ليلي الشاوني: الكتاب المغربي منتوج سري لا تتداوله إلا فئة محدودة

مؤسسة ومديرة «دار نشر الفنيق» بالدار البيضاء لـ«الشرق الأوسط»: شرعنا في تجربة «كتاب الجيب» من أجل أن يكون الكتاب في متناول الجميع

TT

تعتبر «دار نشر الفنيق» بالدار البيضاء من بين أهم دور النشر المغربية التي ساهمت في اصدار العديد من الانتاجات الأدبية والفكرية والاجتماعية المغربية، والتعريف بالعديد من الأسماء الابداعية المغربية على مدى 16 سنة. وتدير الدار الباحثة ليلى الشاوني بمساعدة ثلاثة أشخاص وأقدمت الدار أخيراً بالاشتراك مع مؤسسة سوشبريس للنشر والتوزيع على تجربة اصدار كتاب الجيب بهدف التشجيع على القراءة. عن هذه التجربة الجديدة وهموم الدار الأخرى كان هذا الحور:

* متى تأسست «دار نشر الفنيق»؟

ـ تأسست الدار عام 1987 بمبادرة شخصية مني، إذ كنت أرغب في إعادة الاعتبار للكاتب المغربي، لأنه من خلال عمل سابق لي باحدى دور النشر الحزبية لاحظت أن الكاتب المغربي لم يكن يعامل بالشكل الجيد، وكنت أشعر بالغضب من كون دار النشر لا تتعاقد مع الكاتب ولا تعطيه حقوقه كاملة، ولا تطلعه حتى على مبيعات الكتاب. كما أن تلك الدار لم تكن تهتم بالمجال الابداعي بل كانت تنشر بشكل كبير مطبوعات أحد الأحزاب. وبهدف تغيير هذا الوضع غامرت وأسست دارا للنشر بامكانيات بسيطة في البداية. وقد ساعدتني في ذلك علاقاتي الشخصية مع مجموعة من الكتاب والفاعلين ثقافياً. بدأت بنشر الروايات، لكنني بعد ذلك لاحظت أن العمل الابداعي وحده لن يضمن الاستمرارية لدار نشر بالمغرب، لأننا لم نصل بعد الى مستوى دور النشر المتخصصة كما في أوروبا أو أميركا. ولهذا عملت فيما بعد رفقة بعض الأصدقاء على تنويع اصدارات الدار عبر خلق مجموعة من السلاسل التي تهتم بقضايا فكرية واجتماعية وسياسية وفلسفية وثقافية ونسائية.

* وكم صدر لحد الآن من الكتب عن «دار نشر الفنيق»؟

ـ حوالي 300 اصدار في مجالات متنوعة، منها مجموعة من الأعمال الابداعية في الرواية والقصة باللغتين العربية والفرنسية، واصدارات عامة حول النباتات والتغذية والتعليم، إضافة الى مجموعة من السلاسل التي شرعت في نشرها الدار منذ انطلاقها بمساعدة بعض الباحثين المغاربة والتي بلغت الآن عشر سلسلات، وأولاها هي: «مقاربات» التي تشرف عليها الباحثة المغربية عائشة بلعربي و«دراسات نسائية» التي أشرفت عليها لفترة الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي وتشرف عليها الآن الباحثة فاطمة الزهراء أزرويل، و«سلسلة لنكسر الصمت» و«سلسلة حوارات» التي تنشر أعمال مؤسسة عبد العزيز آل سعود للدراسات الاسلامية والعلوم الانسانية بالدارالبيضاء. ومن السلاسل الأخرى «حوارات فلسفية» التي يشرف عليها الباحثان علي بنمخلوف ومحمد الصغير جنجار، و«الاسلام والانسنة أو النزعة الانسانية» التي تشرف عليها فاطمة المرنيسي وعبدو الفيلالي الأنصاري، و«الرمزي» التي يشرف عليها عبد الحي الديوري. وهناك أيضاً «سلسلة سوداء» أصدرت من خلالها الدار مجموعة من القصص البوليسية التي تتمحور كلها حول المفتش كمال والجرائم التي يصادفها في تحقيقاته، وسلسلة «التحليل النفسي». وكلها سلسلات تتنوع وتتغير حسب مستجدات الساحة الثقافية والفكرية والاقتصادية للبلد. وكل هذه السلاسل يديرها شخص معين تعوضه طبعا دار النشر عن الخدمات التي يقوم بها كما تعوض الكاتب بنسبة معينة قبل صدور الكتاب. فهذه السلاسل هي الجذور الحقيقية لدار نشر الفنيق، لأنه لولاها لما كان للدار أن تستمر بالشكل الذي هي عليه.

