صقور البيت الأبيض: لماذا تنتشر الديمقراطية في شتى انحاء العالم ما عدا العالم العربي

منظرا «المحافظين الجدد» يريان أن لأمريكا واجبا أخلاقيا في نشر الديمقراطية وأن الطريق إليها يبدأ من بغداد

TT

* لكي نفهم ما الذي يجري حالياً، أو ما سيجري مستقبلاً، ينبغي أن نقرأ هذا الكتاب الذي ألّفه اثنان من صقور البيت الأبيض، هما: ويليام كريستول ولورنس ف. كابلان.. الأول هو أحد المثقفين الأكثر نفوذاً في واشنطن حالياً، وهو خريج جامعة هارفارد ويشرف مع روبيرت كاغان على إدارة مركز بحوث يهتم بدراسة الموضوع التالي: «مشروع من أجل القرن الأميركي الجديد».

وأما الثاني، أي لورنس ف. كابلان، فهو خريج جامعتي كولومبيا واكسفورد، وقد قدم للطبعة الفرنسية البروفيسور فرانسوا هايزبورغ، مدير المعهد الفرنسي للبحوث الاستراتيجية. ونفهم من كلامه، أن ويليام كريستول هو المنظّر الفكري للجماعة التي تدعى الآن في واشنطن بالمحافظين الجدد، وهي تسمية خادعة في الواقع وتعني عكس مضمونها!. فالمدرسة الفكرية التي يتزعمها كريستول، ذات طابع ثوري لا محافظ، لكن التسمية راجت في شتى أنحاء العالم حتى أصبح من الصعب تغييرها. لماذا نقول ذلك؟، لأن الرؤية العامة التي تقدمها هذه المدرسة عن العالم، ديناميكية وراديكالية، وليست محافظة أو جامدة.

* الرئيس الامريكي وفريقه يدعون إلى تغيير العالم بكل بساطة، ويشبّههم فرانسوا هايزبورغ بنابليون بونابرت الذي أراد تغيير العالم في وقته وحمل مبادئ الثورة الفرنسية إليه، ولو على رؤوس الحراب. وهذا ما يفعله بوش وجماعته حالياً. فهم ايضا يريدون أن ينقلوا القيم الديمقراطية والمثل العليا الأميركية إلى شتى أنحاء العالم، وإذا كانوا قد ابتدأوا من بغداد فإنهم لن يتوقفوا هناك، كما يقول ويليام كريستول، على العكس، ان بغداد ليست إلا نقطة الانطلاق نحو آفاق أخرى جديدة. بالطبع فإن نابليون بونابرت، كان يحقق ايضا مصالح فرنسا عندما فتح إيطاليا وغيرها من دول أوروبا، التي كانت محكومة من قبل أنظمة اقطاعية واستبدادية آنذاك، وحملته على مصر تشبه في بعض نواحيها حملة بوش على العراق.

لكن في كلتا الحالتين هناك الحلم بمُثل عليا وإمكانية زرعها في مناطق أخرى من العالم، وبالتالي فلا يمكن القول بأن المصالح وحدها هي التي تحرك نابليون وبوش كما زعم بعض الآيديولوجيين العرب أو الفرنسيين، ولو ان الأمر كذلك، لما استقبلت جيوشهما بالحماسة والترحاب من قبل عدد لا بأس به من السكان، فالتخلص من نير الاستبداد والاضطهاد شيء تتوق إليه جميع شعوب الأرض، لكن إذا ما تحول جيش بوش إلى جيش احتلال وقمع، فسوف يحصل له ما حصل لجيوش بونابرت.

ويرى فرانسوا هايزبورغ في مقدمته العامة للطبعة الفرنسية، انه إذا كانت طروحات الكتاب تستحق النقد الشديد، إلا أنه من الخطأ أن نستهين بها، فهي التي تحرك العالم حالياً بسبب تبنّيها من قبل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وبالتالي فلا يمكن أن نفهم مصير العالم إلا إذا اطلعنا على هذا التيار الفكري الذي استلم مقاليد الأمور في واشنطن بعد 11 سبتمبر.

