تقرير دولي: الفيدرالية الجغرافية في العراق أفضل من الفيدرالية الإثنية

TT

تمحور تقرير «بناء الديمقراطية في العراق» في ثلاثة فصول. تناول مارك لاتيمر في الفصل الاول تحديات بناء ديمقراطية في العراق، وفي الفصل الثاني ركز يحيى سعيد على التحول ما بعد الشمولي في العراق وناقش ياش غاي في الفصل الثالث والاخير عملية بناء دستور في العراق. وفي النهاية تم تقديم بعض التوصيات التي قد يستفاد منها في وضع هذا البحث موضع التطبيق.

ويناقش التقرير الشروط التي في ظلها تتم انتخابات ديمقراطية قادمة في العراق، ويشمل ذلك ليس فقط اختفاء الديكتاتورية، لكن ايضا عوامل أخرى تساهم في بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي مثل تمثيل عادل وتعاون بين الجماعات المختلفة وحكم القانون واحترام حقوق الانسان. ويأخذ التقرير في الاعتبار الخطر الكامن في الصراع الاثني والعقائدي ومحاولة تجنب ذلك.

* الخبراء الدوليون ومستقبل الديمقراطية في العراق

* بناء على ما سبق فإن بناء ديمقراطية بالعراق يعد مسؤولية كبيرة وعملية معقدة، ومع ذلك فهناك خبرات متراكمة من بلدان تحولت من الديكتاتورية للديمقراطية مثل افغانستان وتيمور الشرقية. وفي هذا السياق تم عقد مقابلات معمقة مع اربعة خبراء دوليين حول تلك القضية. وقد عبر ماكس فان دير ستول، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة للعراق 1991 ـ 1999 عن ان هناك صعوبة في خلق حكومة مستقرة بعد صدام لانه لا يوجد شخص قادر على قيادة العراق ولديه الشخصية القادرة على حل الخلافات داخل التحالف الحاكم. وهذا ما تم ترديده في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2002.

وفي هذا الاطار يؤكد ايضا جودمندور الفريدسون، استاذ القانون الانساني وحقوق الانسان بجامعة لند السويدية والذي رافق المقرر الخاص للامم المتحدة للعراق عام 1992 ان العراق لا توجد به تقاليد ديمقراطية، فتشكيل احزاب سياسية ونقاش سياسي مفتوح واقامة صحافة حرة وانتخابات حرة ليست عملية سهلة مثل خلع صدام ووضع المعارضة مكانه.

وقد ذكر الفريدسون بأن هناك حاجة لوجود قوات دولية في الأمد القصير لدعم الديمقراطية ومنع التراجع للخلف وضمان الأمن الشخصي للشعب العراقي وذلك لعدم قدرة الحكومة الانتقالية على تحقيق ذلك بمفردها. وهذه القوات يجب ان تكون دولية ومحايدة تابعة للامم المتحدة، ويجب ان تخضع للمعايير الدولية لحقوق الانسان. أما عملية التقنين الدستوري فيجب ان تتم من خلال العراقيين انفسهم وليست صيغة دولية تملى عليهم. في هذا السياق يؤكد دونالد هورويتز، استاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة دوك الاميركية، بأن الفيدرالية الجغرافية افضل من الفيدرالية الاثنية، فلو اردت ان تتجنب الانفصال يجب ان تحدد المناطق جغرافياً وليس إثنيا، حيث كل فرد له دور في سياسة المنطقة. وقد انتقد هورويتز فكرة تمثيل الاقليات وفقا لنسبتهم مثلما تم في البوسنة والهرسك وفقا لاتفاقية دايتون. وقد اقترح وجود رئيس يتمتع بمساندة الاثنيات المختلفة، كما ان المرشحين للمناصب الفيدرالية يجب ان يتمتعوا بنسبة تأييد معينة من الاثنيات المختلفة، وان على المجتمع الدولي تقديم الدعم الفني في عملية صنع الدستور لدعم التعاون بين الجماعات المختلفة.

تشمل، إذاً، الشروط المبدئية لعملية التحول الديمقراطي عوامل كثيرة مثل مدى قوة او تغلغل النظام الشمولي وحالة الجهاز البيروقراطي واشكال ومؤسسات المجتمع المدني وحجم وكفاءة المعارضة ووجود طبقة وسطى والانسجام الاثني والتطور الاقتصادي، لكن جهاز الدولة والطبقة الوسطى والمجتمع المدني هي اكثر العوامل تأثيرا في مدى نجاح عملية التحول. لقد تم انهيار العديد من مؤسسات الدولة في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، وتمكن النظام من كسب ولاء الطبقة الوسطى من خلال القهر والمكافآت. وفي التسعينات تم القضاء على تلك الطبقة تماما.

