أجهزة الثقافة والإعلام العربية غير مبالية بالكتاب ولا بناشره ولا بقارئه

ماهر الكيالي

TT

بدأت ممارسة مهنة النشر قبل 34 عاما. هذا هو عمري المهني في المؤسسة العربية للدراسات والنشر، التي أسسها في بيروت شقيقي الراحل الدكتور عبد الوهاب الكيالي، صاحب كتاب «تاريخ فلسطين الحديث « باكورة إصدارات المؤسسة».

بعد استشهاد شقيقي عبد الوهاب، عام 1981، اضطلعت بعبء إدارة المؤسسة لكي تستمر في أداء رسالتها ودورها في خدمة الثقافة العربية، وقد استطاعت المؤسسة، بفضل ما تركه لها مؤسسها من سمعة طيبة وبفضل الثقة التي منحها لها المثقفون والقرّاء في كل مكان عربي، أن تبقى في طليعة دور النشر العربية، إذ قدمت أكثر من 2000 عنوان في حقول المعرفة المختلفة، واستقطبت كبار الكتاب والمفكرين والمبدعين العرب على اختلاف أقطارهم ومشاربهم الفكرية والفنية.

وبسبب ذلك المد الذي رافقه تصاعد قومي ونهضوي، أنشأت فروع للمؤسسة في القاهرة وبغداد ولندن بالاضافة إلى مركزها في بيروت وعمّان، ولكننا اضطررنا لاغلاقها فيما بعد باستثناء فرعي بيروت وعمان، وهذه واحدة من المشكلات التي واجهناها منذ البدء.

من الطبيعي أن تعترضنا العوائق والمشكلات. يكفي أن تقف عند استشهاد مؤسس الدار لتعرف أي نوع من المشكلات واجهنا منذ البداية، ويكفي أن تقف عند اضطرارنا لاغلاق فروع المؤسسة في القاهرة وبغداد ولندن لتعرف حجم تلك المشكلات والعوائق.

ثمة مشكلة كبرى في تسويق الكتاب، فالأسواق العربية ضعيفة ومهلهلة وغير منظمة. وبدلاً من أن تقوم الدول العربية بفرض الرقابة على الجهل والفوضى والتسيّب الثقافي فإنها تفرض رقابة غاشمة وجاهلة بدورها على الكتاب، حيث تصادر وتمنع وتتلف وترسم خطوطاً حمراء وسوداء لا يعلم قانونها إلا الله، وقد يصل به الأمر إلى حد إحالة المؤلف إلى القضاء كما حدث مع الشاعر موسى حوامدة الذي نشرت له المؤسسة مجموعته الشعرية «شجري أعلى» وأحيل بسببها إلى القضاء.

وثمة، من جهة أخرى، مشكلات التزوير والقرصنة وتسرب الأميين إلى حقل النشر بوصفهم تجاراً صغاراً لا رسالة لهم سوى جني المال بأي وسيلة، حتى لو اضطروا لتقديم نتاج فاسد أو انتهاج سبل فاسدة.

وبالطبع، فإن تدني دخل الفرد وتدهور أسعار العملات المحلية العربية بين الحين والآخر يدفع المستهلك إما إلى تقنين استهلاكه للكتب أو إلى اللجوء لشراء الطبعات المزورة الرخيصة.

إن قلّة من الناشرين هم أولئك الذين يحرصون على متابعة التطوّرات التي تطرأ على صناعة الكتاب ونشره في دول العالم الأخرى ، وحضور المعارض الدولية الكبرى في فرانكفورت وبولونيا ولندن وغيرها; وقلّة هم أولئك الذين يعتبرون النشر عملاً ثقافياً لا تجارياً بحتا، ويسعون لتطوير آفاقهم المعرفية لكي يكونوا مؤهلين لإدارة أعمالهم على الوجه الأمثل. وهذا بالضرورة سيؤدي إلى فسادِ عملية النشر برمتها.

من همومنا أيضاً ، تضارب مواعيد المعارض العربية، والكلف العالية التي تترتب على المشاركة فيها مما يدفع دور النشر الضعيفة ـ وحتى القوية أحياناً ـ إلى العزوف عنها، رغم أن العديد من هذه المعارض يُنَـظم من قبل جهات رسمية يفترض أن دورها الحقيقي هو دعم انتشار الكتاب وتسهيل الحصول عليه، لا جني الأرباح وإثقال كواهل الناشرين والمستهلكين بالرسوم والضرائب.

ثم تكتمل المشكلات وتعمّ حين نصل إلى عملية توزيع الكتاب، إذ يندر أن تجد الموزّع الكفوء القادر ذهنياً ومالياً على الوفاء بالتزاماته سواء من حيث دفع ما يستحق عليه من مبالغ أو متابعة ما يستجد من منشورات والعمل على توزيعها في الأسواق المحلية بكفاءة واقتدار.

وفوق هذا وذاك تقف أجهزة الثقافة والإعلام العربية والرسمية والشعبية غير مبالية بالكتاب ولا بناشره ولا بقارئه، ولا تعير الأمر كله كبير اهتمام.

كل هذه المشكلات تنعكس بدورها على المؤلفين الذين يشكون من دور النشر ويتهمونها بالإحجام عن تبنّي إبداعاتهم وبتحميلهم عبء تكاليفها المادية، وهم محقّون في ذلك.

نحن، في المؤسسة العربية، لجأنا أحياناً إلى النشر المشترك والتعاون مع المؤسسات والجهات والأجهزة الثقافية في أكثر من بلد عربي لتجاوز هذه المشكلات، حيث قمنا، بالتعاون مع قطاع الثقافة والنشر في البحرين بنشر أكثر من 40 كتابا; وقمنا، بالتعاون مع دار السويدي في أبو ظبي بنشر 17 كتاباً ضمن سلسلة «ارتياد الآفاق» التي تهتم بأدب الرحلات والأدب الجغرافي العربي ويشرف عليها الشاعر نوري الجرّاح ; كما قمنا بنشر عدد كبير من الكتب المدعومة من وزارة الثقافة الأردنية وأمانة عمّـان الكبرى وبيت الشعر الأردني وبيت الشعر الفلسطيني، ونأمل أن نعزز تعاوننا مع مزيد من الجهات والمؤسسات الثقافية في أقطار عربية أخرى.

ومن جهة أخرى، فإننا حرصنا، منذ البداية، على تقديم الكتاب بأفضل حلّة وأبهى وجه، واعتنينا بإخراجه وتصميمه وتدقيقه وتنظيفه من الهنات والأخطاء المطبعية والفنية، ولدينا كل الأمل في أن نقوم، في الشهور القادمة، بإدخال جميع منشوراتنا إلى موقع الكتروني خاص بالمؤسسة لتسهيل الوصول إليها والتعريف بها وترويجها، لكي لا يظلّ الأمر مقصوراً على بعض المواقع الإلكترونية العامة - كموقع النيل والفرات وموقع أدب وفن، التي لا تكفي للقيام بذلك العبء.

المشكلات جزء من تاريخ النشر، والأحلام كذلك. ونحن نراهن على أحلامنا لأننا ملتزمون بثقافة أمتنا، ونحن، إذ نضع اليد على تلك المشكلات، إنما نضعها لنحقق مزيداً من الأحلام لا لنحبط أنفسنا ولا لنضع الملامة على طرف دون طرف ولا لننزّه أنفسنا.

كلنا مسؤولون وكلّنا ينبغي أن نصرّ على الاستمرار في خدمة الثقافة العربية، وترويض ما يعترضها من عوائق وعقبات.

* المدير العام المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت - عمّان