ما هي الأطروحة الأساسية التي ينبني عليها الكتاب؟، انها تتلخص في كلمات معدودات، لكن شرحها يطول. يرى المؤلفان أن هناك ثلاثة تيارات أساسية تخترق السياسة الأميركية، الأول هو التيار الواقعي الضيق الذي يمثله جورج بوش الأب، فهذا الرجل الذي حرّر الكويت من براثن صدام لم يشأ أن يذهب إلى أبعد من ذلك، لأن مصالح أميركا استوفت حقها. وهذا التيار يرفض بحجة الواقعية في السياسة، ان يتدخل في شؤون الدول الأخرى أو أن يغير أنظمتها الفاسدة. وأما التيار الثاني، فهو التيار الليبرالي الوهمي أو حتى اليساري السطحي إن لم نقل السخيف، ويمثله بيل كلينتون الذي لم يتجرأ على المواجهة مع بن لادن وصدام. وأما التيار الثالث فهو الذي يمثل روح أميركا وجوهر مبادئها الحقيقية، ويمثله حالياً جورج بوش الابن الذي قطع مع سياسة والده وسياسة بيل كلينتون وانتهج خطاً آخر، وهو خط الرؤساء الكبار في التاريخ الأميركي، أي خط ويلسون وروزفيلت وترومان وكندي وريغان، ويدعوه المؤلف بالخط التدخلي الكوني.

انه الخط الذي يقول بأن أميركا مكلفة بنقل رسالة إلى العالم، وهي رسالة الحرية والديمقراطية والتسامح الديني وتحقيق البحبوحة الاقتصادية والسعادة للشعوب، وإذا ما تخلت أميركا عن هذه المبادئ، فإنها تكون قد خانت جوهر رسالتها ومبرر وجودها. ويعترف ويليام كريستول بأن بوش الابن لم يكن واعياً بهذه الرسالة، بل كان يمشي على سياسة أبيه حتى حصلت كارثة 11 سبتمبر، بعدئذ حصل انقلاب كامل لدى الرجل وأصبح شخصاًً آخر، فالكوارث أو المحن تصنع الرجال على ما يبدو، وبوش لم يصبح رئيساً فعلياً لأميركا إلا بعد 11 سبتمبر، بل وأصبح يحلم بأن يرقى إلى مستوى الرؤساء العظام في التاريخ الأميركي: أي إلى مستوى ابراهام لنكولن، وودرو ويلسون، وجون كندي، وبالطبع ريغان.

لذلك، وبعد مرور عام كامل على 11 سبتمبر، ألقى جورج دبليو بوش خطاباً مهماً، ثم اصدر وثيقة باسم «استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة». في الواقع ان الخطاب سبق الوثيقة ببضعة أشهر، لكنه بلور خطوطها العريضة، وهي تقوم على ثلاثة أفكار أساسية: العمل الوقائي، تغيير الأنظمة، الهيمنة الأميركية على العالم.

نلاحظ ان الكتاب كله يدور حول شرح هذه النقاط الثلاث بعد صفحات عديدة مخصصة للحالة العراقية، في الواقع ان هيكلية الكتاب واضحة جداً وربما كان من الافضل أن نستعرضها قبل أن ندخل أكثر في صلب الموضوع، فبعد المقدمة العامة للطبعة الفرنسية يجيء فصل بعنوان «صدام حسين. الطغيان والعدوان وأسلحة الدمار الشامل». وبعده يجيء فصل ثلاثي الأبعاد بعنوان «الرد الأميركي على التحدي»، وهو يتفرع إلى ثلاثة فروع: رد تيار الواقعية الضيقة أو القصيرة النظر (أي بوش الأول أو الأب)، رد الليبرالية السخيفة (أي كلينتون)، الرد الأممي الذي يعبّر عن جوهر أميركا (أي بوش الثاني أو بوش الابن).

ثم يلي ذلك مباشرة فصل بعنوان «رسالة أميركا أو مهمتها»، وهو يتفرع ايضا إلى ثلاثة فروع: 1 ـ من سياسة الردع إلى سياسة الحرب الوقائية، 2 ـ من سياسة الاحتواء إلى سياسة تغيير الأنظمة، 3 ـ من سياسة الضعف إلى سياسة الهيمنة المعلنة على العالم.. ثم ينتهي الكتاب بخاتمة قصيرة.