* سياسات التحول

* أما بخصوص السياسات والمقترحات الراهنة لعملية التحول فقد اتفقت جميعا على مبادئ عامة: ان العراقيين يجب ان يحددوا مصير بلدهم مستفيدين من الدعم الكامل من المجتمع الدولي، ويجب ان تكون في العراق ديمقراطية تحترم حقوق الانسان وتعيش في سلام مع جيرانها، كما ان طموحات الشيعة والاكراد يجب ان تؤخذ في الاعتبار مع الحفاظ على التكامل الاقليمي للعراق. ومعظم المقترحات توافق على صيغة الفيدرالية. ومع ذلك لا يوجد تخطيط مفصل عن عملية التحول من قبل المعارضة.

وقد دارت المقترحات الخاصة بعملية التحول على اربع قضايا هي الاستقرار والادارة الانتقالية والترتيبات الدستورية والأخرى المتعلقة بالنفط. في ما يتعلق بالاستقرار، فإن كل المقترحات تقريبا أكدت على اهمية الحفاظ على التكامل الاقليمي للعراق وضمان أمن الافراد.

* الدستور

* تناول ياش غاي في الفصل الثالث والاخير وضع الدستور في العراق الذي لا يملك، حسب رأيه، تقاليد يمكن التعويل عليها في ما يتعلق بالدستور او الدستورية، وهي مفهوم يشمل حدودا على سلطات الدولة وقواعد وممارسات فصل السلطات والتوازن والمساءلة المتبادلة بين اجهزة الدولة وقضاء مستقلا. وهناك مرحلتان للتحول الدستوري، الاولى: التحول للسلام والآخر التحول للديمقراطية. وعملية وضع الدستور يجب ان يسبقها او يتلازم معها تعليم مدني لزيادة معرفة الناس بالمسائل الدستورية وتمكينهم ان يشاركوا بفاعلية في تلك العملية. وتقع تلك المسؤولية بصفة كبيرة على المؤسسات المدنية. ولكن التساؤل أين هي تلك المؤسسات المدنية؟.

ويقدم التقرير في الختام توصيات، ومنها ان شعب العراق يجب ان يكون له الدور المحوري في تقرير شكل وعملية بناء الديمقراطية، وان عملية وضع الدستور يجب ان تتم بناء على استشارات واسعة النطاق مع ابناء الشعب العراقي بما يضمن تمثيل كل الجماعات الدينية والاثنية العراقية، بالاضافة الى ضرورة ان يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الانسان بما فيها حقوق الاقليات.

في الختام لقد تناول التقرير العراق ما بعد صدام من تحديات وشروط عملية التحول للديمقراطية في العراق، لا سيما التركيز على صناعة دستور يحترم حقوق الانسان بصفة عامة والاقليات بصفة خاصة. ومع ذلك لم يتناول كيف يتم اسقاط نظام صدام الذي يشكل العقبة الرئيسية لعملية التحول للديمقراطية في العراق، كما ان التقرير لم يأخذ موقفا محددا من الحرب المتوقعة على العراق وهو في هذا الخصوص غير موفق لأن الحرب سيكون لها ضحايا ابرياء من ابناء الشعب العراقي المسكين. وبما انه صادر عن جماعة حقوق الاقليات الدولية التي تعمل على الدفاع عن حقوق الاقليات كان من الاجدر بالتقرير ان يعبر عن موقف رافض للحرب من الناحية المبدئية. من جانب آخر لم يقدم التقرير نظرة ثاقبة حول كيف يتم ترجمة مبدأ ملكية العراقيين لمشروع التحول للديمقراطية. لا يطرح التقرير اي ميكانزمات عملية لوضع ذلك المبدأ المهم موضع التطبيق. واشار التقرير الى الواقع المأساوي للمعارضة العراقية المنقسمة والتشكك حول وجود شخصية عراقية تستطيع قيادة التحالف الحاكم خلال فترة الادارة الانتقالية ومدى التزام تلك الادارة بالديمقراطية. وان كانت صورة سوداء حول مستقبل العراق الا انها تعكس الواقع الأليم الذي يسود سيناريوهات المستقبل. واخيرا فإن التقرير لم يشر الى أي دور محتمل لجامعة الدول العربية او منظمة المؤتمر الاسلامي في ترتيبات الوضع في العراق بعد صدام بالمشاركة مع الامم المتحدة.

* بناء الديمقراطية في العراق

* تأليف جماعي