* وكم تطبع الدار من نسخة عن الكتاب الواحد؟

ـ معدل طبعات الدار هو 2000 نسخة، ليس لأن الدار تبيع 2000 نسخة، ولكن إذا سحبت الدار أقل من هذا العدد فإن ثمن الكتاب سيكون مرتفعا شيئا ما. أما ثمن الكتاب فيتراوح ما بين 30 و60 درهما. لكن هناك كتباً لأسماء معينة نسحب منها 3000 نسخة، ككتب فاطمة المرنيسي ومحمد برادة وعبد القادر الشاوي. كما أن هناك كتبا أعدنا طبعها مرات كثيرة وتعد قاطرة دار النشر ومنها كتاب «الأعشاب الطبية بالمغرب» لعبد الحي السجلماسي الذي أصدرنا ست طبعات منه بالفرنسية بمعدل 29 ألف نسخة وبالعربية خمس طبعات، والآن نحن بصدد القيام بنفس الشيء مع كتاب «وصفات الجمال لنساء المغرب» لعبد الحي السجلماسي الذي ستصدر طبعته العربية قريبا.

* لماذا تعمل دار نشر الفنيق على ترجمة الأعمال الصادرة عنها؟

ـ ما نحرص عليه في دار نشر الفنيق هو الكتاب الجيد ولا فرق لدينا بين الكتاب المكتوب باللغة العربية أو باللغة الفرنسية أو اللغات الأخرى، المهم هو أن يكون كتابا متميزا يقدم معرفة معينة. وإذا كان الكتاب جيدا فنحن نعمل على ترجمته الى اللغة الأخرى، الى العربية إذا كان صادرا بالفرنسية والى الفرنسية إذا كان صادرا بالعربية أو الاسبانية، وذلك لأن الدار تتوجه الى القارئ المغربي بالأساس.

* ما هي المعايير التي تعتمد عليها الدار في اختيار الكتب؟ هل لديها لجان خاصة للقراءة؟

ـ بالنسبة للسلاسل يشرف عليها هو مدير السلسلة، والدار تعوضه عن ذلك العمل من خلال الدعم الذي تحصل عليه من الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية. أما بخصوص الاصدارات الأخرى الابداعية فلن أقول أن لدينا لجنة قارة لقراءة الأعمال، لأنه ليست لنا الامكانيات لذلك. فما نقوم به في الدار هو أننا نوزع الأعمال فيما بيننا للقراءة ثم نعطيها لقراء من خارج الدار لمعرفة رأيهم في العمل الذي يقدم لهم بدون اسم الكاتب ولا حتى العنوان. وإذا كان الكتاب جيدا فإن الاجماع عليه يحصل بشكل كبير، أما إذا كان العمل متوسطا فإن الدار تقدم نصائح في هذا الاطار للكاتب حتى يصلح ما بدا لنا غير مناسب.

* هل لدعم مصالح الكتاب بالسفارة الفرنسية دور في اهتمام الدار منذ انطلاقها بالكتاب الفرنسي؟

