مجلة سعودية علمية للقارئ العربي غير المتخصص

«الفيصل العلمية» تعتمد الصورَ الملونةَ واللوحات والأشكال البيانية والجداول في توضيح محتوى المادة العلمية

TT

صدرت عن مركزُ الملك فيصل للبحوث والدراسات العدد الاول من مطبوعةٍ جديدةٍ تضافُ إلى الإسهامات العلمية والثقافية، التي أضطلع المركزُ القيامَ بها منذُ تأسيسه قبل 25 عاماً،وهي مجلة «الفيصل العلمية» المقرر إصدارها كلّ ثلاثة أشهر. وهي مجلةٌ معنيةٌ، كما ورد تقديمها، «بنشر الثقافة العلمية في مختلف العلوم البحتة والتطبيقية المعاصرة مع العناية بالتراث العلمي العربي، وتقديم ما يؤكد دور العرب في تطوير العلوم، وتهدف المجلة العلمية من كل ذلك إلى تقديم معلومات تُناسب القارئ العربي غير المتخصص ليقف على أنماطٍ من حركية المعرفة العلمية، وما يزدحمُ به الأفق العلميُ المعاصر من نقلاتٍ مؤثرة في مسار الإنسانية». واعتبرتْ هيئةُ التحرير أن هذه المجلة «هي هدية مؤسسة الملك فيصل الخيرية، ممثلةً في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية إلى القارئ العربي، مؤملةً أن يتقبلها القارئ العربي قبولاً حسناً وأن يعينها على الاستمرار بمتابعتها وأن يكون إيجابياً في تعامله معها من خلال النقد البناء».

جاء العددُ الأولُ من مجلة «الفيصل العلمية» مغايراً لأغلب المجلات العلمية والثقافية، من حيث الشكل والتبويب والإخراج، كما أنها قد اعتمدت بشكلٍ أساس الصورَ الملونةَ واللوحات والأشكال البيانية والجداول في توضيح محتوى المادة العلمية المطروحة، كما خلتْ من اسم رئيس التحرير والمحررين، مكتفيةً باسم الناشر «دار الفيصل الثقافية».

في أول دراسات العدد،،كتب الباحثُ أحمد البوق عن «الوحوش في الجزيرة العربية» متتبعاً تاريخ وجودها وانقراضها، مستلهماً الشعر العربي لتأكيد المؤانسة والمؤاخاة بين إنسان الجزيرة العربية ووحوشها، مستشهداً بلامية الشاعر الشنفري التي أعلن فيها عن مؤاخاته للذئاب والضباع والنمور، واتخاذهم أهلاً له دونَ أهله، فهم لا يشيعون سره ولا يخذلونه في الشدائد : همُ الأهلُ لا مستودع السرّ ذائعٌ لديهم ولا الجاني بما جرّ يُخذلُ ! كما وصف الشنفري في لاميته تلك، آليةَ الصيد لدى الذئب وصفاً دقيقاً، في أنها تسيرُ عكس الريح لئلاً تشمُ الفرائسُ رائحتها فتهرب، أما الشاعر أسماء بن خارجة، فقد ذبح ناقته ليطعم ذئباً جائعاً وعياله. كما أن الشاعر تأبط شراً لم يجد غير نعله ليطعم به الذئب الجائع. وعن انقراض الوحوش في الجزيرة العربية يُشير الباحث البوق إلى ما جنته الحياة الحديثة بحق شواهد الحياة، حينما فَقَدَ إنسان الجزيرة حكمةَ الأسلاف واستخدم ما أمدته تلك الحياة الحديثة من وسائلَ قتلٍ وتدمير متطورة، فبدأت شواهد الحياة بالانقراض، حينما غاب الأسدُ العربي من الجزيرة العربية في العقد الثاني من القرن العشرين وتلاه الفهد الصيّاد في العقد الثامن من القرن نفسه، وتحول النمر إلى أندر حيوان في العالم! وقد تضمن البحث معلومات قيمة عن الذئاب وابن آوى والثعالب والقطط وما ورد فيها من أشعار.

أما الباحث سليمان القرطاس، فقد طرح مبحثاً تفصيلياً عن أضخم قمر صناعي أوربي، وهو المعروف باسم القمر الصناعي البيئي (Envisat ) الذي حُمِل إلى الفضاء على ارتفاع 800 كيلو مترً، حينما أطلق الصاروخ الأوربي العملاق «آريان ـ 5» في 25 فبراير (شباط) 2002م وأشار الباحث إلى أن تطوير هذا القمر قد استغرق خمسُ سنوات، وبلغت ميزانيته 2.3 مليار يورو.

وتناول أمجد ناجي قاسم، التلوث الجوي، على اعتبار أنه كارثة حقيقية تهدد حياة الإنسان على الأرض، مُستعرضاً مصادر التلوث الجوي، التي قسّمها إلى قسمين: مصادر طبيعية كالبراكين والزلازل والحرائق، ومصادر صناعية، مُبيناً أثر التلوث الجوي في الإنسان من حيث إصابته بعدة أمراض خطيرة كالربو والتهابات الجهاز التنفسي والاختناق وسرطانات الجلد وغيرها، مؤكداً على أهمية تضافر جهود جميع دول العالم; المتقدم والنامي، من أجل إعادة التوازن الإيكولوجي للأرض، من خلال معالجة مشكلة تلوث الهواء الجوي.

