أميركا والشرق الأوسط.. إخضاع وسيطرة غير مباشرة

ايزنهاور طالب إسرائيل بالانسحاب من مناطق عربية احتلتها

TT

وفقا للمؤلف دوغلاس ليتل، فإن تعبير «الاستشراق الاميركي» يلخص طريقة التكبر والغطرسة التي تنظر بها حكومة الولايات المتحدة الاميركية والجمهور الاميركي تقليديا الى العرب وبشكل اكثر تعميما الى مسلمي الشرق الاأسط كشعوب متخلفة يعمها الفساد ولا يمكن الاطمئنان اليها. هذا الموقف الثابت تمتد جذوره الى القرن التاسع عشر، فمنذ اكتشاف النفط في القرن الماضي كانت هناك قناعة متنامية موازية لهذا الموقف حول الرهان على الاقتصاد الاميركي في المنطقة. وفي هذا الصدد يورد المؤلف كلمات احد المسؤولين الاميركيين في الاربعينات من القرن الماضي، وهو يقول «انه من المهم لمصالح بلدنا ألا يقوم اولئك المتعصبون بجرح مصالحنا الاستراتيجية من خلال القيام بعمليات انتقامية ضد استثماراتنا النفطية».

لهذه النظرة ازاء العرب وحقيقة امتلاكهم احتياطيا هائلا من النفط يمكن اضافة بعد مهم آخر للحضور الاميركي في الشرق الاوسط وهو تعاطف الاميركيين بشدة مع الدولة اليهودية منذ تأسيسها عام 1948 .

الدليل التاريخي ينحو الى فضاء رحيب آخر يحفل بتأويلات كثيرة: فمنذ الحرب العالمية الاولى وضع الاميركيون اقتراحات استنتاجية لمستقبل الشرق الاوسط بدءا بمبدأ وودرو ولسون الخاص بتقرير المصير الذي عنى به ان مواطني المنطقة المعنية ينبغي ان يختاروا شكل الحكومة التي يريدون. ووافق ولسون على خلق نظام انتداب تقوم فيه فرنسا بالسيطرة على لبنان وسوريا وادارة بريطانيا لكل من فلسطين وامارة شرق الاردن والعراق، لكنه كان يعتقد بأن شعوب الشرق الاوسط سوف تكون قادرة على ادارة نفسها بنفسها عاجلا ام آجلا.

اما خلال الحرب العالمية الثانية فقد حذر مسؤول رفيع المستوى من ان دعم الرئيس روزفلت للصهيونية سوف لا يؤدي فقط الى اراقة الدماء، بل وايضا تعريض امتيازات اميركا النفطية في المنطقة العربية الى الخطر.

بعد ذلك حاول الرؤساء الذين جاءوا بعد ترومان المزج بين المصالح السياسية والتعاطف الحقيقي مع اسرائيل، غير ان ايزنهاور كان احد الرؤساء القلائل ممن طالبوا الاسرائيليين بالخروج من المناطق التي تم السيطرة عليها عسكريا، واثناء ازمة قناة السويس عام 1956 ارسل «مذكرة لاذعة» الى رئيس الوزراء الاسرائيلي ديفيد بن غوريون يصر فيها على انسحاب القوات الاسرائيلية من كل الاراضي المصرية وقد ذعن الاسرائيليون جراء هذا الضغط الاميركي الشديد.

يقول دوغلاس ليتل ان الدولة اليهودية بالنسبة للشعب الاميركي تعني ان ثمة التزاما اخلاقيا معينا. وحتى عام 1967 كان ميزان الحكم في اوساط الحكومة الاميركية يلتزم جانب اسرائيل التزاما قانونيا وكانت حرب يونيو (حزيران) عام 1967 علامة مميزة في تاريخ المنطقة، فقد احتل الجيش الاسرائيلي القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان.

ثم يـأتي الكاتب على تطور آخر ذي دلالة كبيرة: ففي عام 1982 اجتاحت اسرائيل لبنان وكان نتيجة الاحتلال انقسام الرأي العام الاسرائيلي وكذلك اليهود في جميع انحاء العالم، اضافة الى الاميركيين. بعد ذلك ازداد التصدع خاصة خلال الانتفاضة بين عامي 1987 و1993 .