ـ منذ انطلاق الدار ودعم مصالح الكتاب بالسفارة الفرنسية بالمغرب موجود، ولكنني لم أكن أعلم بالأمر، ولم أعرفه إلا بعد مرور سنوات، خصوصا بعد أن قاموا بالاعلان عنه لتفادي مجموعة من المشاكل التي كانت تواجههم. فالدعم بالنسبة لدار نشر الفنيق لم يكن أبدا شرطا لاصدار الكتاب. ودعم السفارة الفرنسية الآن أصبح مثل دعم وزارة الثقافة المغربية، حيث يجب على دار النشر أن ترسل لهم الكتب لتبت فيها لجان لا يكشف عن أسماء أعضائها أبدا. الدعم الذي نحصل عليهم من هاته الجهات عامل مساعد فقط ولكنه ليس الدافع الأساسي للدار لنشر الكتب. ونحن كناشرين سبق وقلنا لوزارة الثقافة المغربية أننا نرفض الدعم بالصيغة التي وضعتها ، لأن دار النشر مهما كانت الظروف والأحوال ستطبع الكتاب الذي ترغب فيه. ما نحتاجه فعلا كناشرين، وقد أبلغناه للوزارة بذلك، هو شراء مجموعة من الكتب من دور النشر وتوزيعها على الخزانات العمومية وعلى مندوبيات وزارة الثقافة والمدارس بمختلف أرجاء المغرب، لأن ذلك هو الذي سيساعد الكتاب على الانتشار والقراءة. فالدعم بالنسبة لنا بشكله الحالي هو رقابة من نوع آخر، حيث تلزم الدار بارسال الكتاب الى وزارة الثقافة لتبث فيه لجنة لا يعلن في الغالب عن أسمائها، وإذا أعجبهم الكتاب فإنهم ساعتها سيمنحونك الدعم، ولكنك لن تحصلي عليه إلا بعد مرور سنوات وبعد اتصالات متتالية تصيب الناشر بالاحباط وتجعله يحس بالمهانة والذل.

* ألم يساعد دعم وزارة الثقافة المغربية على تشجيع الكتاب المغربي على التداول وتوسيع دائرة القراءة؟

- الكتاب المغربي كارثة عظمى، وهذا الدعم لم يزد إلا في تفاقم وضعيته. وعلى الرغم من اقتناء وزارة الثقافة لبعض النسخ من الكتب فإنها تتركها حبيسة في الصناديق ولا توزعها على الخزانات والمدارس في العالم القروي التي هي في أمس الحاجة للكتاب المغربي.

* ما هي الأسباب التي دفعت الدار للجوء الى النشر المشترك مع بعض أهم دور النشر الفرنسية؟

ـ نحاول في دار نشر الفنيق تنويع اصداراتنا حتى نستطيع الاستمرار، فإذا لم نقم بترجمات وإذا لم نبع بعض الحقوق فإننا لن نغطي تكاليف النشر والاستمرار. ففي بعض الأحيان تحضرني بشكل كبير فكرة التوقف والعدول عن هذا الميدان الذي يعد فعلا مغامرة في المغرب، ولكن غيرتي على الكتاب المغربي هي التي تجعلني دائما أتحمل الصعاب وأستمر. فالنشر المشترك الذي تلجأ اليه الدار بالخارج هو من أجل التعريف بالكتاب المغربي وتوزيعه بالخارج، لأنه على الرغم من عدم لجوء بعض الأسماء الابداعية أو الفكرية المغربية الى دور النشر بالخارج فإن كتبهم تبقى لديها قيمة مهمة، وهذا هو ما توصل له بعض الناشرين بفرنسا بشكل متأخر وهو ما جعلهم يتعاقدون معنا في اصدار مثل هاته الأعمال.

* ولماذا تلجأ الدار الى إعادة نشر بعض الأعمال المغربية الصادرة بالخارج؟

ـ أولا لأن الأثمنة التي تباع بها تلك الكتب الصادرة عن بعض دور النشر الفرنسية مرتفعة وليست في متناول القارىء المغربي، كما أن تلك الكتب جيدة ويجب تقديمها للقارىء المغربي الذي يقبل على كل ما هو جيد. لهذه الأسباب أقدمنا على شراء الحقوق من تلك الدور، وهو عمل طبيعي متداول بشكل كبير في جميع أرجاء العالم.

