الخوارزمي يشكو استشراء الجهل والاستعراض

د. الأعرجي يحقق «الأمثال المولدة» داعماً النص بـ(2219) هامشا

TT

قبل فترة أصدر المجمع الثقافي في أبوظبي أحد النصوص النادرة لأبي العلاء المعري هو كتابه (سقط الضوء)، واليوم يتبعه بنص تراثي ذي أثر كبير ليس في اللغة العربية وعلومها فحسب إنما في ثنايا ما يُعبَّر عنه الأدب العربي من مضامين اجتماعية ترتبط بحياة الإنسان اليومية في فن يتسم بالتركيز في المعنى، والإيجاز في عدد الكلمات، والوفرة في الايحاء والتكريس الإشاري للجملة، إي صياغة (الأمثال)، وهو موضوع كتاب أبو بكر محمد بن العبّاس الخوارزمي (الأمثال المولَّدة) بتحقيق وتقديم الدكتور محمد حسين الأعرجي، أستاذ اللغة العربية في جامعة آدم مسكيفيج ببولندة ،الذي بذل جهد كبيراً إضاءة النص بما يليق به من معرفة أدبية وعلمية واجتماعية فضلاً عن مهنية عالية في تحقيق النص تاريخيا ولغويا وتراثيا، ودعم متن النص بهوامش وصل عددها إلى (2219) هامش وهو عدد الأمثال التي أوردها الخوارزمي، وأشغل عليها براعته في الجمع والتحليل والتبويب والاسناد.

* سفر وترحال

* ولد أبو بكر الخوارزمي في سنة 323 هجرية، أصله من طبرستان، ومولده ومنشأه في خوارزم كما يرجح المحقق للكتاب ذلك، وكان يُلّقب نفسه بالطبري مرة، وبالطبري الخوارزمي مرة أخرى، ومع أن بعض محبيه أطلق عليه لقب (طبَّرْخَزِي)، لكن يبقى الخوارزمي هو اللقب الأشهر له. برع الخوارزمي بالنحو واللغة والشعر وكانت هذه العلوم والمعارف عدته طيلة أيام حياته، وبلغت علومه بأحول الناس شأنها الكبير، وكتابه هذا مؤشر على ذلك، بل بلغ من معرفته بها ما راح يحير الناس من أقرانه العلماء وهو الأمر الذي جعله حجة وإماما. غادر بغداد قبل عام 246 هجرية على ما يخمن الدكتور الأعرجي.. متجها إلى (حلب)، وهناك التقى سيف الدولة وجمع من العلماء مثل: ابن خالويه، وأبي الحسن الشمشاطي، والمتنبي، وغيرهم، وبعدها غادر إلى (بُخارى)، ثم رحل إلى نيسابور التي تركت في نفسه أبلغ الأثر، وبعدها رحل إلى سجستان سنة 353 هجرية، وعاد إلى نيسابور بعد ثلاثة أعوام وعاد إليها من جديد، وهكذا كانت حياته عُرضة للسفر والترحال والسجون، والقلق والاضطراب حتى وفاته عام 383 هجرية.

* محنة المعرفة

* في مقدمته للكتاب يشكو (الخوارزمي) بعض أهل العلم في عصره من استشراء الجهل والاستعراضية في تداول العلم والمعارف، يقول في هذا الصدد: أصبح الأدب بالشغب والمصايحة، وجلس في كل زاوية عالم لم يَعلمْ، ومُفهَّمٌ لم يفهم، يتسلل من العلم لواذا، ويداخل أهل الحقائق بالمخاريق، ويسبحُ في أودية الدعوى بكف الباطل، فإن طُلبَ ببرهان تترَّسَ بالعربدة، وإن سُئل عن شيء تأخّر وتشاغل بالمعارضة. إن هذه الشكوى دعت الخوارزمي إلى تأليف الكتاب للفصل فيما غمُض على الناس، لكنه يؤكد من جهة مصادر تأليف هذا الكتاب الذي للناس وما يتداولون من علم ومعرفة الدور الكبير في وضع مادته، يقول الخوارزمي: إن كتابه أُلتقط من أفواه الشُّطار والعياريين، وجمع من مجالي المغنين والمضحكين، وروي من البمَّ والزير، وحصل في أثناء البرابط والمزامير، وسمع أكثر ما فيه من السؤال والسابلة، وتلقف من كلام الظرفاء والصوفية، ويضيف في صفحة أخرى من المقدمة: إنما غايتنا في هذه الأمثال أن نلتقطها من أفواه الكتاب في الدواوين، والتجار في الأسواق، والغرباء في الأسفار، والخُلعاء في مجالس الطرب، والمتكلمين في مجالس الجدل، والشعراء في مواضع المبادهة والمناداة، والملوك في مجالس الخلوة والمنادمة; لما رأيناها في المحافل أجول، وبالقلوب أعلق، وبالوقت أليق. إلى جانب ذلك، يحدد الخوارزمي أسماء العلماء المسلمين الذين نقل ونهلَ عنهم وقال:إنْ طالبتنا، ويقصد القارئ، في أسانيد هذا الكتاب (فنقول إنّا رجعنا) إلى الحسن البصري برواية المُزنيّ، وإلى القُرضيُ والسَّدوسي سماعا، وإلى الشعر برواية الأصمعي والضبي، وغيرهم من علماء الأمة, أما ما يتعلق بعنوان الكتاب فيقول: لما كان الشأن هذا الشأن، والزمان هذا الزمان، وضعت هذا الكتاب، وجمعتُ فيه أمثالاً استحدثها مُولّدو العصر، وأُنْشاء الزمان، وأبناء الدولة العباسية من أهل بغداد وغيرها من العراق ودمشق وذواتها من الحجاز، وهذه الأمثال قريبة إلى الفهم، وعذبة على اللسان، ومقبولة في القلب، لا يجهلها العامة، ولا يتكبَّر عنها الخاصة. ما يعني أن الصفة المحمولة على الأمثال، أي كلمة (المولَّدة) >بتشديد اللام المفتوحة* كما وردت في عنوان الكتاب تشير إلى الأمثال التي استحدثها الناس في زمان الخوارزمي وهو زمن الدولة العباسية التي شاع فيها الإبداع في فنون الأدب كافة.

* المؤلف: أبو بكر الخوارزمي.

* المحقق: أ.د محمد حسين الأعرجي/ عراقي.

* الناشر: المجمع الثقافي/ أبوظبي ـ الإمارات.

* السنة والطبعة: ط1، 2003، ص: 628 متوسط.