ماذا فعل صدام حسين بأهوار العراق؟

«تصفية الأهوار» بشكل منظم ومدروس تجعل من العبث التفكير في إعادة الحياة إليها

TT

هذا الكتاب حُرر أو أُلف قبل الشروع بهجوم قوى التحالف على نظام صدام حسين بوقت قليل حين كانت كل الانظار المركزة على العراق والتكهنات التي تتحدث عن مصير صدام ونظامه.

ومؤلفا كتاب «أهوار العراق» ايما نكلسون وبيتر كلارك يهدفان الى جذب الانظار الى موضوعهما، انهما يريان ان مهمتهما ينبغي ان تكون اشمل وأوسع من تسجيل حوادث العنف الذي مورس ضد سكان الاهوار، الى جانب ان الاهوار تشكل جزءا مهما من جملة الاتهامات الموجهة الى صدام ونظامه في ارتكاب جرائم ضد الانسانية. ويتضمن الكتاب عددا من المواضيع التي تعتمد على شهادات أولئك الذين كانوا ضحايا النظام العراقي بسبب التشكيك بولائهم له أو ممن يأوون معارضيه. فأهوار العراق بسعتها وصعوبة الدخول الى مناطقها، وفرت ومنذ فترة طويلة الحماية والمأوى للهاربين والمطاردين من قبل حكومة بغداد. وهي لذلك كانت محط حقدها وعدائها ودائما ما وصفتها على انها تشكل «مشكلة أمنية» لها. وكما هو الحال في كل مكان في العراق كان رد فعل حكومة صدام على الاهوار شديدا وضاريا، الامر الذي دعا احد مؤلفي الكتاب (أيما نكلسون) لاقامة محكمة عالمية لمقاضاة صدام حسين وزمرته لسجلهم الطويل والدامي في امتهان حقوق الانسان.

ان التقديرات البيئية للدمار الذي لحق بالأهوار نفسها والتي كانت تؤوي حوالي 200 الف انسان، تشكل الجزء الاكبر من الكتاب. فمنذ الثمانينات وبخاصة خلال التسعينات اتبعت الاجهزة الحكومية سياسة قاسية وعنيفة حولت فيها مياه النهر عن الاهوار التي تعتمد عليها بحيث انه بحلول عام 2000 تحول هور القرنة وهور الحمار الى صحراء قاحلة لا حياة فيهما. ونفس المصير حل بأكبر أهوار المنطقة وهو هور الحويزة.

وهناك عدة فصول في الكتاب تتناول بالتفصيل عملية «تصفية» الاهوار بشكل منظم ومدروس. ان انهيار النظام البيئي الذي يشتمل على طريقة حياة سكان الاهوار الفريدة وكذلك التنوع غير الاعتيادي للحياة النباتية والحيوانية المتعددة قد اصاب اغلب المناطق. ويرى المؤلفان ان دائرة الدمار التي امتدت لسنوات عديدة تفعل فعلها على الاهوار، جعلت من العبث التفكير في اعادة الحياة ثانية اليها حتى بعد سقوط النظام. لكنهما في نفس الوقت يجدان ان هناك أملاً كبيراً في البحث عن سبل اعادة تأهيل مناطق هور الحويزة لأن اجزاء منه ظلت باقية في ايران. هذا من جانب، ومن جانب آخر يعتقد المؤلفان انه بات من الصعوبة اغراء السكان الذين هربوا من مناطقهم بالعودة والشروع ثانية في حياة كانت قد تعرضت الى الخطر.

كذلك هناك محور آخر من محاور الكتاب المهمة يتناوله المؤلفان بشيء من التفصيل ايضا وهو موضوع التهديد الذي يمكن ان تواجهه اهوار العراق وساكنوها وهواجسهم من الحكومات التي ستعقب نظام صدام. فمعروف ان اهوار العراق كان ينظر اليها باعتبارها خطرا يقع وراء سيطرة الحكومات منذ عهود ما قبل صدام. وهنا يشير المؤلفان الى ان عزلة واستقلالية قبائل عرب الاهوار ربما اغرت المتدينين المتعصبين حتى قبل العصر الحديث. وازاء ذلك كانت ردود الفعل عنيفة خاصة من قبل البريطانيين الذين استخدموا الطائرات في قصف القبائل لاجبارها على دفع الضرائب في العشرينات من القرن الماضي أو الجهود التي كانت تبذلها الحكومات العراقية المتعاقبة لفرض مبادئ الدولة الحديثة عليهم.

