الصراع اللغوي في إسرائيل

اللغة العربية والايديش والإنجليزية تشكل عقبة أمام انتشار العبرية

TT

صدر اخيرا عن المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية في رام الله كتاب «اللغة والهوية في اسرائيل» ومحرر الكتاب الدكتور محمد امارة، المحاضر في جامعة بار ايلان وكلية بيت بيرل، يجمع في كتابه هذا سبع دراسات مختلفة تتناول موضوع اللغة في اسرائيل وتأثيرها على تشكيل الهوية الاسرائيلية، اليهودية بالاساس، وهي في مجملها تحاول الاجابة على السؤال الهام المتعلق بالهوية والمجتمع الاسرائيليين: هل نجحت الصهيونية ـ المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة ـ في خلق امة جديدة في القرن العشرين؟ هل ما كان يسمى «بوتقة الصهر» لصناعة «العبراني الجديد» حقق طموح ورغبات مؤسسي هذا المجتمع وهذه الدولة؟

يطرح المحرر هذه الاسئلة وغيرها في توطئته غير المعنونة، التي تتصدر الكتاب دون ان يجيب عليها ليترك لنا الغوص في اشكاليات هذا الموضوع ومعضلات الهوية الاسرائيلية، وفي مقدمة الكتاب يعرف اللغة، طبيعتها ووظائفها وموقعها في تركيبة الهويات القومية والعرقية والاجتماعية، ثم يحاول اسقاط هذه التعريفات على الحالة الاسرائيلية الفريدة ومكانة اللغة العبرية في بلورة المجتمع الاسرائيلي او معضلات بلورته.

الدكتور عبد الرحمن مرعي المحاضر في كلية بيت بيرل يكتب تحت عنوان «احياء اللغة العبرية ودوره في بلورة الكيان اليهودي الحديث»، عن احياء اللغة العبرية باعتباره «ظاهرة لغوية فريدة في نوعها في التاريخ البشري»، فيستعرض هذه اللغة منذ نشأتها وحتى مشروع احيائها، ليس بصفتها لغة ميتة بل من خلال عصرنتها وتحديثها، واعطائها وظائف تدعم المشروع الصيهوني في بناء الامة الجديدة في دولة عبرية جديدة.

الدراسة الثانية للبروفيسور العيزر بن رفائل من جامعة تل ابيب وفيها يدرس موقع لغة الايديش وهي لغة اليهود في دول اوروبا الشرقية، ومنافستها للغة العبرية قبل قيام اسرائيل ولكن فيما بعد اخذت هذه اللغة بالاضمحلال امام مشروع تثبيت اللغة العبرية وفرض سيطرتها على المجتمع الاسرائيلي.

ومثلما ان لغة الايديش تشكل عقبة امام سيطرة العبرية، (في السنوات الاخيرة تقوم محاولات جادة لنشرها واعادة الاعتبار لها)، فان اللغة العربية ايضا تشكل عقبة وهي ليست فقط لغة العرب الفلسطينيين بل لغة اليهود الشرقيين ايضا ممن هاجروا من الاقطار العربية. ويتناول موضوع لغة الفلسطينيين في اسرائيل الدكتور محمد امارة في دراسة بعنوان: النسيح اللغوي الاجتماعي للفلسطينيين في اسرائيل، ويخلص الى القول «رغم اهمية اللغة العبرية، خاصة لمنافع ادائية، الا ان اللغة العربية تلعب دورا مركزيا في مفهوم وصقل وترسيخ الهوية القومية لدى الفلسطينيين في اسرائيل. وذلك بخلاف ما خططه صانعو القرار في الدولة».

ويشير المحرر في مقدمته الى التحديات التي تواجه سيطرة اللغة العبرية وبينها اللغة العربية والايديش، فان لغة اخرى تشكل تحديا لهذه السيطرة، كما للغات اخرى في العالم، وهي اللغة الانجليزية وهذا ما يتناوله البروفيسور بيرنارد سولسكي من جامعة بار ايلان في دراسته بعنوان: «دور الانجليزية في الهوية الاسرائيلية».

مما لا شك فيه ان المهاجرين الروس يشكلون ليس فقط ظاهرة ديمغرافية وثقافية اثنية في المجتمع الاسرائيلي بل ظاهرة لغوية ايضا، ولا تخلو نظرتهم الى المجتمع الاسرائيلي من توجهات استعلائية تجعلهم يتمسكون بلغة وثقافة الام الغنية والعظيمة (الروسية) امام العبرية الحديثة، صغيرة السن. وقد كان هذا الموضوع في صلب الدراسة الميدانية التي اعدتها د. سمدار دونيتسا شميت من كلية الكيبوتسات للتربية بعنوان «السلوك اللغوي، الهوية الاثنية والتوجهات بين المهاجرين الروس في اسرائيل».

لغة مجموعة اخرى من المهاجرين اليهود الذين لا يشكلون، لقلة عددهم، تحديا للغة العبرية ولكن العبرية هي التي اصبحت تسيطر عليهم، هي اللغة الامهرية، لغة المهاجرين الاثيوبيين. هذا الموضوع درسه ميدانيا ميري كريسي من كلية اشكلون (عسقلان) ود. محمد امارة.

والدراسة الاخيرة في هذا الكتاب تغلق دائرة اللغة والهوية في اسرائيل وتحديات المشهد اللغوي، بما هو الحال مع العمال الاجانب الذين يصل عددهم الى اكثر من ثلاثمائة الف عامل من عشرات الدول، وتستخلص اييلت هشاحر ونيرة هراتي واضعتا الدراسة، «ان وجود العمال الاجانب، الذين لا يرتبطون عاطفيا او ايديولوجيا بقضية المحافظة على العبرية «كلغة قومية»، يحول الذخيرة اللغوية في اسرائيل.. اذ يتكون شكل نموذجي مبسط يستخدم في التواصل مع الناس الذين ليس لديهم استعداد لفهم الكلام المعياري».

الدكتور محمد امارة، يلقي اضواء كاشفة في كتابه هذا على جانب هام ومركزي في تشكيلة المجتمع الاسرائيلي وهويته، والدراسات التي جمعها ليست نظرية وحسب بل هي ميدانية ايضا تبرز بالبحث والمعطيات العديدة اشكاليات لغوية تؤثر على سيرورة المشروع القومي الصهيوني، سلبا وايجابا.

* اللغة والهوية في إسرائيل

* مجموعة كتاب اسرائيلييين وفلسطينيين

* تحرير: د. محمد امارة

* الناشر: المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية في رام الله