العرب لا يعرفون الخيال العلمي لأن عقولهم مبرمجة على الأدب

TT

ادب الخيال العلمي مهمش في الوطن العربي، إذ لا يجد له قاعدة قراء ولا حركة نقدية يمكن أن تعرف به، وتساعد على انتشاره. هل عائد ذلك الذهنية العربية «الثابتة والمستقرة»، أم الى غياب دور الدولة أم دور النشر التي تحجم في الغالب عن نشر هذا الادب وترويجه للجمهور.

في هذا التحقيق نلقي الضوء على هذه القضية.

في البداية سألنا نهاد شريف «شيخ كتاب ادب الخيال العلمي»، كما يسمونه في مصر، عن اهمية ادب الخيال العلمي فقال: هناك دراسات عديدة اجريت على تنمية عقلية النشء والشباب، فكان من أبرز نتائجها ان التربية العلمية هي اهم ما يجب عرضه في عقلية الشاب، لادراك العلاقات المنطقية والرياضية بين المتغيرات، وتنمية القدرة على الخلق والابداع، وهذا الدور يمكن ان يؤديه ادب الخيال العلمي بنجاح لاتاحة فرصة المغامرة العقلية وابراز اعماق الكون.

ويذكر نهاد شريف في هذا الصدد بدراسة اخرى للكاتب ازيموف في كتابه «كيف تكتب ادب الخيال العلمي» قال فيها: لو ان مائة شاب يقرأون ادب خيال علمي، فان نصفهم سوف يتجه الى الاهتمام بالخيال العلمي، ثم تجد خمسة وعشرين منهم بدأوا في التخصص في العلوم البحتة والبروز فيها وستجد شابا واحدا اصبح عالما، بهذه الدراسة وغيرها يتأكد لدينا ان ادب الخيال العلمي له اهمية قصوى في احداث التغيير والتطوير.

ويضيف نهاد شريف: ان العالم اصبح يعيش في عصر قائم على العلم، وبالرغم من ذلك فإن الدولة تعتبر الخيال العلمي ادبا دونيا، وقد اتضح لي ذلك الامر جليا عندما تم تنصيبي عضوا باللجنة العلمية في المجلس الاعلى للثقافة.

اضافة الى ان دور النشر الخاصة لا تقبل ذلك النوع من الادب، وان خاضت تلك التجربة الشائكة فإنها تعترض احيانا مع امور عديدة في النص.

ويختلف معه نبيل فاروق وهو من ابرز كتابي ادب الخيال الذين لاقت اعمالهم رواجا كبيرا في مصر، إذ يرى ان معظم دور النشر تقوم اساسا على نظام العرض والطلب، وترتبط دائما بالرائج وما يلقى قبولا من المتلقي، لذا فلا نستطيع لوم دور النشر بالرغم من قطعها شوطا كبيرا في نشر ادب الخيال العلمي، وانما ترجع المشكلة الى الاطفال والشباب الذين لم تشكل لديهم قواعد علمية وخلفيات منظمة لتلقي ادب الخيال العلمي الذي يبنى اساسا على قواعد واسس علمية.

وعن جمهوره الذي يتوجه اليه يقول فاروق ان الطفل أو الشاب الذي يقرأ ادبه لا يقرؤه لانه يبحث عن المغامرة والتسلية، وانما لانه الجيل الذي نشأ مع التطورات التكنولوجية والتقنية الهائلة وبالتالي اخذ يبحث عما ينحصر في دائرة اهتماماته.

وعن دور مؤسسات الدولة يقول: الدولة لا تقرأ، فهي لا يصل اليها سوى ما يريد بعض المغرضين ترويجه، كما ان مؤسسات الدولة الثقافية ليست لديها معايير نقدية واضحة واعتقد ان مشروعاً كبيراً مثل مكتبة الاسرة أو المشروع القومي للترجمة لو انهما قاما بترجمة اعمال كبار كتاب الخيال العلمي العالميين مثل مايكل كريشتون وجورج اورويل وجورج وارين باعتبار ان النقاد لا يعترفون بأدب الخيال العلمي فسوف نجد اقبالا سريعا على ذلك الادب كما يجب عدم تركيز المؤسسات الحكومية مع ثقافة السائد والمستقر لاننا في امس الحاجة لادب جديدة ومتغير.

ويرجع احمد خالد توفيق كاتب ادب الرعب والخيال العلمي مسألة تلقي الادب العلمي الى الثقافة المهيمنة فالعالم العربي تم برمجة عقله منذ الخمسينيات على ان الادب هو ما يخدم المجتمع وما يرتبط بتأصيل قيم العدل والحب ولم تضع في اعتيارنا ان أدب الخيال العلمي قد يصبح مجديا لكن بصيغة اخرى، وهي غرس قيم حب المعرفة في الذهنية العربية، كما ان معظم ادب الخيال العربي يمكن أن يسمى بـ«كابوي الفضاء»، وتبنى فكرته على الغزو الفضائي والاثارة والتسلية الرخيصة. وللاسف ما يدعم تلك النظرة استيراد افلام لا تمت للفن بصلة، انما هي تعبر عن ثقافة الشوارع الغربية، كغزو الفضاء والصراعات التي تنشب من اجل تظهير كوكب الارض من الفضائيين المغتصبين.. الخ. وكما نعلم جميعا فان 90% من الجمهور يعتمد بشكل اساسي على الثقافة المرئية التي تفتقر الى العمق واتاحة ارتياد آفاق رحبة من الكفر والخيال. كل ذلك فضلا عن تعالي النقاد على ادب الخيال العلمي، واعتباره ادباً درجة ثانية وثالثة.

ويتفق الناقد الدكتور صلاح السروي في أن ادب الخيال العلمي برغم اهميته القصوى في ظل التحديات التكنولوجية لا يلقى إهتمام الحركة النقدية، ولا حتى بمتابعة ما يكتبه المبدعون فيه. وتنسحب تلك النظرة الدونية على ادب الرحلات والسير الذاتية وغيرها من اصناف الادب التي لم تجد لها قالبا نقديا يمكن الاتكاء عليه فضلا عن ايمان النقاد بأن الفن هو ما انتقل من النافع الذي يحقق اهدافا نفعية مباشرة الى الجميل الذي يترك اثرا جماليا لدى المتلقي وهذه الفنون اذا ما ارتقت فسوف تنتقل من النفعية المحدودة الى الجمالية المطلقة.

ويستدرك الدكتور السروي قائلا: لكن العقلية العربية ترفض التغيير وبالتالي يحكم على كل ما يمت بالعلم بصلة بالانزواء والتهميش.

ويرحب محمد هاشم وهو احد الناشرين الذين خاضوا تجربة النشر لشباب الكتاب والادباء والشعراء بأي نص من ادب الخيال العلمي الجاد، لكنه مع ذلك يبدي توجسه من عدم وجود قواعد معرفية يبنى عليها ادب الخيال العلمي بالعالم العربي، ولا حتى قواعد علمية ومعرفية للكاتب.

ويقول هاشم: من الاحرى الا نتباكى على اللبن المسكوب فنحن لا نملك ادبا حقيقيا في هذا الصدد الاجدى ان نستورد ادبا حقيقيا رفيعا وافلاما عالمية لا جدوى منها في مخاطبة المشاهد الفعلي الذي لم يتعلم القراءة والكتابة.