الحاكم والمحكوم في الوطن العربي وشرعية السلطة

الأنظمة الملكية تتجه إلى التعددية السياسية والجمهوريات تعيش أزمة «آيديولوجيا ثورية»

TT

يطبع التعارض بين السلطة والمواطن الواقع السياسي العربي حيث يعيش الطرفان عصر "الازمة الدائمة" المتمثل بالشك والخوف من بعضهما البعض والقلق مما قد يحمله المستقبل من مخاوف وازمات في زمن تتسابق فيه المجتمعات والدول باتجاه التقدم العلمي والرفاهية بأشكالها المختلفة.

ولم تعد المجتمعات العربية تطمئن الى انها تمتلك القدرة على ايجاد الحلول للمشكلات التي تعترضها، كما لم تعد السلطة قادرة على تجاوز انانيتها لايجاد وضع مقبول ومناسب لها ولمجتمعاتها، وهذا ما يعزوه الباحث الدكتور خميس حزام والي الى ضآلة الشرعية، وهشاشة البنى السياسية والايديولوجية السائدة، وذلك في اطروحته للدكتوراه حول «اشكالية الشرعية في الانظمة السياسية العربية" والصادرة عن «مركز دراسات الوحدة العربية».

والموضوع الاساسي الذي تتمحور حوله دراسة والي هو ماهية العلاقة التي تربط الحاكم بالمحكوم. ولكن قبل ان يعالج الباحث طبيعة الانظمة العربية ومصادر شرعيتها يتوقف عند مفهوم الشرعية الذي يتفق عليه المنظرون والذي يتجلى بـ«قبول مواطني دولة ما غير القسري (الطوعي) بالحكومة». وينشأ عن هذا التحديد، كما يقول الكاتب، مساهمة الشرعية باستقرار الحالة بين الحكام والمحكومين والمجتمع بكامله، ما دامت الشرعية هي انعكاس لواقع الرضا والقبول الذي قد يبديه المواطنون ازاء النظام وممارسة السلطة وتتحقق بتطابق ادراكات النخبة الحاكمة لنفسها وادراكات الجماهير لها.

وينتقل بعدها المؤلف الى الحديث عن الانظمة السياسية العربية التي خرجت الى الوجود بعد قرون من السيطرة الاستعمارية والركود الاقتصادي والاجتماعي بقيادات نخبوية ثائرة ومقاومة، وكان عليها ان تواجه عدداً كبيراً من القضايا المختلفة التي لم تكن مؤهلة لمعالجتها.

لذلك تشعر هذه الانظمة ـ يضيف الباحث ـ بالقلق والخوف الدائم وتحاول التركيز على انها قوية وراسخة وتمارس الاستعمال القسري للقوة في مواجهة اي معارضة سياسية، مستخدمة في الوقت نفسه سبلاً متعددة لفرض شرعيتها بأساليب الترهيب والترغيب.

وبالتالي فالسلطة في الوضع العربي الراهن هي برأي الكاتب، «حاضنة الدولة» وليس العكس كما يجب ان يكون، لذلك فإن القضاء على هذه الحاضنة يتضمن تهديد وليدها بالخطر وربما الموت. ولعل الاحساس الغريزي او العفوي لدى عامة المجتمعات العربية بهذا الواقع الخطر هو من ضمن الاسباب التي تساعد الانظمة العربية على الاستمرار في مواقع السلطة التي تتماهى مع الدولة والكيان العام للوطن بحيث انها لو انهارت انهار معها هذا الكيان (الدولة).

غير ان الباحث يلاحظ بأن الشعور بالانتماء الى دولة عربية يتفاوت في المغرب العربي عنه في المشرق فقد لا يقيم السودانيون او اللبنانيون وزناً كبيراً للدولة بعكس المصريين والمغاربة الذين ينزعون الى النظر الى الدولة وكأنها الاساس للانتماء.

والسبب برأيه ان التطور المنعزل ادى الى ابتكار ايديولوجية في المشرق تنظر الى الدولة ككيانات اصطناعية اوجدها الاستعمار لتكريس التجزئة السياسية للامة العربية. اما بالنسبة للانظمة الملكية، فبعضها ادرك، كما يلفت الباحث، تحول حركة التاريخ في اتجاه التعددية السياسية فسارع نحوها، كما هو الحال في الاردن الذي اجريت فيه انتخابات حرة ادت الى حصول الاسلاميين على غالبية سمحت لهم بالاشتراك المكثف في الوزارة للمرة الاولى، وبعضها ما زال مغلقاً على ذاته، مصراً على الاعتماد على شرعية «التقاليد». وفي ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، تمكن النظام ، بحسب والي، من ايجاد الحل المناسب للتناقض بين المبادىء الدينية كمصدر تقليدي للشرعية وتحديات سياسة التحديث التي تطرح بطبيعتها مصادر غير تقليدية للشرعية. وتجلى هذا التوازن في مظهرين: الاول: الاعتراف للمؤسسات الدينية بحق المشاركة والرقابة على كل هياكل الدولة وسياستها ومؤسستها الحكومية والثاني تجلى في مفهوم الحكم وشرعية الدولة في النظام السياسي المعاصر. من جهة ثانية، اصبحت الايديولوجيا الثورية مصدراً للشرعية ـ بحسب الباحث ـ لدى الجماهير العربية، لاضفاء الشرعية على الانظمة التي تبنتها منذ الخمسينات والستينات، واختلف استعمال مضمون هذه الايديولوجيا اذ وصل الى درجته القصوى في الانظمة التي سيطر عليها حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق. وفي مصر تصاعدت الفكرة القومية لتصبح «دين الدولة» السياسي الفعلي خلال ازمة السويس عام 1956 وقد ادت الايديولوجيا القومية ادواراً مختلفة ومتناقضة في كل من ليبيا وتونس والمغرب والجزائر.

وعلى الرغم من ان هذه الايديولوجيات كانت مصدراً مقبولاً لاضفاء الشرعية على الحكم لدى غالبية ابناء المجتمع العربي، يعتبر الكاتب ان الانظمة السياسية الجمهورية باتت تعيش حالياً، مرحلة تتميز بأزمة ايديولوجيا. فالسلطة، في بعض الانظمة، لا تستطيع الى ما لا نهاية، اسناد شرعيتها الى الثورة، وخصوصاً لدى جيل الشباب في هذه المرحلة، فلا يستطيع النظام المصري الادعاء دائماً بأنه منبثق من ثورة يوليو 1952، وكثير من طروحاته السياسية لا يمكن عدها امتداداً طبيعياً لسنوات الثورة الاولى.

ويختم الكاتب كتابه قائلاً: «على العموم فإن اغلب الانظمة السياسية العربية تنبهت منذ اكثر من عقدين الى ضرورة تنويع مصادر شرعيتها وخصوصاً ان الوطن العربي يشهد الآن شرعيات بديلة اهمها التيار الديني والتيار الديمقراطي العلماني المتمثل بالتعددية السياسية، لان فشل اغلب الانظمة السياسية العربية في المعالجة الفعالة للمشكلات التاريخية الكبرى لمجتمعاتها قد اضعف كثيراً من مصادر شرعيتها».