قوة القانون أم قانون القوة؟

مصطفى عثمان وزير خارجية السودان يكتب عن النظام العالمي الجديد

TT

صدر كتاب جديد لوزير خارجية السودان الدكتور مصطفى عثمان بعنوان: «النظام العالمي الجديد قوة القانون أم قانون القوة؟»، قدم له الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وصاحب مصنع الشفاء رجل الاعمال صلاح ادريس.

ووصف امين عام الجامعة العربية عمرو موسى المؤلف بأنه «شخصية فريدة فهو يجمع بين الشاعرية، بل الصوفية، وبين البرجماتية، كما يجمع بين رقة الحاشية واقدام الفرسان وجرأتهم، وهو ايضا يجمع بين متابعات دبلوماسية جارية ونظرة استراتيجية مستفيضة، هذا كله بالاضافة الى امانة شخصيته وصفاء نفسه واحترامه لذاته».

واعتبر عمرو موسى الكتاب عن (النظام العالمي الجديد قوة القانون أم قانون القوة) اضافة ثرية للمكتبة العربية، حيث يتناول في اسلوب علمي رصين امتزج بدراسته الاكاديمية كأستاذ ومحاضر بجامعة الخرطوم وخبرته السياسية العميقة كسياسي وكحزبي، ثم كوزير لخارجية السودان، مخاطر التصرفات الاحادية في حال غياب القانون الدولي، والتوازن الدولي على أمن واستقرار وسيادة الدول، وفي هذا السياق يقدم المؤلف نموذجا تطبيقيا وعمليا لما تعرض له مصنع الشفاء السوداني للادوية من قصف بالصواريخ، ويشير الى ان عقد التسعينات من القرن الماضي قد شهد مرحلة نهاية الحرب الباردة، وبداية التحول في بنية النظام الدولي، وان يكون احادي القطبية، وما ترتب على ذلك من تعزيز هيمنة الولايات المتحدة باعتبارها القطب الاوحد، على الاوضاع الدولية، وبخاصة بعد عاصفة الصحراء في اخراج العراق من الكويت، الامر الذي اتاح الفرصة للولايات المتحدة لاعادة صياغة ما سمته النظام العالمي الجديد، استنادا الى امتلاكها التفوق العسكري المطلق، وخلق واقع جديد يستند الى قانون القوة، وليس الى قوة القانون، واثر ذلك على النظام الدولي المتمثل بالامم المتحدة، التي لم تعد مهيأة بالصورة المناسبة لمواكبة هذه التحولات على الساحة الدولية. ويؤكد د. مصطفى عثمان في عرضه لمخاطر العمل العسكري الانفرادي على النظام الاقليمي العربي ـ حالة مصنع الشفاء ـ ان الدول العربية اصبحت تبدو الآن الاكثر عرضة للاعمال العسكرية الانفرادية لعدة اعتبارات يأتي في مقدمتها التهاب المنطقة واحتواؤها على اكبر بؤر النزاعات والحروب الى جانب وجود العديد من الخلافات النائمة التي يمكن ان تنفجر بين لحظة واخرى، اضافة الى ظاهرة الارهاب التي صدّرها الاعلام الغربي وكأنها مولود شرعي من رحم العروبة والاسلام.

كما يتحدث المؤلف عن مخاطر جديدة هي محاولة تطويع القانون الدولي لخدمة اغراض القوى الكبرى، وايجاد تفاسير جديدة للعديد من مواده ونصوصه، واستحداث مسميات تنطوي على تحايل لتجاوز الشرعية الدولية مثل الحرب الاستباقية، والضربات الاحترازية الى غير ذلك من المسميات التي تؤطر لقانون القوة، لا لقوة القانون.

اما صاحب مصنع الشفاء السوداني الذي قصف بالصواريخ الامريكية، فقد قال في التقديم: انه رغم كل الاهتمام الواضح والكبير في الغرب، وبما يشبه الصرعة، بأدب الفضائح، فإن كتابا واحدا لم يصدر عن جريمة قصف مصنع الشفاء، التي اتخذ القرار فيها رجل في ظل ضياعه وتنازع نفسه بين مسؤولياته كرئيس لاكبر دولة في العالم، وفي ظروف بالغة الجرح والحساسية، اذ واجهت تلك الدولة العظمى اكبر اهانة لها في تاريخها في ذلك الوقت، حينما تعرضت سفارتاها في نيروبي ودار السلام لهجومين ارهابيين آثمين، وبين همومه الشخصية بعد ان اغرق نفسه في وحل الفضيحة بتلك العلاقة ـ الضجة مع المتدربة بالبيت الابيض، ولم يصدر كتاب واحد عن قصف مصنع الشفاء الذي كلف الولايات المتحدة الشيء الكثير من هيبتها وسمعتها وكلفها في الاطار المادي قرابة العشرين مليونا من الدولارات تكفل بها دافع الضرائب المغلوب على امره».

ويقول المؤلف: ان الجانب الرئيسي الذي يستهدفه الكتاب هو ان مبدأ حق الدفاع عن النفس الذي كفله القانون الدولي ممثلا في ميثاق الامم المتحدة قد تم توظيفه بخبث وفي غير موضعه من خلال سابقة هوجاء لا تستند الا لشيء واحد وهو منطق القوة الاخرس الذي لا يأبه ابدا للميثاق ولا القانون الدولي والانساني. كما ان الحادثة قد اماطت اللثام عن تحكم الولايات المتحدة في مجلس الامن. والكتاب يسرد التحرك الدبلوماسي السوداني في الامم المتحدة والمنابر الدولية والاقليمية الاخرى، اضافة الى ان الولايات المتحدة استغلت ذات المبدأ في شن اعمال عدائية اخرى، وقد حاولت الولايات المتحدة ذر الرماد في العيون، وايهام الرأي العام بالقول انها مارست حقها في الدفاع عن النفس.

الا انه وبالتدقيق في الميثاق ومن خلال الاستعراض التحليلي للمادة وطريقة الاستشهاد بها من جانب الولايات المتحدة، حيث لم تكن مباشرة، بل وردت في سياق الاشارة لدور المجلس في صون السلم والامن الدوليين ايماء الى الترخيص باستخدام القوة في حالات محددة. الكتاب يتكون من ستة فصول، الفصل الاول بعنوان: التصرف الاحادي في ظل القانون الدولي، الثاني: العالم بين مبدأين، مبدأ استخدام القوة ومبدأ تسوية النزاعات بالطرق السلمية، الثالث: عرض موجز للسياسة الامريكية ومساراتها تجاه السودان، الرابع: المصنع المفترى عليه حقائق وارقام، الخامس: التحرك الدبلوماسي في المنظمات الاقليمية والدولية، السادس: النظام الاقليمي العربي ومخاطر الاعمال العسكرية الفردية عليه، اضافة الى الملاحق والوثائق والصور.