أزمة حكومة بلير بسبب الحرب على العراق في كتاب بريطاني

كلير شورت : رئيس الوزراء البريطاني لم يكن يثق بوزرائه أو برلمانه أو بلده.. وما بعد الحرب كابوس حقيقي

TT

بعد قراءتها لكتاب صحيفة «الغارديان» اللندنية «الحرب التي لم نستطع وقفها: القصة الحقيقية لمعركة العراق»، عاودت كلير شورت وهي عضو البرلمان لمنطقة برمنغهام ووزيرة سابقة لشؤون التنمية العالمية مهاجمتها لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير حول مشاركة بريطانيا للولايات المتحدة الامريكية في حربها ضد العراق.

والكتاب هو من تأليف مجموعة من الصحافيين اصدرته جريدة الغارديان، التي تقول عنه بأن السعي لتأليف كتاب سريع يسجل تاريخ معركة لم ينقشع غبارها بعد لهو امر محفوف بالخطر وقد يدعو الى خيبة امل. والكتاب يشتمل على ما لمسه صحافيو الغارديان، في السعي وراء الحرب، ثم ادارة الحرب نفسها. كذلك يعرض قصة الحرب في الفترة التي سبقت الازمة وهي القصة الرسمية السائدة، غير ان هناك معلومات تثير الشك في هذه القصة. يبدأ الكتاب بتداعيات حرب الخليج لعام 1991ويوضح الاعلان الصريح الذي عبر عنه محافظو بوش الجدد لاطاحة صدام وذلك قبل وصولهم الى الادارة الجديدة بوقت طويل. والكتاب ايضا يعيد الرواية التي وردت في كتاب «حرب بوش» للصحافي الامريكي وود ورد المرتبط اسمه دائما بفضيحة ووترغيت والذي يقول فيه ان صقور الادارة الامريكية اندفعوا للقيام بعمل عسكري ضد العراق حالا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) رغم عدم وجود علاقة بين العراق وشبكة القاعدة التي يقودها اسامة بن لادن.

وما هو مثير في هذا الكتاب ان مجموعة مؤلفيه يخبروننا بأنه حينما زار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الرئيس الامريكي بوش في كامب ديفيد في سبتمبر (ايلول) 2002 «شكيا من كيفية تغير العالم» وكانت تلك الشكوى قبل عام على مناقشة بوش ومستشاريه في السياسة الخارجية الخطط الرامية الى تشديد الحصار على العراق. وفي حينها قال بوش ان الحرب ضد صدام لم تكن ضمن اولوياته كما هي الآن. ويشير الكتاب الى انه قبل عام على ذلك اخبر توني بلير الرئيس الامريكي بأنه يرى نفسه الشخص الوحيد الذي زاد من ضغطه على العراق. وفي رأي بلير ان التدخل العسكري في العراق لا ينفصل في حقيقة الامر في اهميته عن موضوع التدخل في كوسوفو.

وتعلق عضو البرلمان البريطاني كلير شورت بقولها بأن هذه المعلومات لم يكن من الممكن الحصول عليها الا من مصادر مقربة جدا لتوني بلير الامر الذي ساعد في التأكيد على «قناعتي المتزايدة بأن توني بلير كان قد اعلن موضوع الحرب في سبتمبر (ايلول) عام 2002 ان لم يكن قبل ذلك. ثم انه وجد دوره في دعم الولايات المتحدة لتشكيل تحالف مساند، بالضبط مثلما فعل في افغانستان. وهكذا فان التحليلات التي كنت اقوم بها والآخرون لمنع بلير من الاستمرار مع خطط بوش كانت خاطئة منذ البداية».

وتستنتج كلير بأن كل تلك المسألة كانت مجرد لعبة بلير الكبرى والخدعة التي ستليها. بعد ذلك تتساءل لماذا اوقفت اعمال التفتيش واستمر الحصار لمدة اثنتي عشرة سنة فيما كانت هناك دلائل تشير الى ان صدام حسين كان مستمرا في تجاربه على تطوير الاسلحة البيولوجية والكيمياوية والاسلحة البالاستية لما وراء النطاق المسموح به. فبعد اثنتي عشرة سنة انبرت مسألة التهديد الوشيك من قضية تطوير علاقات مع شبكة القاعدة لتتم هندسة الحرب لكي تبدأ في الربيع بحجة انه لم يعد هناك متسع من الوقت للتلويح والتهديد باستعمال القوة لتسوية المسألة من دون اضافة مزيد من الآلام لشعب العراق.

