لغة الحق ولغة القانون في ندوة مغربية

TT

عرفت الأيام الدراسية التي نظمها أخيرا معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط جدلا واسعا حول علاقة اللغة بالقانون والاشكالات التي بدأت تثيرها في العشريات الأخيرة والتي تحددت في مجالين; مجال القانونيات اللغوية DROIT LINGUISTIQUE الذي يهتم بوضع اللغة القانوني والتشريعي وبضوابط استعمال اللغات وتوظيفها في التعليم والإدارة والعدل والاعلام، ومجال اللغويات القانونية JURILINGUISTIQUE الذي يعنى بقضايا تعدد اللغات والترجمة، وضبط المصطلحات في الميادين القانونية والحقوقية. كما خرجت هذه الأيام الدراسية، التي توزعت على سبع جلسات ومائدة تركيبية شارك فيها باحثون وخبراء لغويون وقانونيون مغاربة وأجانب، بمجموعة من التوصيات منها: العمل على تكريس رسمية اللغة العربية في مجال التشريع أو في النشاط الإداري، كما هو الشأن في مجال القضاء، والنهوض بالدراسات والأبحاث المتعلقة بمجال اللغويات القانونية بإحداث هذا التخصص بالمؤسسات الجامعية والبحثية بالمغرب، ووضع معجم مفاهيمي رسمي للغة ومصطلحات النصوص القانونية في التشريع المغربي، واصلاح اللغة العربية في مناهجها التربوية والبيداغوجية وادراتها التقنية والحاسوبية ونصوصها ومصطلحاتها حتي تصبح لغة العلم والمعرفة والتنوير والاختلاف، وتبني تعدد لغوي يعتمد الاغناء والإثراء وحق توفير الاختيار الثاني للغة الأجنبية.

وقد شكلت المائدة المستديرة التي نظمت في ختام هذه الأيام الدراسية بإدارة عبد القادر الفاسي الفهري مدير معهد الدراسات والابحاث للتعريب، ومشاركة كل من: محمد القبلي، محمد العربي المساري، عبد الصمد بلكبير، عبد الجليل ناظم، محمد بورمضان ومحمد حفيظ من المغرب، وجوزيف توري من الاكاديمية الدولية للقانون اللغوي بكندا، شكلت محطة أساسية لتبادل الأفكار والمقاربات في قضايا اللغة، إذ قدم فيها المشاركون مجموعة من التصورات كل من زاوية اختصاصه، لأن العلاقة بين اللغة والقانون يمكن النظر اليها من زوايا معرفية مختلفة إذ هي علاقة تثير اللغوي والتاريخي والحقوقي والقاضي والمحامي والاعلامي والمتخصص في الفلسفة ورجل التعليم والمترجم... الخ.

وفي الجانب التاريخي قدم الباحث المغربي محمد القبلي عرضا تحليليا لمجموعة من العناصر اللغوية الاجتماعية والثقافية لمجتمع المغرب الاقصى في الفترة الممتدة من القرن الثامن الى القرن الخامس عشر الميلادي، منطلقا من مفهومي الحق والقانون اللذين ارتبطا آنذاك بما هو ديني وشرعي. وأوضح القبلي، في هذا الصدد، ان الاستعمال الرسمي الغالب للغة العربية في مجال الحقوق لم يصاحبه اقصاء للغات الاخرى، إذ أن الدارجة والامازيغية كانتا حاضرتين في ممارسة الحق والقانون، بالنظر الى الاستشهادات وحضور المفردات الامازيغية في نصوص التشريع والفقه. وأشار أن كلا من العربية الفصيحة والدارجة والامازيغية كانت لها وظيفة في المجتمع المغربي، وكانت تتعايش في علاقات اندماج واستبدال وتوزيع نفعي، في اطار حضاري مشترك. فإذا كانت اللغة العربية هي لغة التاريخ الذي بدأ بدخول الاسلام، بالنسبة للمؤرخين المغاربة، فان اللغات الدارجة والامازيغية هي لغات للذاكرة التي امتد زمنها الى ما قبل دخول الاسلام بما تعبر عنه من تراث وفلكلور وأهازيج، وأساطير... الخ. وإذا كانت اللغة العربية هي لغة الدولة، بمفهومها المركزي، ولغة الدين والاشعاع، فإن هذا الوضع الرسمي للغة العربية لم يحدث معه إقصاء للامازيغية، التي تم اعتمادها الى جانب اللغة العربية في نشر الدعوة. وبالنسبة لاتساع استعمال اللغة العربية في الاوساط المغربية، رأى القبلي أن ذلك راجع الى استقدام القبائل العربية الهلالية والمعقلية التي استقرت في غرب المغرب وجنوبه، مما أحدث تغييرا كبيرا في البنية السكانية للمغرب. وفي ختام مداخلته دعا القبلي إلى أخذ العناصر التاريخية المذكرة بعين الاعتبار في معالجة الوضع اللغوي بالمغرب، مما يستوجب مراجعة عدد من المواقف تجاه القضية اللغوية، وخاصة تضخيمها.

ومن جهته أثار الباحث عبد الصمد بلكبير في عرضه، الجذورالتاريخية للمشكلة اللغوية وخصوصا وضع اللغة العربية الفصيحة خلال ما يسمى بعصر الانحطاط، وأوضح أن اللغة العربية في تلك المرحلة كانت في طريقها الى التطور من خلال استيعاب مكونات لغوية أخرى، لكن مع اضطرار الامة الى الحفاظ على كيانها، تم الرجوع الى اللغة العربية الفصيحة بشكلها التقليدي المحافظ. ومع مجيء الاستعمار، تعقد المشكل، فأصبحت المحافظة مركبة، لأنها تقتضي المحافظة على اللغة وعلى الضمير الديني. وأبرز أن المسألة اللغوية تدخل أيضا قي إطار علاقة الدولة مع الخارج، وهي علاقة استراتيجية يتداخل فيها ما هو اقتصادي وسياسي مع ما هو ثقافي لغوي. وقد بين، في هذا الصدد، أن علاقتنا الحالية مع اوروبا قد افضت الى وضع اصبح معه التحديث يقرن بالفرنكفونية والهوية بالتقليدانية. وبالنسبة لحقوق اللغة، ذكر بلكبير أن للغة الحق في السلامة وفي الوصول وفي الاصلاح الذي يحافظ على اللغة، ودعا الى المزيد من الجرأة في الاصلاح اللغوي، وزكى التعريب بمفهومه الحداثي واعتماد لغة واحدة في التعليم الاساسي، والانفتاح على اللغات الاجنبية ، مع مراعاة التغييرات التي تحدث على المستوى العالمي في ظل نظام العولمة.