ونلاحظ ان الكتاب يتخذ طابع «المانيفست» من حيث زخمه الفكري وقوة لهجته وتصميمه، وهدفه توضيح «عقيدة بوش» للعالم، وهي العقيدة التي تضمنتها الوثيقة الشهيرة باسم استراتيجية الأمن القومي التي ذكرناها آنفاً. ولا يمكن أن نفهم السياسة الحالية لأميركا إن لم نطلع على هذه الوثيقة المشكَّلة من ثلاثة محاور، المحور الأول يتعلق بالحرب الوقائية، وقد تم تطبيقها على العراق كمرحلة أولى، ماذا يعني ذلك؟، انه يعني ما يلي، وبحسب النص الحرفي للوثيقة: «إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأهداف الحقيقية للدول المارقة والإرهابيين، فإن الولايات المتحدة لا يمكنها بعد اليوم أن تنتظر حتى تُضرب لكي تدافع عن نفسها كما كانت تفعل في الماضي»، بمعنى آخر، فإنها لا تريد أن تتكرر مأساة 11 سبتمبر مرة أخرى، وبالتالي فإنها سوف ترصد الأخطار المحيطة بها، ثم تحاول تحييدها الواحد بعد الآخر، وهذا ما فعلته في العراق أخيراً، لكن قد تنتقل إلى دول أخرى لاحقاً. وأهم هذه الدول، ليس سورية ولا حتى إيران، وإنما الباكستان!. وقد بذلت أميركا جهوداً استخبارية ضخمة في السنتين الأخيرتين من أجل تفكيك شبكة «القاعدة» على أراضيها وفي العالم اجمع، وساعدتها على ذلك أجهزة الاستخبارات الأوروبية إلى حد كبير، بالاضافة إلى دول صديقة عديدة ومن بينها دول عربية.

وفي رأي زعيم المحافظين الجدد من الناحية الفكرية ويليام كريستول، فإن سياسة الاحتواء أو الحجز التي كانت متبعة سابقاً لم تعد كافية، وإنما ينبغي أن تلجأ أميركا إلى الضرب المسبق إذا ما كان ذلك ضرورياً، وقد نجحت نجاحاً باهراً في افغانستان والعراق، فلماذا لا تنجح في أماكن أخرى؟.

وهنا نلاحظ أنه يشنّ هجوماً عنيفاً على التيارين الليبرالي واليساري في أميركا، ويقول بما معناه: لو بقي كلينتون في السلطة لما حصل أي تغيير في العراق أو افغانستان، فالرجل جبان من الناحية العسكرية والسياسية ولا يجرؤ على اتخاذ القرار الصعب في الوقت المناسب. وأما بوش الأب، فكان «وقحاً» في واقعيته لأنه ترك الثوار العراقيين يُسحقون بالدم وهو يتفرج عليهم بعد أن كان قد حرضهم على التمرد!.. وهذا شيء لا يمكن أن يفعله جورج بوش الابن بحسب رأي ويليام كريستول، لماذا؟، لأنه رجل قوي ويمثل جوهر الروح الأميركية التي لا تنام على الضيم.. وبالتالي فمن حسن حظ أميركا، انه كان على رأسها رجل مثله عندما حصلت كارثة 11 سبتمبر، وليس بيل كلينتون.. نلاحظ ان المؤلف يصفّي حساباته هنا مع العهد السابق بكل تشفّ وشماتة، إن لم نقل أكثر من ذلك..

أما المحور الثاني في عقيدة بوش السارية المفعول حالياً، فيتمثل في الانتقال من سياسة الاحتواء إلى سياسة التدخل المباشر وتغيير الأنظمة الاستبدادية المارقة بالقوة.

من المعلوم أن سياسة الاحتواء كانت قد اتبعت طيلة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي حتى جاء ريغان واتبع سياسة أكثر هجومية، نقول ذلك ونحن نعرف أنه هو الذي استخدم مصطلح «امبراطورية الشر»، الذي استعاره بوش الابن في ما بعد وطبقه على دول محور الشر. ويقول الخبراء ان سياسة ريغان الهجومية هي التي أدت إلى اسقاط الاتحاد السوفياتي أخيراً، وبوش الابن يعتبر نفسه تلميذاً لريغان لا لأبيه.

ثم اتبع كلينتون سياسة الاحتواء المزدوج ضد العراق وإيران لسنوات عديدة، لكن بوش قطع مع هذه السياسة وقال: لا يمكن حماية أميركا والعالم الحر من الأخطار إلا إذا اتبعنا سياسة هجومية تمحق الأعداء محقاً، حتى قبل أن يُتاح لهم الوقت الكافي لكي يتحركوا..

لكن هناك سبباً أخلاقياً لاتباع مثل هذه السياسة، فأميركا لا يمكن أن تكون وفيّة لمبادئها وحضارتها إن لم تدافع عن المظلومين والمضطهدين، وإن لم تواجه الأشرار بكل حزم. ومن بين هؤلاء الأشرار الذين لا يفهمون إلا لغة القوة، شخصان أساسيان: بن لادن، وصدام. هذا هو جوهر كلام «كريستول»، لكنه ينسى بالطبع آرييل شارون، الذي يهدد السلام العالمي في فلسطين!.