ولمنح هذه الخطة قرارا ثانيا كان يمثل لعبة خطيرة، وكان لموضوع السماح لهانز بليكس، رئيس مفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة مدة اطول لاتمام عمله ـ وهو الذي قام بتدمير اكثر من ستين صاروخا بالاستيا ـ يتعارض مع الموعد المحدد المتفق عليه لشن الحرب. لذلك ـ تقول كلير شورت ـ فقد خدعنا باعتقادنا ما قالته فرنسا بأنها ستستخدم حق الفيتو ضد قرار ثان. وتؤكد شورت بأن الحط من قدر فرنسا وتشويه موقعها كان بمثابة ورقة التوت لاخفاء اصدار قرار ثان «واخشى انني صدقت رئيس الوزراء عندما اخذ يلقي هذه الحكاية عن موقع فرنسا فوق رأسي».

وبشكل يدعو الى التناقض يعرض الكتاب ما قصده بلير والآخرون الى تقديم الاستقالة اذا ما اخفقوا في تأمين اكثرية كافية في مجلس العموم. ولغرض اضفاء صفة رسمية على ذلك كان ينبغي التصويت مع الحكومة وكانت المشكلة الوحيدة هي السيطرة على تمرد العماليين. من الطبيعي انه امر لا يمكن تصديقه حينما كانت الحرب على وشك ان تبدأ ما كان يمكن ان يقود بلير الوزارة الى الاستقالة اذا ما صوت اغلبية نواب حزبه ضد الحكومة. ومن المؤكد ان هذه البطولات المخادعة اصبحت قصصها ملفقة بعد سقوط بغداد، كما تقول شورت «وما يفاجئني ان هناك صحافيين مهمين ـ تقصد صحافيي الغارديان ـ ما زالوا راغبين في اعتماد وتصديق مثل هذا الهراء».

ويعرض الكتاب ايضا موضوع ادارة الحرب والجو السائد في العراق اثناء الازمة ويشير الى انه بعد بدء عمليات المقاومة في البصرة اصبحت التكتيكات العسكرية اكثر عنفا، غير ان الكتاب لا يشير الى حجم الاصابات التي تبدو بأنها اكبر بكثير مما كان متوقعا.

وفي تعليقها على الكتاب ومجمل موضوع الحرب تقول شورت «ان قصة ذهابنا الى الحرب هي قصة مؤسفة جدا بعدما اتضحت حقيقة تعهدات بلير بالنسبة للحرب وموقف فرنسا منها. اضافة الى ان الخدعة التي استخدمت في اسلوب الحرب توضح الملل والبطء في التحضيرات لحالة ما بعد الحرب. وما نراه اليوم من فوضى ونهب يمثلان كابوسا على شعب العراق».

ثم تتساءل شورت، لم فعل بلير ذلك؟ وترى بأن هناك مواضع جديرة بالاحترام بالنسبة لبلير وبريطانيا في الاتفاق مع الولايات المتحدة على موضوع تحدي صدام للامم المتحدة والمعاناة التي يسببها الحصار وكيفية التعامل معها. وتقترح بأنه كان على بريطانيا اقناع الولايات المتحدة بأن سياسة الاحتواء والحصار يمكن ان لا تستمر، ولكن ينبغي تهيئة الظروف للتعامل معهما. وترى بأنه كان اولا اعلان خارطة الطريق والالتزام بتحقيق العدالة في الشرق الاوسط وقرار من الامم المتحدة في نزع اسلحة العراق اي تفويض قوة من الامم المتحدة بنزع سلاح العراق واتهام صدام حسين كمجرم حرب وفي نفس الوقت رفع الحصار وانفتاح العراق على العالم. وكان بالامكان ايضا مطالبة الامم المتحدة بتفويضها استخدام القوة لاعتقال صدام حسين.

وتستدرك شورت كلير بقولها ان مثل هذه الاستراتيجيات ربما لا يكتب لها النجاح دائما، ولكن ينبغي تجريبها. وعوضا عن ذلك «يبدو ان رئيس الوزراء وافق ومنذ زمن بعيد على الدخول الى الحرب ربيع 2003، بيد انه لم يكن يثق بوزرائه او برلمانه او بلده بما يكفي لكي يشرح لنا التعهدات التي التزم بها باسمنا».