حياة النساء في كابول بعد السنوات السوداء

كتاب جديد يكرم نصف المجتمع الذي راح ضحية الطالبان ويؤسس لدراسة جادة لواقعها ومستقبلها

TT

من قال ان التصوير ممنوع في هذا المستشفى؟ ان الامر كان كذلك تحت حكم الطالبان. تفضلا.. تفضلا.. يمكنكما القيام بتحقيقكما والتحدث الى النساء الافغانيات. كلمات نقرأها في الصفحة الاولى من كتاب متميز صدر اخيرا عن منشورات اليونسكو والمنظمة غير الحكومية «اينا» بعنوان «حميميات افغانية» حياة النساء في كابول بعد السنوات السوداء وتعنى «اينا» التي اسسها المصور رضا عام 2001 مع فوج من الشباب المولع بعالم الاتصال بكل ما من شأنه تطوير وسائل الاعلام المستقلة والثقافة الافغانية وفي هذا الاطار نشر الكتاب لدعم المجلة الافغانية النسائية «ملالي» والصحافيات العاملات في منظمة «اينا» وبرامج اليونسكو الخاصة بمساعدة النساء الافغانيات.

في مقدمة الكتاب التي حررها محمد زهير عزيز السفير والممثل الدائم لافغانستان في اليونسكو نكتشف الخصوصية المبدئية للمقاربة الصحافية والفنية التي مكنت الاعلامية والرحالة الفرنسية انا نواك ريفيار والمصورة والرسامة الافغانية روشاناك بهرملو من التواصل مع التحول التاريخي الذي عرفته افغانستان اثر سقوط نظام الطالبان المتخلف.

واستندت صاحبتا المقاربة المزدوجة المذكورة على الصورة والكلمة المعبرتين في آنٍ عن واقع الألم الذي عرفته النساء الافغانيات قبل تحررهن من قبضة الطالبان وواقع الامل المشرع على انسانيتهن وحقهن في المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية لبناء افغانستان الجديدة المواكبة للعصر. تجسدت الخصوصية التي اشاد بها السفير الافغاني انها تعبر عن تكريم غير مسبوق للنساء الافغانيات في صور وتعاليق صحافية مهنية ناطقة بكافة اشكال المعاناة والضيق والقصور والخضوع لسلطة الرجل والتغييب الاجتماعي الجزء الاول ـ وفي عدد غير قليل من صور الفجر الجديد المرادف للفرح والانعتاق والمساواة المرجوة والاحلام الممكنة ـ الجزء الثاني ـ وجاءت التعاليق الصحافية المنشورة الى جانب الصور واللوحات الفنية المعبرة والموحية حافلة بمعلومات رصدت المسار السوسيولوجي والتاريخي للتحول الذي عرفته حياة المرأة الافغانية، الامر الذي اعطى للكتاب طابعا فكريا جادا وفوت الفرصة على من كانوا ينتظرون معالجة فلكلورية لواقع المرأة الافغانية. تضمن الجزء الاول صور خمسة اعوام من التهميش الاجتماعي الذي عرفته المرأة الافغانية ايام حكم الطالبان باسم الاسلام وتمثلت اساسا في منع الطالبان المرأة من العمل وفرض لباس التشادري الازرق اللون داخل وخارج البيت ـ صورة ركوبها دراجة نارية وراء الرجل ـ ومعاقبة اللواتي لا يحترمن اوامر الطالبان وانفراد الرجل بالقرار العائلي واضطرار الاطفال والبنات الصغار للعمل لسد رمق العيش في ظل منع المرأة عن العمل حتى في حال وفاة زوجها اثناء الحرب الاهلية ومحاولة بعض النساء الجريئات على تعليم البنات الصغار سريا بتشجيع من بعض الرجال غير الراضين على حكم الطالبان وقيام المرأة الافغانية بكل انواع العمل المنزلي الشاق وغير الشاق في بيوت تفتقد لابسط شروط الحياة العادية وفي ظل انقطاع الماء والكهرباء في الكثير من الاحيان ـ صور عمل النساء والبنات في بيوت اقرب في شكلها الى الخراب وتحويل الحجارة الى سرير رضيع ـ من الصور الشاعرية القوية والعاكسة لشجاعة ولإيمان المرأة الافغانية ولروحها المرحة على الرغم من تعسف وظلم الطالبان.. حفاظ النساء المسنات على ابتسامة امل الغد الافضل الذي سيأتي لا محال ومزاح المرأة الفقيرة مع ابنها وهي تضعه على سرير الحجارة وتجمع افراد العائلة في جلسة حميمية حول فناجين الشاي واستقبال الضيوف ودعوتهم على العشاء: «عار على الذي يترك ضيفه يذهب دون اقتسام العشاء معه وخروج المراهقات خفية على الطالبان في نزه خاطفة تقودهن الى البرك قصد الترويح عن النفس والتراشق بالماء طلبا للانشراح وهروبا من جحيم المنزل القاسي الفاقد لشروط السعادة».

في الجزء الثاني من الكتاب الموثق بالصورة والكلمة والاحساس الانساني غير المكتوب والمطل على الاشراقة التي طالت.. نقف عند صور التحرر من حكم الطالبان ونرى المرأة الافغانية الجديدة المتابعة لبرامج التلفزيون وللمسلسلات الهندية والايرانية والالمانية والروسية رفقة ابنها المبهور بالصندوق الساحر، ونعايش مسلسل الاحتفال بعيد ميلاد احدى الفتيات المراهقات في جو من البهجة المطلقة والرقص على ايقاع الاغاني الافغانية بحضور احد الاقرباء الجالس في الغرفة المحاذية دون عقدة وخشية. الفتيات المراهقات العائدات من المنفى شكلن وقفات قوية في البوم صور العهد التحرري الجديد وهن الفتيات اللواتي اصبحن قادرات على التعبير عن غرامهن على طريقة ابطال المسلسلات الهندية والتزين بأحمر الشفاه والزواج بلباس يكشف عن الرأس وبرجل يعبر لها عن حبه بنظرة عاطفية ويمشي بجنبها وليس امامها. المرأة الافغانية في المستشفى عاملة كطبيبة وممرضة وغير مرتدية التشادري الذي يغطي كل الجسم.. حقيقة اخرى من حقائق الانعتاق التي حفل بها الجزء الثاني من الكتاب، ولعل صورة الممرضة الحاملة لرضيع جاء الى الدنيا بعد انهيار حكم الطالبان تعد اكثر الصور تعبيرا عن تاريخ استعادة المرأة الافغانية لانسانيتها التي اغتصبت باسم قراءة بدائية للاسلام. استمر مسلسل صور العهد التحرري الجديد من خلال عودة المرأة الافغانية الى مقاعد الدراسة بعد ان كان التعليم محرما عليها اثناء حكم الطالبان، علما بأن 75 في المائة من النساء الافغانيات اميات وقليلات هن اللواتي كان لهن حظ مزاولة التعليم، خاصة بعد اندلاع الحرب الاهلية ووصول الطالبان الى الحكم.

منذ العام الماضي.. اصبح بامكان الفتيات الافغانيات الذهاب الى المدرسة ـ 30 في المائة الى يومنا هذا ـ والى الجامعة لدراسة الفنون التشكيلية في كابول جنبا الى جنب مع الطلبة المتحضرين وليس الطالبان المتخلفين. من كان يصدق؟.

* حميميات افغانية: حياة النساء في كابول بعد السنوات السوداء

* تحرير: محمد زهير عزيز

* الناشر: اليونيسكو