* أقدمت أخيرا دار الفنيق على تجربة اصدار كتاب الجيب بأثمنة مخفضة تتراوح بين 10 و20 درهما، فلماذا هذا الاختيار؟

ـ لقد أقدمت الدار على هذه التجربة بالاشتراك مع مؤسسة سوشبريس للنشر والتوزيع بالدارالبيضاء، وذلك حتى يكون للمغاربة كتاب الجيب أيضا، وحتى نساهم في الرفع من مستوى القراءة، ونجعل الكتاب في متناول أكبر شريحة اجتماعية ممكنة. وقد بدأنا هذه التجربة بكتاب أو (الحلية) لجيد دو موباسان المقرر في السنة الثانية ثانوي. وبعدها سنصدر طبعات في كتاب الجيب من كتابات ناجحة لكل من محمد برادة وعبد القادر الشاوي وفاطمة المرنيسي وكتاب آخرين. وفي كتاب الجيب سنصدر من هاته الكتب في الدفعة الأولى 5000 نسخة بثمن يتراوح بين 10 و20 درهما. والعناوين المقبلة هي رواية «امرأة النسيان» لمحمد برادة و«دليل العنفوان» لعبد القادر الشاوي و«أحلام النساء» لفاطمة المرنيسي. ومستقبلا سنعمل على تنويع اصدارات كتاب الجيب وذلك باللجوء الى الكتابات الأجنبية التي سقطت عنها الحقوق وذلك حتى تتمكن الدار من طبعها.

* انطلاقا من تجربتك في النشر ما هي برأيك الكتب التي تثير فضول القارىء المغربي؟

ـ للأسف لم نصل بعد في المغرب الى الكتاب كمتعة، فما زال الناس بالمغرب يقرأون الكتب لتضيف لهم شيئا سواء في الطبخ أو مهنة من المهن. أما الكتاب الآخر فليست لديهم امكانيات للوصول اليه.

* لماذا لا يخلق الكتاب المغربي الحدث الثقافي بالبلد كما هو الشأن لكتب أجنبية بالخارج؟

ـ الكتاب لا يخلق الحدث بالمغرب لأنه ليس هناك اهتمام بالكتاب في المغرب. فلما يصدر كتاب معين نرسله الى الصحف، ولكنها تكتب عنه بشكل سطحي، لأن الصحافيين لا يكلفون أنفسهم عناء قراءته، وذلك لأنهم ليسوا متخصصين، فهم يكتبون في كل شيء. والحقيقة فالخطأ ليس خطأهم لأنه لا يمكنهم القيام بكل شيء. فالكتاب برأيي من شأن الصحافة المتخصصة، وللأسف فهي غير موجودة بالمغرب، ولا توجد برامج تلفزيونية تعرف بالكتاب، ولا يتم الاعلان عنه حتى في نشرة الأخبار. فالكتاب بالمغرب منتوج سري وزائد لا تتداوله إلا فئة محدودة.

* كانت لك تجربة في القناة الثانية المغربية من خلال برنامج «كتاب الأسبوع»، حيث كنت تقدمين الكتاب الفرنسي وعبد القادر الشاوي الكتاب العربي. لكن هذه التجربة توقفت، فما أسباب هذا التوقف؟ وهل كان ذلك البرنامج يقدم خدمة ما لانعاش الكتاب بالمغرب؟

ـ لما شرعنا في هذا البرنامج كنا نأمل في تطوير مدته التي كانت محدد في أربع دقائق، حيث كان علينا تقديم الكتاب في تلك المدة، وهو ما كان صعبا، لأنه لم يكن في مستطاعنا تقديم الكتاب بالشكل اللائق للمشاهدين، بل تقديم انطباع عن الكتاب. وعلى الرغم من صعوبة الأمر فقد قبلنا بالأمر بهدف اطلاع المشاهدين على جديد دور النشر وجديد الكتب المغربية، وإخبارهم بأن هناك كتبا أخرى يمكن اقتناؤها لأبنائهم من غير الكتب الدراسية. وفي العام الموالي طالبنا باعطائنا عشرين دقيقة على الأقل كل أسبوع، ولكن الطلب قوبل بالرفض فقررت المغادرة، ولكنني لاحظت فيما بعد أن القناة استأنفت تقديم البرنامج بالشكل القديم بوجه جديد، ولكنه توقف في نهاية المطاف. أما مسألة مساهمة البرنامج في انعاش الكتاب فلا يمكنني الحسم فيها لأنه لم تتوفر لدي معطيات في الأمر.

=