موضوع مسكوت عنه ويزيد «الفطام العسكري» تفاقمه

انواع قاتلة من المخدرات تضرب الشباب والمافيات تخترقهم والتوعية اللازمة غائبة

TT

الادمان حالة وليس مادة، فالمادة هي العرض وليست المرض.

مفهوم الادمان هذا يدفع مبادئ العلاج الى انماط جديدة، ويعيد تقييم سلّم الاولايات الى الاسباب الدافعة والمؤثرة، ويصيغ المعايير الادمانية بحالة التبعية التي يصعب الانسحاب منها دون مساعدة متخصصة بسبب عامل الاكراه الذاتي الذي يدفع المرء الى الاستمرار رغم ارادته.

فالادمان هو تشوق لتكرار سلوك معين والشعور بلذة خلاله، وباضطراب في حال الانقطاع عنه. وأمثلة السلوك الادماني في حياتنا اليومية كثيرة مثل القمار، العنف، الولع بحب شخص آخر، التعلق الاعمى بعقيدة، الشخصانية وغيرها من ظواهر السلوك المتطرف الذي يخرج على النمطية المعتدلة والمتعددة الجوانب لنشاطات الحياة، الى المبالغة المرضية في نشاط سلوكي احادي يستحوذ على المدمن ويجعله اسيره وتابعه.

هذا المفهوم دفع انطوان البستاني مؤلف «المخدرات والمسكرات والمهدئات»، الصادر عن دار «النهار» ببيروت، الى معالجة موضوع الادمان من عاملين احدهما مقلق والثاني خطير. المقلق والخطير ان العالم العربي يشكو منذ ما يزيد عن عقدين من موجة تعاطي المخدرات على انواعها، تضرب الشريحة التي هي ركيزة المجتمع، أي الشباب. في الوقت الذي تفتقر فيه بلادنا الى أبحاث ومؤلفات تتسم بالجدية والطابع العلمي، تفسر ماهية المشكلة وتوفر لافراد المجتمع المعطيات الصحيحة حولها، والتوعية الضرورية.

وجد المؤلف ان تأمين المعرفة لتطال اكبر نسبة من شرائح المجتمع واجبة، وان التعريف بالمدمن كمريض اجتماعي، وبالمخدرات وانواعها وتاريخها، وبالكحول وتأثيراتها، والمهدئات ومضارها، وسبل العلاج والتأهيل، مدخل اولي لكشف ابعاد هذه المشكلة وتسليط الضوء عليها، وتصحيح المفاهيم التي تجعل من المجتمع موارباً يأبى الاعتراف بوجود هذه الظاهرة مما يوقعه في مضاعفة نتائجها وتفاقم سلبياتها.

ولعل قلق الكاتب يصبح مشروعاً ومضاعفاً ونحن نشهد قدرة مافيات المخدرات على اختراق الانظمة والقوانين، واستخدامها اساليب خبيثة في ترويج المخدر بالاتجاه نحو المراهقية كمشروع مستقبلي لتوظيف طويل ومتحرك باستغلال الفضولية لديهم، وحب التجربة، والرفض، وعدم الملائمة من المجتمع، واللامبالاة العاطفية، والتطرف، والصعوبات الحياتية، وفصام القيم بين السائد الفارغ من محتواه والواقع، وغيرها مما يميز الشباب في مجتمع كالمجتمع العربي خصوصاً مع ما يتعرض له من اعادة صياغة مفهومية ضائعة بين قناعات عدة بسبب الانكسارات والهزائم المتتالية.

ومما يفاقم المشكلة موقف السلطات والقوانين من حالات الادمان التي لا تزال في يد العسكر، فالمدمن تعامله القوانين كمجرم تضعه في السجن وتؤدبه بالعزل الذي هو احد اهم اسباب الادمان (وهو المعروف بدافع «التوحد»). في حين ان الادمان مرض له اسبابه وظواهره التي يزيد من حدتها «الفطام العسكري».

وهناك ايضاً عدد من الاسباب التي تفاقم مشكلة الادمان، كالجهل بها، والسكوت عنها، وعدم وجود مراكز التأهيل المتخصصة، وعدم توعية المواطن على المخدر كمادة وظاهرة وسبب ونتيجة، وفي هذا السياق يأخذ هذا الكتاب أهميته.

يعرض الكتاب لأنواع المخدرات فيقسمها الى عائلات ست وهي:

الافيونيات (مورفين ـ افيون ـ هيرويين...)، المسكرات (الكحول ـ الاثير ـ الغراء المستخدم منزلياً...)، المنشطات (الكوكايين ـ القات ـ النيكوتين ـ القهوة...)، المثبطات (المنومات ـ المهدئات...)، المهلوسات (آل. اس. دي. ـ غبار الملائكة...) والحشيشة.

يعرض المؤلف تاريخ كل من هذه المخدرات، وبلد منشئها، وكيف نظر اليها الاقدمون، والاساطير التي حيكت حول بعضها، وانواعها وفوائدها، ومركباتها العلمية، وطرق تناولها، والعوامل المؤثرة منها، ومفعولها، وتأثيرها على الوظائف الجسدية، وتأثيرها النفسي، والامراض الناتجة عن تعاطيها، واعراض الانقطاع عنها.

ويعقد فصلاً خاصاً بالتبغ، فيجيب عن السؤال المحير لماذا ندخن؟ . ويقسم المدخنين الى فئات ثلاث: المدخن الظرفي اي المدخن دون تبعية، المدخن المنتظم وهو المدخن الذي يدخن كمية محددة ولا يشعر بحاجة لزيادة الكمية، والمدخن المسرف: وهو المدخن المدمن.

يعرض المؤلف تاريخ التبغ وكيف تطورت اساليب التدخين، ثم يشرح مضاعفاته، وما يتكون منه التبغ، وتأثيراته على الحمل والامراض الناتجة عنه، ويركز على التدخين السلبي ليخلص الى العلاج ووسائله.

وقبل ان يقفل المؤلف موضوعه، يفتح فصلاً خاصاً بعالم التهريب والمهربين، فيعرض لزراعة المخدرات، وكيف تتم، ومن يشتري المحصول، وكيف تهرب رغم كمياتها الضخمة، وكيف تتوزع المخدرات متى وصلت وجهتها.

الكتاب مدخل كما حدد المؤلف، لكنه مدخل احاط بجوانب الموضوع كافة. فتعرض لموضوع المخدرات من الزوايا التاريخية، والسلوكية، والاسباب، والاعراض، والنتائج، وكيفية التهريب، وخطط المهربين، وكيفية الترويج والتوزيع.

هذا الكتاب المدخل، يحتاج الى تتمات للتوعية لنعبر من خلالها الى ارجاء الموضوع، لأن السكوت عنه اصبح مخيفاً.

* المخدرات والمسكرات والمهدئات

* المؤلف :إنطوان البستاني

* الناشر: «النهار»، بيروت