لذلك بدأ التعاطف الاميركي مع اسرائيل ينحرف بشدة نحو الفلسطينيين وقد عبر والتر رودستون الذي عمل مستشارا للامن القومي لدى ادارة الرئيس الاميركي الاسبق لندن جونسون والداعم بشدة لاسرائيل عن المأزق المستمر للحكومة الاميركية وكذلك الرأي العام الاميركي حينما قال «كلما طال امد وجود اسرائيل في الاراضي المحتلة اصبح من الصعب اقناع العرب باننا لا نتنكر لوعودنا بالالتزام بوحدة الاراضي».

ويحتوي كتاب دوغلاس ايضا على دراسة لموضوع، ثورات الشرق الاوسط. ويقول احد المصادر المتخصصة في الشرق الاوسط «في المنظور التاريخي، تحتل الثورة المصرية في الشرق الاوسط ثقلا يوازي ثقل الثورة الفرنسية في اوروبا» ثم يناقش المؤلف هذا الرأي القديم ويقول بأنه ظهر للعديد من المراقبين في زمن الثورة المصرية في يوليو (تموز) 1952 بانها لم تكن سوى انقلاب عسكري رغم ما قامت به من تغيير للنظام واجراء اصلاحات اقتصادية وسياسية وفي هذا المضمار يقول المؤلف ان الرئيس المصري جمال عبد الناصر حينما قبل المساعدات الاقتصادية والعسكرية من الاتحاد السوفياتي عام 1955 فانه احدث بذلك سلسلة من ردود الافعال لم تؤد الى ازمة السويس فقط وانما ايضا الى استقطاب بين الانظمة العربية المتطرفة والحكومات المدعومة من قبل بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية. وكان ايزنهاور قد علق عام 1958 اثناء ازمة لبنان قائلا «المشكلة هي ان هناك حملة من الحقد ضدنا، ليس من قبل الحكومات، بل من الشعب، ان الشعب الى جانب عبد الناصر».

وحينما يأتي المؤلف الى الثورة العراقية في يوليو (تموز) عام 1958 فانه يقول عنها بانها اكثر من شبيهة بالثورة الفرنسية لان اطاحة الملكية و«البريطانية» احدثت غليانا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ويرى المؤلف انه في العصر الاميركي كان الشغل الشاغل هو البحث عن منفذ يُفضي الى منابع النفط، وكان اكتشاف النفط في ليبيا قد عوض بشكل وقتي الاعتماد على الخليج، وفي نهاية الستينات اصبحت ليبيا خامس اكبر دولة منتجة للنفط في العالم، وحينما انطلقت الثورة الليبيبة عام 1969، ومجيء الخميني في ايران بعد عشر سنوات على ذلك تعزز مرة اخرى اعتماد الغرب على الدول المنتجة للنفط في الخليج.

ومع ان الكتاب يعنى بالحضور الاميركي في الشرق الاوسط، الا ان المؤلف لو اشار ايضا الى الحضور الفرنسي في الشرق الاوسط لتم الكشف في ليبيا، على سبيل المثال، عن بعض الملامح المعينة للتقنية الاميركية غير المباشرة في التعامل مع بلدان الشرق الاوسط منذ 1945، فمن المعروف انه حتى استقلال ليبيا عام 1951 كانت فرنسا وبريطانيا تديران معا شؤون البلاد تحت اشراف الامم المتحدة وقيام الولايات المتحدة الاميركية بدفع اغلب التكاليف المترتبة على ذلك مقابل الحصول على حقوق القاعدة الجوية الاستراتيجية التي كانت تسمى ويلس.

الفصول الاخيرة من الكتاب تتعامل بالدرجة الاولى مع سؤال مهم واحد فقط: من سيخلف الامبراطورية البريطانية في الشرق الاوسط؟ فبعد الثورة العراقية عام 1958 اخذت بريطانيا بتقليص نفوذها في عدن ـ جنوب الجزيرة العربية حتى خرج البريطانيون منها عام 1967 وفي عام 1971 تحولت الامارات الخليجية الى اتحاد الامارات العربية.

* الاستشراق الأميركي: الولايات المتحدة والشرق الأوسط منذ 1945

* المؤلف: دوغلاس ليتل

* الناشر: مطبعة جامعة نورث كارولينا ـ اميركا

* التوزيع في المملكة المتحدة: يوروبان 2003