زفزاف : طغيان الموهبة على الاعتبارات الزائلة

TT

أحيط الأديب المغربي الراحل محمد زفزاف، قبل وبعد وفاته، بتعاطف واسع، من لدن أصدقائه، وكانوا قلة على العموم، ومن لدن قرائه الذين ارتبطوا من بعيد، بإنتاجه الأدبي المتواصل على مدى حوالي أربعة عقود، اعتبر خلالها، من طرف الدارسين له وللفترة الأدبية التي نضج فيها عطاؤه، أحد الذين رسخوا وطوروا أسلوب القصة القصيرة في الأدب المغربي الحديث، إلى جانب إسهامه النوعي في جنس الرواية، ومعاشرة متقطعة للشعر، ونشاط في الترجمة.

ولا يمكن بحال من الأحوال، إرجاع الاهتمام الذي ناله زفزاف، حيا وميتا، إلى الإشفاق عليه من محنة المرض، التي تحملها بشجاعة وصبر وإيمان، وإنما، بالتأكيد، إلى عطائه الخصب، الذي تأتى له من عصاميته وإصراره أن يكون كاتبا ذا شأن، وهو المتحدر من أصول قروية متواضعة، وذلك بدأبه على القراءة والكتابة، والانكباب على تطويع مطرد لأدواته الفنية، واقتصاد مثير للانتباه في الحديث عن نفسه وأسرار صنيعه الإبداعي الذي طغت فيه الموهبة على الاعتبارات الزائلة، التي ترضي القراءات النقدية المدرسية، الباحثة عن غاية أو منفعة اجتماعية للأدب. ظل الكاتب وفيا لذاته، غير متعال على الواقع الذي نعم وشقي فيه.

نظمت عن الفقيد، منذ رحيله في صيف 2001 ندوات وملتقيات، وأحدثت جوائز باسمه، تسابقت إلى تنظيمها جمعيات وأندية ثقافية، من بينها رابطة أدباء المغرب برئاسة أحمد المديني الذي كانت تربطه علاقة، أدبية وحياتية حميمة بالراحل، منذ أواخر الستينيات. وقد أصدرت الرابطة أخيراً كتاب «محمد زفزاف: الكاتب الكبير». وتضمن ثلاث مداخلات للمديني: التقديم وهو قراءة إجمالية في محتويات الكتاب، وكانت مساهمته الثانية «صنعة المعلم»، فيما كانت تعتبر الثالثة «المحطة العشرون» مرثية حزينة للراحل. يقع الكتاب في 214 صفحة قطع متوسط، ويتألف من قسمين كبيرين: دراسات، أنجزها نقاد وباحثون جامعيون مشتغلون بالسرد المغربي الحديث، قاربوا من خلالها أعمالا محددة للراحل؟ تنتمي إلى جنسي القصة القصيرة والرواية. وقد اجتهد كل دارس في اصطفاء المنهج الذي ارتضاه، دون تعسف أو احتكام إلى آلية منهجية صارمة، مع إشادتهم بخصوبة وثراء التجربة الإبداعية عند زفزاف، وتحكمه في ناصية القص، وقدرته الفائقة على ابتداع البنيات الحكائية ورسم الشخصيات، وتصوير عميق لما يعتمل في دواخلها.

وفي هذا القسم تطالعنا دراسات كل من: نجيب العوفي، عبد الفتاح الحجمري، عبد الرحيم مودن، أحمد بوزفور، حميد لحمداني، عبد العالي بوطيب، محمد غرناط، عثمان الميلودي، محمد الداهي، ادريس نقوري، واحمد المديني. تفصح تلك الدراسات، وبعض أصحابها مبدعون، عن خاصيتين: التعبير بحزن أولا، عن الخسارة التي أصابت الأدب المغربي، جراء فقد أحد أعلامه قبل أن يكمل العقد السادس (هو من مواليد 1945) وهو إحساس مشروع ومفهوم، لكون الفقيد يعبر عن حساسية جيل ينتمي إليه أغلب دارسيه في هذا الكتاب.

أما السمة الثانية الفارقة، فتتمثل في تنوع الخلاصات التي انتهى إليها كل دارس على حدة، انطلاقا من زاوية نظره، ومن صبره على مواكبة النص المحلل. وفي هذا السياق يمكن القول إن النتائج متواشجة فيما بينها، تترك الانطباع لدى قارئها أن كل ناقد يقودك إلى عوالم مستكشفة ومتوالدة، مصداقا للمقولة الرائجة: الموهبة عصية على القولبة. ويضم القسم الثاني، شهادات عن الراحل، وصفها، المديني، في التقديم بكونها «كشافة ومرهفة باح بها ودونها كتاب أصدقاء له من مجايليه أو الملتحقين به أو من شخصيته وحياته وسيرته وكتابته بل وعلى آخر حلقة من حلقات عمره وهو يودع العالم». ويتعلق الأمر بشهادات ادريس الخوري، رفيق زفزاف في دروب الدار البيضاء، والروائي مبارك ربيع، والكاتب الجزائري الطاهر وطار، الذي كانت له مراسلات أدبية مع الراحل، والزجال المهدي الودغيري الذي قضى في حادث سير مفجع، قبل صدور الكتاب (يا لعبث الأقدار)، كما ساهم في هذا التأبين الأدبي الناقدان محمد أمنصور ومحمد معتصم.

* محمد زفزاف : الكاتب الكبير

* مجموعة مؤلفين

* اصدار: رابطة أدباء المغرب