وقبل ان يقرر صدام حسين بأن الاهوار وسكانها يمثلون تهديدا امنيا ينبغي «تهدئته» من خلال التدمير، فقد كان من الواضح ان منطق الاقتصاد الحديث سيجعل من الصعوبة على أهل الاهوار الاستمرار كما كانوا في السابق. وضمن هذا الاطار يؤكد المؤلفان ان جرس الانذار يدق كلما شاهد المرء ان هناك طريقة حياة في عالمنا المعاصر ما زالت تحيا على حالها ولم تتغير منذ آلاف السنين. ليس فقط ان ذلك سيحيل الناس الذين يعيشون مثل هذه الحياة الى ان يصبحوا فاقدي القدرة ضمن تنظيم الدولة السياسي، وانما سيجدون انفسهم عند الحافة الاستسلامية القاسية للمنطق الاقتصادي الحديث. النزوح الى الخارج للبحث عن العمل وتحقيق مستوى معيشي أفضل والقابلية على التغييرات البيئية هي مؤشرات ثابتة في عملية التآكل التدريجي وانهيار الاساليب التقليدية في الحياة عبر الكرة الارضية.

وبغض النظر عن الدمار الذي ألحقه نظام صدام حسين بالاهوار وسكان الاهوار فإن هناك مشاكل تنظيمية ستبقى الى ما بعد زوال النظام. ويعتقد المؤلفان ان هذه المشاكل هي في الواقع تشكل الهدف الاساسي الذي من أجله تم نشر هذا الكتاب، بتكليف من مـؤسسة «عمار» وهي مؤسسة خيرية عالمية أسست من قبل ايما نكلسون بعد حرب الخليج عام 1991 وكان هدفها الرئيسي تنظيم مساعدات لآلاف من المهجرين والمصابين الذين فروا من الاهوار قاصدين الحدود الايرانية لضمان أمن نسبي لهم.

وايما نكلسون غنية عن التعريف فهي عضو في البرلمان الانجليزي وقفت الى جانب الشعب العراقي، خاصة سكان الاهوار المهجرين، ولها علاقات وشيجة معهم وعلى اتصال دائم بهم. وفي الآونة الأخيرة لاحظت مؤسسة «عمار» انه اذا ما عاد اهل الاهوار الى مناطقهم الاصلية ذات يوم، فإنه لن يكون بمقدورهم ان يعاودوا ممارسة اسلوب حياتهم القديم منذ اختفاء الاهوار وانحسارها بسعة كبيرة. لذلك فإن المؤسسة انشأت مشاريع تمد من خلالها أولئك الذين سيعودون بالمهارات التي يحتاجونها للتغلب على المشاكل التي لا يمكن توقع حدوثها في العراق، حيث الخريطة السياسية والبيئية تتغير بشكل يخالف كل التوقعات.

وكما يرد كثيرا في فصول الكتاب فإن نظاما ناجحا وجديدا هو الذي سيعيد استيطان سكان الاهوار ويمنحهم صوتا خاصا بهم وحالاً افضل مما كانوا عليه وما هم عليه الآن، وهذا ما سيجعل من سكان الاهوار أكثر قيمة وأهمية. وبهذا سيتم تذكير المجتمع الدولي بأن أحد معايير التدخل العالمي الاخلاقي في العراق، يجب ان يكمن في التأثير الذي ينبغي ان يمارس على نوعية حياة العراقيين العاديين. وباختصار فإن مصير سكان الاهوار سيبقى ميزانا ذا مغزى عميق لأولئك الذين سيرسمون خريطة عراق المستقبل.

* أهوار العراق: دراسة انسانية وبيئية

* المؤلفان: ايما نكلسون وبيتر كلارك

* الناشر: بوليتيكو، لندن 2003