وبالتالي فإن من مسؤولية أميركا حماية الشعب العراقي وبقية الشعوب العربية والإسلامية من بطش هؤلاء، وإلا فإن أميركا تكون قد خانت مبادئها الأساسية، وبالتالي فالمسألة هي مسألة واجب أخلاقي قبل أن تكون مسألة مصالح شخصية أو دفاع عن الذات.

ثم يهاجم ويليام كريستول بعض المثقفين الأميركيين الذين يشكّكون بإمكانية تصدير الديمقراطية إلى الشعوب الأخرى، ومن بينها الشعوب الإسلامية. وهم يهاجمون سياسة بوش ويحذرون من مخاطرها ويقولون: علينا ألا نتدخل كثيراً في شؤون الدول الأخرى.. وبوش شخص مغامر قد يؤدي بنا ـ وبالعالم ـ إلى ما لا تُحمد عقباه..

لكن المؤلف يرى في هذا الموقف نوعاً من الاستقالة الأخلاقية والسياسية لأميركا، وهذا لا يليق بها، فجميع الشعوب تطمح إلى الحرية ولا يمكن استثناء الشعوب الإسلامية منها. ويقول ان هؤلاء المثقفين أنفسهم كانوا يصرحون في فترة سابقة بأن شعوب أميركا اللاتينية ليست مستعدة لممارسة الديمقراطية، وبالتالي فلا يحق لأميركا أن تجبرها على ذلك، ثم تغيرت الظروف وأصبحت الأنظمة هناك كلها ديمقراطية وقائمة على الانتخابات الحرة. وبعد سقوط الشيوعية، انتشرت الديمقراطية في كل أرجاء أوروبا الوسطى والشرقية. والآن بعد أن لم تبق في العالم أي منطقة خارج الديمقراطية إلا منطقة العالم العربي والإسلامي، نجد هؤلاء المثقفين أنفسهم يقولون: حذار! لا تصدروا الديمقراطية إلى هناك لأن العالم الإسلامي في جوهره مضاد للديمقراطية!.

ثم يستطرد ويليام كريستول قائلاً: ولكن هذا الكلام غير صحيح على الاطلاق بدليل ان الديمقراطية حققت تقدماً ملموساً في العالم الاسلامي غير العربي كتركيا وايران واندونيسيا مثلاً. وحتى في العالم العربي حصل بعض التقدم في المغرب والبحرين وقطر.. وكان الرئيس بوش قد صرح قائلاً في الأول من يونيو (حزيران) عام 2002: «ان شعوب الأمم الاسلامية تريد نفس الحريات التي تريدها الشعوب الاخرى وتحلم بنفس الامكانيات. وهي تستحق الحياة الكريمة مثل غيرها. وينبغي على حكوماتها ان تهتم بمشاعرها وآمالها».

ما هي أسباب انتشار الديمقراطية في شتى انحاء العالم ما عدا العالم العربي؟ على هذا السؤال يجيب المؤلف قائلاً: هناك عدة أسباب او تفسيرات مقترحة. البعض يعتقد بأن الثقافة التقليدية السائدة في العالم العربي تحول دون الديمقراطية. فهذه الثقافة تدخل في صراع مكشوف مع الحداثة وقيمها الاساسية: كقيمة التسامح الديني، والتعددية الفكرية والمذهبية، والعلمانية. والبعض الآخر يعتقد ان السبب يعود الى ارتفاع نسبة الأمية في البلدان العربية بشكل مخيف. وهناك من يقولون بأن الفقر هو السبب، والنظام الديمقراطي بدون دعامة اقتصادية متينة لا يمكن ان يصمد. والبعض الآخر يحتجون بضعف المجتمع المدني وعدم وجود تراث ديمقراطي أو ثقافة معارضة في تاريخ العرب. فالرأي الواحد، أو المذهب الواحد، كان دائماً هو السائد منذ عهد الامويين وحتى اليوم. وليس من السهل ان تزرع فكرة جديدة في أرض غريبة عليها تماماً.