وفي العدد نفسه، طرح الدكتور عبدالله الرواف، أستاذ الفيزياء بجامعة الملك سعود، مبحثاً مختصراً عن الوقت، مُلفتاً النظر إلى أن مفهوم الوقت الذي وضعه العالم نيوتن، في القرن السابع عشر، وهو أنه لحظاتٍ آنية متتابعة تنسابُ بشكلٍ مطلق دون أن تتأثر بأي شيء خارجي، قد ظلّ شائعاً حتى أواسط القرن التاسع عشر حينما ظهرت عدة أشياء تتناقض من الناحية النظرية والتجريبية مع بعض المبادئ الفيزيائية المعروفة في ذلك الوقت، من ذلك مبدأ نسبية الحركة، الذي فهمه نيوتن وجاليلو على أن الحركة بسرعة منتظمة تتساوى مع حالة السكون، إلى أن نشر ألبرت انشتاين نظريته المشهورة في عام 1905 التي تعرف بالنظرية النسبية الخاصة. وعن الفناء الداخلي في بيوت المدن العربية، طرح المهندس محمود زين العابدين، مبحثاً عن تاريخ الفناء الداخلي في البيوت العربية، وقد أرجعهُ إلى بداية الألف الثالث قبل الميلاد، عندما ظهر في عمارة شعوب بلاد الشام والرافدين، من حيث المركزية والانطوائية نحو الداخل. وقد اتخذ المهندس زين العابدين مدينة حلب الشهباء نموذجاً في مبحثه، من خلال جولة تاريخية في عمارة البيت العربي خلال العهد العثماني، مُشيراً إلى أن البيت العربي يتألف من ثلاثة أدوار رئيسة، هي الدور السفلي (القبو) والدور الأرضي (قسم المعيشة) والدور العلوي (قسم النوم) مُستعرضاً أهم العناصر المعمارية للبيت العربي، والتي منها: المشربيات والنوافذ والأبواب والخزانة والأسقف والأرضيات، كما تناول المهندس زين العابدين المؤثرات العامة في البيت العربي، كالعامل المناخي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، واختتم مبحثه في أن البيت العربي ذا الفناء الداخلي بات نادراً في معظم العمارة العربية الحديثة، وظلّ مكاناً للوقوف على أطلال الماضي الذي حمل بين طياته أجمل الذكريات التي مضت في فناء البيت.

وتناول الباحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات إبراهيم بن عبدالرحمن الهدلق، عبقرية الهندسة في الأفلاج العمانية، التي تُعدُ من أهم الآثار التي خلّفها العربُ الأوائل، التي بدأت من جزيرة العرب ووصلت إلى أسبانيا بعد القرن السابع الميلادي. والأفلاجُ، جمع فَلَج، من الفعل فلج، والذي يعني فَلَق وشَقّ، ومعناه القناة المائية التي لها مصدر من فجوةٍ في مكانٍ مرتفع في طبقةٍ صخريةٍ، ومنها تمتدُ قناة لمسافة أميالٍ عدة حتى تصل إلى أرض قابلة للزراعة، فإن كانت في مستوى سطح الأرض تقام قناة سطحية فإذا صادفت أرضاً مرتفعة تم مدها عن طريق حفرها بأسلوبٍ يدلُ على مهارة معمارية متقدمة، وأشار الباحث إلى نظام الري المعروف بالأفلاج قد اختفى من بلدان عربية عديدة، ولم يعد وسيلةً للري إلا في سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة.

أما الدكتور مسعد شتيوي فقد تناول وسائل طبيعية وغذائية لتحسين عمل المخ والذاكرة، مبتدئاً بقول الشاعر :

وتزعمُ أنك جُرمٌ صغيرٌ وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ مُبيناً أن للمخ أسراراً ما زالت تخفى على العلماء، فهم وإن تعلموا كيف يعمل المخ، إلا أنهم ما زالوا يجهلون السبب في تفاوت قدرات البشر في الذكاء والإبداع والمعارف والمهارات، مفرداً مبحثاً عن أهمية التمرينات الذهنية في تقوية الذاكرة وبيّن الكيفية التي من خلالها يستطيع المرء الفوزَ في بطولة العالم للألعاب الذهنية. واختتمتْ المجلةُ بحوثها المميزة، بمبحث للباحث لطف الله قاري، الذي كتبَ عن الفلك العربي بعد القرن الثاني عشر للميلاد، مُشيراً إلى أن عصور الانحطاط العربي قد شهدت ازدهاراً في علم الفلك لدى العرب والمسلمين، عارضاً لكتب الشكوك على بطليموس، والبالغة 5 كتبٍ لعلماء عرب ومسلمين، ثم عرض نظرية بطليموس، وأسهبَ في إبراز دور علماء مدرسة مراغة، وهم : العرضي (ت1266م) والطوسي (ت1274م) وابن الشاطر (ت1375م) والذين عرفوا بهذا الاسم نسبةً لمرصد مراغة، الذي أسسه العرضي والطوسي بدعمٍ من المعتدي المغولي هولاكو! يُشار إلى أن هذه المجلة هي الدورية الرابعة في منظمة الدوريات التي يصدرها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات، الذي يعمل حالياً على إصدار دورية خامسة بعنوان «الإسلام وقضايا العصر».

ويُعدُ المركز أحد أبرز المعالم الحضارية في مدينة الرياض، وهو أحد أفرع مؤسسة الملك فيصل الخيرية، التي أنشأها أبناؤه بعيد رحيله، والتي تضم أيضاً جائزة الملك فيصل العالمية.