النوم والحلم والسرير من شكسبير إلى ثاتشر

TT

كتاب بول مارتن «احسب قطيع الغنم» (الخرافة التي تقول احسب الغنم لكي تنام وتكافح الارق، صورها وليم وردورث في شعره بأنه عد القطيع، لكنه لم ينم)! ويطرح بدءاً عدداً من الاسئلة: هل يكتفي بعض الناس بسويعات قليلة من النوم؟ هل كل كائن حي يحلم؟.. هل السمك يحلم؟ لماذا تنام الطيور بعين واحدة مفتوحة؟.. لماذا يهدنا التعب الى الدرجة التي نصير معها وكأننا سكارى. واخيرا هل يحصل الناس على كفايتهم من النوم؟

النوم، بالطبع، ظاهرة رائعة، خاصة اذا علمنا ان ثلث حياتنا ينقضي ونحن في حالة نوم رغم اننا لحد الآن لم نعرف الا القليل عن ماهيته وسره. ولكي نحصل على معرفة كافية عن هذه الظاهرة، قد يسعفنا هذا الكتاب «الشامل» الذي يعتبره كاتبه ناقصا رغم تطرقه الى كل التفاصيل من التثاؤب وحتى المشي في الليل، الى الصديق الحميم للنوم وهي الاحلام. ويذكر المؤلف ان كثيرا من الاختراعات والكشوفات كانت مجرد احلام في اذهان مخترعيها فصارت حقيقة، مثل ماكنة الخياطة ونظرية النسبية (لاينشتاين). لكن هل تمكن السيطرة على الاحلام؟ ولماذا نحلم أساسا؟ لا احد يعرف، وعلى اية حال كان هم الكاتب ان يمنحنا متعة النوم وسخر قراءاته في الادب في غرض علمي تماما، فجاء الكتاب جامعا بين الحقيقة العلمية والشعر الرقيق وبين القصص الهادئة والتحليل النفسي.

يقع الكتاب في سبعة فصول لم تغفل شيئا، فيؤكد في الفصول الاولى على ان النوم تصرف طبيعي وضرورة حياتية، وليس حالة فقدان وعي، كما يشير الى ان شكسبير ينظر اليه «بأنه الشره الرئيسي على مائدة الحياة».

وفي احدى رواياته يصف «جورج اوريل» انزعاجه من النوم كونه غير مريح، خاصة اذا اقترن بالبؤس والفاقة، رغم ذلك فإن في النوم متعة كبيرة لدرجة ان حرماننا منه يخلق الكثير من المشاكل. ومن اسباب هذا الحرمان العمل الكثير، الهواتف الجوالة طيلة 24 ساعة، الكميات الكبيرة المستهلكة من الكافيين. لكن ماذا عن القدماء؟ انهم كانوا ينامون اكثر واحسن على ضوء الشموع او المصابيح الزيتية. ويقول لنا الكاتب ان الارهاق يزيد الحاجة الى النوم، وكثير من المهنيين كالاطباء والطيارين يروحون احيانا في نوم عميق اثناء تأدية اعمالهم، لكن الساسة نومهم قليل ومتقطع، فساعات نوم ثاتشر لم تكن تتجاوز الاربع، لكن قلة النوم تكون نتائجها كارثية، مثل حادثة تشرنوبل في روسيا.

ويؤكد الكاتب ان اخطر ما يجابه المؤرق دائما هو خطر الجنون بسبب الدمار الذي يصيب العقل والجسم ويفتك بجهاز المناعة ايضا. وينصح المؤلف هنا بالتأمل والاسترخاء، كما يفعل البوذيون، مشيرا الى ان التأمل يحدث في اليقظة وفي الوقت الذي يسبق اللحظات الاولى من النوم الخفيف، كما ان حياتنا كلها تحكمها الساعة الداخلية للجسم، وهذه تتأثر بالاضاءة الكهربائية وتغير الفصول.

ويؤكد المؤلف على حقيقة مهمة وهي ان الشخصيات المشهورة والمبدعة كثيرا ما تتأخر في نومها، مثل اوسكار وايلد وعازف البيانو انتون روبنستين.

وبعد صدور رواية «مائة عام من العزلة» لماركيز، اكتشف الاطباء مرضا مشابها للطاعون الارقي الذي صورته الرواية، والذي وجد له علاج في فانتازيا الساحرة الغجرية، لكن المرض في الواقع لم ينفع معه اي علاج بسبب خلل في الجينات.

في الفصول الاخيرة يتطرق الكاتب الى الاحلام فيقول: نحن نحلم في حياتنا بمعدل ست سنوات او اكثر، وفي اليقظة ايضا نعيش ما يشبه الحلم.. وبعض الاحيان تختلط اليقظة بالحلم بحيث يصعب التفريق بينهما كما هو معروف.

وفي الفصل الاخير يتحدث الكاتب عن المتع التي نجنيها من النوم ابتداء من السرير نفسه، ويستشهد بقول جي دي موباسان بأن السرير هو حياتنا الكاملة، فيه نولد وفيه نحب وفيه نموت. وكان ملتون قد كتب «الفردوس المفقود» في السرير، وكان تشرشل يعمل من سريره حتى وهو رئيس وزراء، وقد يساعد السرير على نوم هادئ او العكس. وبعد ان يعطي لمحة عن تاريخ الأسرة وصناعتها، حتى ساعاتها المنبهة، يذهب الى الاهم وهي الشريك في السرير، ويشير الى ان ثلثي البالغين يشتركون مع آخرين في السرير. والسرير المشترك لا يزال شائعا في الاقطار النامية كأن ينام الاطفال مع بعضهم او مع احد الوالدين وهذا يسر الطرفين، خاصة في الرضاعة الطبيعية. لهذه الاسباب اختيارك لسريرك مهم، فلا تهمله وليكن مع شريك جيد.

ولا ينسى الكاتب القيلولة، فيذكر ان تشرشل كان مقيلا، وليس بالضرورة ان تكون متعبا لتقيل. ومن المؤسف ان القيلوليين قليلون هذه الايام نتيجة للعمل وتوتر الحياة ومتاعبها، لكن ليس في شرقنا العربي.

ويوصي الكاتب في السطور الاخيرة بأن النوم يستحق المزيد من البحوث العلمية لأهميته في حياتنا اليومية واثره على حياتنا الجسدية والعقلية.

ومؤلف «احسب قطيع الغنم» خريج كمبريدج ودرّس بها، كما درّس في جامعة ستانفورد وله كتاب آخر بعنوان «العقل المريض» رشح لجائزة NCR. كتبه كلها تبحث في ضرورة الحياة البيولوجية الكاملة وكيفية الاستفادة منها بحيث تحقق لنا السعادة.

احسب قطيع الغنم المؤلف: بول مارتن الناشر: هاربر كولينز