كل هذا قد يجوز، بل هو جائز حتماً. ولكن حتى شعوب أوروبا المتقدمة كانت في يوم من الايام خاضعة لاستبداد المذهب الواحد والحزب الواحد والقائد الاوحد ثم تخلصت من كل ذلك فيما بعد واصبحت تعددية، ديمقراطية، حرة. وآخر مثال على ذلك اسبانيا في عهد فرانكو، والبرتغال في عهد سالازار.

فما الذي منع الشعوب العربية من التوصل الى الحرية وذوق طعمها يوماً ما. والسؤال المطروح بعدئذ هو التالي: لماذا تصر اميركا وبمثل هذا الالحاح على تصدير الديمقراطية الى العالم العربي؟ هل لها مصلحة شخصية في ذلك؟ وجواب المؤلف هو: نعم. فالانظمة الديمقراطية، أو المنفتحة والحرة، نادراً ما تلجأ الى اساليب الحرب والارهاب من اجل حل مشاكلها، وبما ان اميركا اكتوت بنار الارهاب يوم (11) سبتمبر فإنها لا ترغب في ان تدفع الثمن مرة اخرى. ولذلك فهي تدعو الانظمة العربية الى الانفتاح الفكري، وتغيير برامج التعليم الديني، والقبول بافكار التسامح والتعددية المذهبية وقيم الحداثة الاخرى.

فلو ان الشعب العراقي استشير في الأمر هل كان سيدخل في حرب جهنمية مع ايران بدون اي حاجة ملحة؟ وهل كان سيجتاح الكويت بعد ذلك بفترة قصيرة؟ اما كان سيعد الى العشرة اكثر من مرة قبل ان يدخل في مغامرات خطرة كهذه؟ ولكن بما ان مسألة الحرب والسلم، اي الحياة والموت، كانت موجودة في يد شخص واحد فإن المصيبة وقعت وتكررت وأدت الى خراب البلاد والعباد. وهذا ما عبر عنه الفيلسوف ايمانويل كانط عندما قال بأن النظام الاستبدادي ميال بطبعه الى الانخراط في المغامرات المجرمة والخطرة لأن الشعب وحده هو الذي يدفع الثمن. أما رئيس الدولة وعائلته وجماعته فلا يصيبهم أي أذى! ولكن في النظام الديمقراطي الذي سيستشير مؤسسات الشعب قبل اتخاذ قرار مصيري كهذا نلاحظ ان ممثلي الشعب يناقشون الموضوع طويلاً قبل ان يحسموا القرار. وهم عادة يحاولون كل الوسائل الاخرى قبل ان يجربوا خيار الحرب كحل اخير. لماذا؟ لأنهم يعرفون انهم جميعاً سيدفعون الثمن. فالحرب دمار ورعب ومجازر.

بهذا المعنى فإن الانظمة الديمقراطية هي وحدها التي تفهم لغة الحوار وتمارسها وتنأى بقدر الامكان عن لغة التهديد والوعيد والارهاب: اي لغة بن لادن وصدام وأشكالهما..

ثم يضيف ويليام كريستول قائلاً: ولهذا السبب فإن اميركا ترغب في انتشار الديمقراطية في شتى انحاء العالم الاسلامي والعربي لأن الديمقراطية هي السد المنيع ضد الاصوليات المتطرفة والعقليات المستبدة. والعالم العربي سوف يتخلى عن اللغة العنترية والديماغوجية التي تسيطر عليه منذ سنوات طويلة بمجرد ان ينفتح فكرياً وسياسياً ويدخل في العصر الديمقراطي.

واخيراً يحاول المؤلف ان يقنعنا بأن الهيمنة الاميركية على العالم هي الضمانة الوحيدة لحفظ السلام والأمن في هذا العالم بالذات. فالقوى الاخرى الموجودة ـ اي الأمم المتحدة، او اوروبا، أو الصين ـ عاجزة عن تحقيق ذلك لأسباب مختلفة. وقد أثبتت الأزمة العراقية ذلك بكل وضوح. واما الفرنسيون فيحسدون اميركا ومصابون بعقدة النقص تجاهها. ولكنهم يعرفون في نهاية المطاف بأن هيمنة اميركا على العالم شيء ينفعهم ولا يضرهم.. ويختتم المؤلف كلامه قائلاً: لقد ابتدأ طريقنا من بغداد، ولكنه لن يتوقف هناك. فاميركا لا تستطيع ان تتخلى عن مسؤوليتها في تشكيل نظام عالمي متين وجدير بهذا الاسم. وتقع على كاهلها مسؤولية تحييد كل قوى الشر والارهاب في اي مكان في العالم.