الروائي المصري يوسف أبو رية: مجتمع الريف مشروعي الروائي

TT

«وكان اول امره طلعة» هذه الجملة التي وصف بها طه حسين نفسه في كتابه (الايام) التي قرأتها عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، كانت كفيلة بأن تحول طموحي من أن اصبح فنانا تشكيليا الى ان اكون كاتبا أرسم بالكلمات، فقد شرح كلمة (طلعة) في الهامش على انها كثرة الاطلاع، فتفتحت عيني على القراءة، وعلى الادب بشكل خاص، وتوقفت طويلا امام رواية توفيق الحكيم (يوميات نائب في الارياف) التي جعلتني اتلمس الواقع الريفي الذي اعيشه، بشكل يختلف عن الكيفية التي كان يراه بها توفيق الحكم الذي كان يرصده من مقعد وكيل النيابة الذي تفصله مسافة كبيرة عن الفلاحين، اما انا فكنت واحدا منهم وأراهم بشكل مختلف. بعدها توقفت كثيرا عند رواية يحيى حقي (دماء وطين) التي رصد فيها الريف ايضا لكن الريف الجنوبي لمصر من وجهة نظر الموظف الموفد للعمل هناك، فقد كان اكثر اقترابا من هموم الريفيين، وكانت لغة هذه الرواية هي مزيج من الفصحى والعامية أو بمعنى ادق تفصيح للعامية، وصلت هذه اللغة عندي محل تلك الجزالة التي كان يكتب بها طه حسين رواياته.

وبدأت اتوقف عند تجارب الكتاب عن الريف، ومنها روايتي (ابراهيم الكاتب، وابراهيم الثاني) لابراهيم المازني، ثم كنابات ابناء الريف انفسهم عن الريف مثل (الارض) لعبد الرحمن الشرقاوي، و(الحرام) ليوسف ادريس، لكني ادركت اني اعيش مرحلة مغايرة لتلك المرحلة التي عاشها هؤلاء الكتاب خاصة بعد حرب اكتوبر 1973 .الريف اختلف اقتصاديا واجتماعيا وكنت وقتها بالجامعة فوجدت ان علي ان اكتب عن الريف بتغيراته، عن تشوه البيوت بطوب الحجر، وتغير نمظ الحياة بعد دخول الكهرباء، وتغير ادوات الفلاح التي حافظ عليها منذ عصر الفراعنة، الشادوف، النورج، وغيرها، لتحل محلها ادوات اخرى تختصر الوقت والهد، فاصبح لدى الفلاح وقت فراغ، تغيير الفلاح حتى على مستوى البنية الجسدية، وبعضهم سافر ليخضر اراضي الاخرين، مستقلا طائرة.

اربع روايات ترصد هذا التغير في حياة الفلاح (عرس الصبار ـ كل الهوى ـ الجزيرة البيضاء ـ ليلة عرس) وخمس مجموعات قصصية (الضحى العالي، عكس الريح ـ وش الفجر ـ ترنيمة للدار ـ كلل النار).

لكني وجدت ايضا ان اذكر الاطفال بالريف المصري قبل ان يتغير وبادوات الفلاح التي صنعت حضارة امتدت لآلاف السنين في قصص للاطفال (خبز الصغار ـ اسد السيرك ـ طفولة الكلمات ـ الايام الاخيرة للجمل) ترصد مفردات الحياة الريفية لاطفال هذا الزمان، حتى لا تنسى.