المبدع و الجائزة

فاضل السلطاني

TT

حاول الفريد نوبل ان يتخلص من شعوره بالذنب لاختراعه الديناميت بخطيئة اخرى لا تقل فجاعة، كما يقول برنارد شو، بتخصيصه جائزة للأدب، وقد تمنى أن ينسفه بالديناميت نفسه الذي اخترعه. وقد رفض برنارد شو هذه الجائزة حين منحت له عام 1925، ليس لايمانه فقط بان الابداع لا يقيم بجائزة، وانما توافق ايضاً مع مبادئه الاشتراكية الفابية.

ومن الرافضين الاخرين جان بول سارتر تمشياً مع موقفه الوجودي. كما رفضها الروسي بوريس باسترناك لسبب مختلف بضغط من اتحاد الكتاب السوفيات آنذاك، وخلفه السلطة السوفياتية، لينفي عنه تهمة الانشقاق عن هذه السلطة، وموالاة الغرب بعد صدور روايته الشهيرة «دكتور زيفاكو» التي احدثت ما احدثت من دوي هائل خارج ما كان يسمى بـ«الستار الحديدي».

كما ان الجائزة ضلت طريقها المتعرج كثيراً، فمنحت لمن لا يستحقها، وحجبت عن كتاب ما زالوا يملأون الدنيا، ويشغلون الناس.

لقد حجبت، مثلاً، عن العملاق صاحب «الحرب والسلام» و«آنا كارنينا» ليوي تولستوي، وربما اكبر روائي في التاريخ الأدبي الى جانب بلزاك ودوستويفسكي، ومع ذلك لم ينل اعتراف الاكاديمية السويدية. ولم ينلها ايضا كتاب من طراز جيمس جويس، ودي. اتش. لورانس، وتوماس هاردي، وتيد هيوز، ولويس اراغون، وبول ايلوار، وازرا باوند... الخ. هؤلاء الكتاب الذين ما زالوا الاكثر قراءة وخصوصاً في المشهد الثقافي العالمي، بينما فاز بها كتاب انتهوا مع انتهاء أزمانهم. فمن يتذكر أو يقرأ الآن اسحاق سنجر، وباتريك وايت، وجون غالسوورثي، وعشرات آخرين.

ويبقى ان جائزة نوبل، كأي جأئزة اخرى، قد توفر شهرة لصاحبها، واعترافاً عالمياً به، كما ان «فلوسها لذيذة» كما قال مرة الجواهري. لكن كل ذلك وقتي، ينتهي مع انتهاء المناسبة، لكن تبقى الكتب الكبيرة التي ابدعها كتاب حقيقيون في توحدهم مع انفسهم، وعيونهم مصوبة نحو دواخلهم وليس للخارج، حيث الجوائز والصخب والاحتفالات. الابداع هو الجائزة الكبرى عند هؤلاء، واذا اتت نوبل أو غيرها فبها! ومن هؤلاء وليم فولكنر صاحب «الصخب والعنف» الخالدة التي فاز بها عام 1949، لكن ذلك لم يخرجه حتى من بيته. ويقال انهم سلموه الجائزة من وراء سور البيت. ومن هؤلاء ايضاً الفائز الاخير بها الجنوب افريقي جون كوتيزي الذي قارنه النقاد بجوزيف كونراد، لكننا نرى انه قريب جداً من وليم فولكنر في عالمه الكابوسي، وفي تعريته القبح في العالم وصولاً للجميل المدثور الكامن فينا وفي الواقع الذي لا نراه. وهو شبيه ايضا بفولكنر في موقفه من الجوائز، لقد كان اول من يفوز بجائزة بوكر مرتين، ومع ذلك لم يحضر اياً من المناسبتين لتسلم الجائزة. وبعد نوبل، تسلم مكالمة تليفونية تعلمه بالنبأ، واعتذر عن اي شيء آخر.

لا مقابلات ولا تصريحات، ولا ظهور علني امام الكاميرات، لا وقت لذلك. الابداع لا يسمح بذلك وهو، كما يتوقع الكثير، يرفض الذهاب الى العاصمة السويدية في مطلع السنة القادمة لتسلم الجائزة. وبين الموقفين، المتطرف والمتهالك، يبقى لهذه الجائزة رنينها واعتبارها المعنوي. لكنها قلما تثير ضجيجاً في الغرب كما عند العرب الذين كما يبدو لا يحبون كلمة مثل كلمة «العالمي»، التي قد تنطبق على كل شيء، ولكن ليس على الابداع الذي هو لا عربي ولا اعجمي انه ابداع فقط، سواء توج بجائزة ام لا، حتى لو كانت جائزة نوبل.