قرية حكمت العراق

كتاب يوثق لحيوات الأفراد المنتمين إلى «البيجات» قبيلة الرئيس العراقي السابق

TT

لقد ألفت كتب عديدة عن عراق صدام، وعن طبيعة صدام وحكمه وممارساته وظلمه الذي انتهى بالعراق الى ما انتهى اليه من دمار وتخريب لم يشهده بلد في العالم من اقصاه الى اقصاه، حتى لتصدق عليه الاسطورة التي تقول: «اراد غراب ان يخطب ابنة غراب آخر، فقال الأب: اريد مهرها عشر خرائب! فقال الغراب الخاطب: اذا امتد العمر بهذا الحاكم الجائر اهديها خمسين خربة!!».

وميزة كتاب «حكومة القرية» لطالب الحسن انه يدخل في تفاصيل الجرائم وجزئياتها في الحياة الشخصية لاركان النظام الذين ينتظمهم خيط واحد، هو انتماؤهم الى تكريت او قرية العوجة على الخصوص، بما في هذا الانتظام من تشابه في التكوين والتربية والمزاج، وذلك من خلال رصد واقعي وتوثيقي من داخل الحصن، تكريت والعوجة، وبمشاهدات وشهادات دالة على ما كان وما حدث لأهل العراق على يد هؤلاء «الشقاوات»، كما يسمونهم في العراق!يقسم الكاتب كتابه الى اربعة عشر فصلا، تمتد الى 525 صفحة مع مقدمة لعادل القاضي.

وتتوفر فصول الكتاب على مادة غزيرة ونادرة من التوثيق عن حيوات الافراد المنتمين الى قبيلة البيجات.

ويقف الكاتب طويلا عند فخذ (البوخطاب) بما فيه من فندات (اجزاء وفروع) ابرزها فندة بيت حسن محمد العمر التي يرأسها ابراهيم الحسن زوج صبحة، ام صدام، ومربي صدام يتيم الوالد، ووريث التربية القاسية. وابراهيم الحسن هذا هو الذي نشأ صدام على طريقته (الزكلابية) القائمة على النهب واللصوصية (ص 41). ويتابع المؤلف بدقة عجيبة افراد هذا البيت من حيث الاولاد والاحفاد، والاخوة والعمومة والاصهار، رجالا ونساء، فيذكر ادهام ابراهيم الحسن، ووطبان ابراهيم، وسبعاوي اولاد ابراهيم الحسن، واخوة صدام (الفصل الثاني والثالث والرابع)، ثم يعقب هذا حديث مفصل عن فندة (آلبوندا) عمومة البكر (احمد حسن) واصهاره (الفصل الخامس)، ثم فندة (آلبومسلط) الفصل السابع، ثم فندة (البوهزاع) و(آلبو عبد المنعم) و(آلبونجم) الفصل العاشر والحادي عشر. ويعطي لكل شخص منتم لهذه الفروع حقه من التحليل والوصف بما يستحقه، وما تنبئ به الوثائق والشهادات التي يجمع عليها الناس الذين يعرفونهم معايشة، او وقعوا بأيديهم (وهم يعذبون). علما بأن صدام بعد تسلم السلطة بليل قد سلم هذا العديد من افراد تلك الفندات المراكز الحساسة من الجيش والمخابرات والوزارات واجهزة الامن والحرس الخاص والحرس الجمهوري، ووضع بأيديهم ثروة العراق ومقدراته، كما وضع بين ايديهم رقاب الناس واعراضهم، فعاثوا بها فسادا لم يعثه احد على وجه الارض، ذلك ما ترصده الفصول السابقة، بألم كظيم وحسرة كسيرة.

بقيت الفصول الثلاثة الاخيرة التي ينتظمها خيط واحد آخر، وهو الحديث عن خلاصة السمات والمميزات التي تتميز بها السلطة الساقطة، وهي سمات جديرة بأن تجعلها حاكمة للعراق طيلة هذه الفترة المظلمة من تاريخه!! وهي سمات «اللصوصية اولا» و«القتل ثانيا» و«الانحطاط ثالثا»، وذلك ما اضطلع بتصويره الفصل الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر.

وربما يكفي ان انقل (حرفيا) فقرة واحدة من الـ525 صفحة التي يتألف منها الكتاب وهي فقرة اقسى على العراقيين من بيع ابواب بيوتهم وشبابيكها!! نص الوثيقة رقم 25 «سري للغاية» الى السكرتارية العامة للاتحاد العام لنساء العراق م/ حفلة ترفيهية ساهرة نهديكم اطيب التحية سوف يقام حفل ترفيهي ساهر خاص في نادي الصيد العراقي بمناسبة ثورة 17 تموز العظيمة، يشترك فيها عدد من الفنانين والفنانات ويحضره عدد من ضباط الجيش الأشاوس في الجبهة، فيرجى اعلامنا فيما اذا كان عدد من اعضاء اتحادكم ممن ترغب بحضور هذا الحفل للترفيه عن ضباطنا الاشاوس، وممن لا يمانعن من البقاء الى وقت متأخر من الليل بدون صحبة ذويهن، ليتسنى اعداد ما يقتضيه الموقف، وسوف تمنح مكافآت مغرية جدا لهن، وسوف نعلمكم بالموعد المضبوط. مع الشكر والتقدير فيطو التكريتي ع. رئيس مجلس ادارة نادي الصيد (ص 467)

* الكتاب: حكومة القرية

* المؤلف: طالب الحسن

* الناشر: دار أور ـ بيروت 2002