 1500 نسخة. وأنا كناشر فخور باصداري لهاته النوعية من الكتب، وأنا الآن بصدد اعداد كتاب جميل عن ساحة جامع الفنا بمراكش، وسيصدر في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2003.

* ولماذا تركز الدار على نشر كتب باللغة الفرنسية فقط ولا تهتم بالكتاب المكتوب باللغة العربية؟

ـ لقد طرح علي هذا السؤال أكثر من مرة. وبصراحة، ليست لدي القدرة لا التجارية ولا المالية حتى أعمل مثل الناشرين اللبنانيين والمصريين. فكتب نجيب محفوظ مثلا تباع بـ30 درهما بالدار البيضاء، وأنا كناشر مغربي لا يمكن لي أن أصدر كتابا مثلا لمحمد برادة أو عبد الكبير الخطيبي بالعربية وأبيعه بـ30 درهما، لأنه تكلفته تتجاوز 30 درهما. كما أنه لا يمكن لي أن أطبع سوى 2000 نسخة، أما اللبناني أو المصري فإنه يطبع 10 آلاف نسخة إن لم يكن أكثر، وهذا ما يجعله يخفض الثمن. فهنا لا وجه للمقارنة بين الكتاب المغربي والكتاب اللبناني أو المصري. ومع ذلك فنحن سنصدر خلال هذا الشهر كتابا باللغة العربية وهو ترجمة لكتاب «ما وراء الحشمة» لسمية نعمان جسوس الذي كان يباع بـ 65 درهما باللغة الفرنسية وبالعربية سيباع بـ50 درهما. وهذا الكتاب حقق مبيعات مهمة في دار «ايديف»، وأعيد طبعه أكثر من مرة وتجاوز 44 ألف نسخة. ونتمنى أن تحقق طبعته العربية أيضا مبيعات مهمة.

* كم كتابا ًأصدرت دار «ايديف» وما نوعيتها؟

ـ أصدرت دار «ايديف» 300 عنوان ما بين الكتب الابداعية في المسرح والقصة والرواية، والدراسات والأبحاث حول المجتمع المغربي. وبالاضافة الى «ايديف» تخصصت دار «ملتقى الطرق» التابعة لنا في كتب التراث الوطني وكتاب الشباب. وهدفي الآن هو العمل على نشر ما بين 30 و40 كتابا في السنة.

* كم نسخة تطبعون من كل كتاب؟

ـ ما بين 2000 و3000 نسخة. ولا يجب أن نغفل أن هناك كتبا مهمة ولو أنها قليلة أعيد طبعها مرات عديدة.

* ألا تؤثر ظاهرة اقبال الكتاب على تأسيس دور نشر خاصة بهم من مثل الكاتب عبد الرحيم حزل بدار «جذور» والكاتبة غيثة الخياط بدار «عيني» على دور النشر الأساسية بالمغرب؟

ـ أظن أن السبب الذي يدفع الكتاب الى تأسيس دور نشر خاصة بهم هو بطء وتيرة النشر بالمغرب، ورغبة الكتاب في اصدار كتبهم، حيث أننا كدار لا يمكن أن نطبع أكثر من كتابين في الشهر، ونادرا ما نطبع ثلاثة كتب في الشهر لأن أغلب المطابع لا تقبل ذلك. ولكن مع ذلك تبقى دار النشر كمفهوم متعارف عليه غائبة هنا، فمسؤول واحد لا يؤسس دارا للنشر، لأن الدار تحتاج الى عمل جماعي ولجان للقراءة وتصفيف واعداد الكتاب، كما أن عنوانا أو عنوانين لن يؤسسا دارا للنشر. وإضافة الى هذه الظاهرة هناك ظاهرة الكتاب الجامعيين الذين ينشرون على حسابهم، من دون اسم أي دار على غلاف الكتاب، وهذا أمر يسيء الى سوق النشر في المغرب. ففي أوروبا مثلا لم يعد هناك نشر خاص ولا يمكن لأي مكتبة أن تقبل كتابا من هذا النوع، بينما تجد المكتبات المغربية تغص بالكتب الجامعية المنشورة على حساب أصحابها بدون أن تمر على لجان للقراءة وبدون أن تخضع لتقنيات النشر المحترف.

* من خلال تجربتكم في النشر ما هي الكتب التي تثير فضول القارئ المغربي؟

ـ أولا كتب التاريخ لأن القارئ المغربي يجهل الكثير عن تاريخه، والكتب التي تعالج القضايا الاجتماعية بشكل موضوعي وتساهم في التغيير ولا تداهن أو تجامل، لأن القارئ ذكي ويختار الجيد من الرديء.

* إذن برأيكم ليس هناك مشكلة قراءة في المغرب؟

ـ شخصيا أنا لا أعتقد أن هناك مشكلة قراءة، لأن الكتاب الجيد بعرف طريقه الى القارئ، ولكن ما ينقص هو التعريف اعلاميا بالكتاب وبالخصوص في الإذاعة والتلفزيون، لأن الصحافة المكتوبة تقوم بواجبها كلما توصلت بالكتب من دار النشر.