ظواهر في كتب

حسونة المصباحي

TT

* المجازر الجماعية عند ثلاثة كتاب

* كاتبة من كرواتيا: ولدت فيدرانا رودان عام 1949، وعملت صحافية لسنوات طويلة، وخلال السنة الماضية، اصدرت رواية عن الحرب الأهلية التي دارت رحاها في ما كان يسمى بيوغوسلافيا، اثارت اعجاب القراء والنقاد على حد السواء، وظلت لأشهر طويلة على قائمة أفضل الكتب مبيعا في كرواتيا. وفي هذه الرواية التي حملت عنوان «الأذن، الحنجرة، السكين» يمتزج المأساوي بالفكاهي تماما مثلما هو الحال في افلام اليوغوسلافي أمير كوستاريكا. وثمة عناية بتفاصيل الحياة اليومية على طريقة جويس أو هنري ميللر. والبطلة امرأة في الخمسين من عمرها تقضي جل اوقاتها جالسة امام التلفزيون، متنقلة من محطة الى أخرى، وهي لا تريد ان تحتفظ بزوجها، بل هي ترغب في التخلص منه في اقرب فرصة ممكنة، حتى العشيق لا ترغب في الاحتفاظ به لأن الرجال اصبحوا «جوفا» و«يابسين»، ثم ان الحياة فقدت رونقها وباتت باهتة، فارغة لا شيء فيها يثير أو يلفت الانتباه. ويقول النقاد ان فيدرانا تمكنت من ان تصور الشر الذي تفرزه الحرب. وأحد هؤلاء كتب بشأن هذه الرواية يقول: «في بدايات القرن الماضي، كتب الالماني ارنست تولر مسرحية عن جندي يعود من الحرب وهو في صحة جيدة ظاهريا غير ان الحقيقة انه كان قد اصبح عاجزا جنسيا. وتبدو جل شخصيات رواية «الأذن، الحنجرة، السكين» شبيهة بهذا الجندي. فلا احد منها يخرج من الحرب وهو في صحة جيدة، فحتى لو ان الجسد ظل سليما، فإن الروح تصبح مريضة لانها لامست الموت، وعاشت الرعب الاسود المنجرّ عنه».

* تاريخ إسبانيا من خلال روائي شاب: ولد الروائي فرانسيسكو كازافيلا في مدينة برشلونة عام 1963، وقد اصدر روايته الاولى عام 1990، وتحمل روايته الاخيرة عنوان: «الألعاب القاسية»، وهي تروي احداثا من تاريخ اسبانيا الحديث وذلك على مدى ثلاثين عاما مركزة بالخصوص على السنوات الاخيرة من حكم الجنرال فرانكو. بطل الرواية يدعى فارناندو ايتانزا يتذكر اهم يوم في حياته، يوم 15 اغسطس (آب) 1971، وهو يسميه يوم «فاوتسي»، وهو يعتبر ان ذلك اليوم الذي بلغ فيه سن الثالثة عشرة هو الذي حدّد رؤيته للوجود وللحياة. ففي ذلك اليوم، قرر فارناندو ان يصحب صديقه بيبيتو الكسيح في جولة عبر احياء برشلونة الفقيرة تحت المطر. وكان هدفهما البحث عن شخص يدعى فاوتسي مشهور في الاحياء الشعبية بمغامراته وبطولاته في مجال «الفتوة» وذلك لابلاغه بأن «فتوات» آخرين يبحثون عنه للانتقام منه لأنه اغتصب فتاة صغيرة ثم قتلها حسب زعمهم. وها نحن نتبعها عبر برشلونة الفقيرة والقذرة، لنكتشف عوالم اللصوص والمجرمين والمهربين والمنسيين والمهمشين. وفي ذلك اليوم الطويل يكتشف المراهق فارناندو عالم الجنس، والخوف، والسحر، والكذب، واللذة، والجريمة.

* الكاتب الأفريقي ومجازر رواندا: في صحيفة «لوموند» الفرنسية (الاربعاء 15 يناير/كانون الثاني 2003) كتب باتريس نغانانغ، وهو كاتب، واستاذ للأدب الالماني والفرنسي في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة، مقالاً مهماً طالب فيه الكاتب الافريقي بأن يتحمل مسؤولياته كاملة ازاء ما حدث ويحدث من مجازر ومن صراعات وفتن في القارة السمراء. وقال إن المذابح التي عاشتها رواندا اواسط التسعينات لا بد ان تكون محرضة على التفكير في المستقبل لتجنيب الشعوب الافريقية مزيدا من الآلام والمصائب. وكتب يقول في هذا الشأن: «اعتقد انه ليس بإمكاننا ان نتحرك، وان نكتب وان نتخيل دون ان نستحضر اليوم وفي كل وقت ما حدث في رواندا، ذلك انه ليس هناك بلد افريقي واحد يمكن ان يفاخر بأنه لم يعرف مجازر جماعية، لذا علينا ان نكون يقظين قبل ان تفاجئنا مأساة كتلك التي عرفتها رواندا». واضاف قائلا: «ان رواندا هي بالنسبة للافريقي شبيهة بجميع المعسكرات النازية الرهيبة التي تم فيها حرق اعداد كبيرة من اليهود، لذا لا بد ان تظل حية في الذاكرة. ومتطرقا الى دور الكاتب امام المحن التي عرفتها وتعرفها القارة الافريقية، كتب باتريس نغانانغ يقول: «اعتقد ان الكاتب الافريقي كان «نائما» عندما وقعت تلك المجازر في رواندا وفي غير رواندا، ولم يستيقظ الا عندما شاهد العالم بأسره على شاشات التلفزيون ملايين من الناس وهم يموتون. والآن هو يحاول ان يصلح خطأه بكلمات عرجاء، وبقصائد بكائية سخيفة ذلك انه لا يعلم حتى الآن ان مجازر رواندا كانت المحطة الاخيرة للفكر الأفريقي». وختم باتريس نغانانغ مقاله قائلا: «هناك ضرورة ملحة امام هذه الفواجع والمجازر لتأسيس كتابة تكون في شوارعنا، وفي بيوتنا، وفي دروسنا، وفي حياتنا، وفي علاقاتنا مع اصدقائنا ومع اخواننا ومع حيواناتنا ومع الطبيعة ومع الكون برمته جد مدركة للرائحة الملحة والبسيطة للحياة».