النشاشيبي يكتب «عودة الأشباح» و «قبل أن يزول الأقصى»

TT

صدر للكاتب والصحافي ناصر الدين النشاشيبي كتابان جديدان ضما بين دفتيهما جانبا واسعا من تجربة الكاتب في المجالين السياسي والصحافي.

الاول حمل عنوان «عودة الاشباح»، وهو عنوان يوحي بعمل روائي فجائعي. ولكن منذ قراءة السطر الاول من المقدمة ينحسر الانطباع الروائي عن الكتاب، دون ان ينحسر معه الانطباع الفجائعي. ففصول الكتاب او مقالاته هي غوص في بحور السياسة العربية المتلاطمة على امتداد ما يزيد عن نصف قرن، وهي سياسة كانت وما زالت فجائعية في منطلقاتها وصعودها وهبوطها.

وفي مقدمة الكتاب يروي النشاشيبي قصته مع الاشباح، التي تخرج من الاطار الشخصي الى الاطار العام فيقول: مضت سنوات طويلة من عمري وما زلت اعيش في دوامة الاشباح!! انها دوامة ـ تكسر الظهر ـ مليئة بالشجن والالم، حيث تعود الذكريات الماضية فتلهب العقل والقلب والعصب وتدفع المرء الى الصمت احيانا والى البكاء احيانا، والى الاثنين معاً في معظم الاحيان!! وقد تسنى لي في سنوات ما مضى وانقضى من عمري ان اعرف او ان اتعرف الى المئات من القادة والزعماء والادباء والفنانين حتى وصلت الى مرحلة تشبه خريف العمر، وحيث لن اعرف وقد لا اتعرف بعد اليوم الى اكثر ممن عرفت او تعرفت اليهم بالامس! ان اكتساب الجديد من صداقة الناس او حتى معرفتهم تحتاج الى التنقل والسفر والصحة والشباب والارادة، وكلها نعم من عند الله التي لم اعد املك منها الا القليل! لقد تحولت شخصيا الى مجرد صدى لما اصاب غيري من احداث! واصبحت كلما رحل عن هذه الدنيا واحد من اصدقاء الامس انتابني شعور وكأنني فقدت بعض نفسي او بعض ما تبقى من عمري، خاصة وقد ترك لي الكثيرون من هؤلاء الناس الكثير من بصمات افكارهم او من صور مواقفهم او من خطوات عملهم، مع الكثير من نبض ذكائهم وآرائهم وفلسفة حياتهم! لقد رأيتهم كالاشباح يظهرون امامي في مختلف ساعات الليل والنهار، بل وقد سمعتهم بوضوح الصدى يتكلمون ويعاتبون ويسخرون ويتساءلون إن كنت ما زلت معهم على الود القديم او ان دولاب الحياة بآلامها واهوالها قد اصاب ذلك الود بالصدأ والقدم، بحيث لم يعد عندي ما يجب علي ان اكتب عنه من ذكريات واحاديث، وان التراب الذي ضم رفات غيري قد ضم معه ذخيرة ذكرياتي ودفنها مع ضعفها او ضم فوقها مشاعر المعرفة مع كل ما اصابها من هوان وخراب! وكنت ـ يشهد الله ـ على قرار مع نفسي ان ألبي اصوات تلك الاشباح، وان اعود الى الكتابة عمن لم اذكره حتى اليوم في مؤلفاتي او مقالاتي او حتى في احاديثي عبر الاذاعات والفضائيات، لولا مجيء الاعوام التي انتقلت فيها الى ممارسة حياة العذاب والموت مع انتقالي الى القدس والاستسلام الى سعير العيش في القلق والخطر والانفجارات، ثم متابعة اوهام النصر القادمة في احاديث القادة و«الزعماء» ومعاناة الاخبار القادمة ـ او المتسللة ـ من وراء خطوط الهدنة عن الوان العذاب الذي يعيش معه اهلي واصدقائي في معظم انحاء وطنهم الضائع وانتفاضتهم المضمخة بدم الشهيد!! تسألني لماذا القدس؟ واجيب ببيت واحد من الشعر، نقلته لي وكتبته بخط يدها صديقتي الشاعرة الملهمة فدوى طوقان في قولها لي:

وقد تعشق الارض التي لم يطب بها هواء ولا ماء ولكنها وطن! في تلك السنوات كان غيري من بعض الاهل والمواطنين يمارس واجب الدفاع عن بلدي، وكنت معه او معهم انزف دما!! ان القريب من المأتم اشد شعورا به من اهله، وان اهل الفقيد هم وحدهم المعذبون بعد ان يمضي الفقيد الى لقاء ربه! واهل البلد، يتحسرون على ضياع كل شبر من ارض بلدهم ويبكون على كل شاب او طفل يضيع قبل ان يتحسر عليه سواهم.

لقد عشت عشر سنوات طوال وأنا اردد سؤالا واحدا، ولا يكاد يسمعني فيه احد، ولا يجيبني عنه احد وبقي السؤال يطرق رأسي كقطعة من حجارة القدس الزهرية الحمراء قائلا: اين البقية الباقية من المليار مسلم في انحاء الارض؟ ولماذا لا نسمع لهم رأيا ولا كلمة حول انين القدس وعذاب اهلها؟ لماذا يبقى التبرع في الحديث عن آهات القدس وجراحها من بعض «التجار» الذين لا علاقة لهم بالقدس الا على سبيل المتاجرة بالقدس وبأهلها؟! ومما زاد الطين بلة ـ كما يقال ـ ما جرى لي على يد حكام مصر، او ما عانيت وتحملت من اضطهاد حكام مصر لي ومدى عدائهم وحقدهم عليّ شخصيا! ولعل انور السادات كتب في وصيته بوجوب حرماني من دخول مصر ومصادرة كل ما كنت املك فيها من شقة او اثاث او سيارات او اموال او كتب بسبب معارضتي لاتفاقية النحس المسماة «كامب ديفيد» ونشر كتابي عن الموضوع، وكان عنوانه «صلاة بلا مؤذن»، وكنت اعني بالتحديد تلك الصلاة التي اداها انور السادات في المسجد الاقصى المبارك يوم وصوله الى القدس للالتقاء مع اليهود! وبالرغم من عشرات المحاولات التي قمت بها كي احصل على تأشيرة دخول رسمية الى مصر، الا ان وصية السادات بقيت اقوى من كل شيء! وما زلت اذكر ان صديقي الموسيقار محمد عبد الوهاب قد توسط لي للدخول الى بلده، وبلدي، ولكنه فشل! وقبله كثيرون، وفي مقدمتهم زميلي الراحل علي حمدي الجمال والوزير المصري سيد مرعي وغيرهما كالراحل مصطفى امين وعلي امين وإحسان عبد القدوس ومحمد التابعي.

اما في كتابه الثاني الذي حمل عنوان «قبل أن يزول الأقصى»، فيسلط النشاشيبي في مقالاته المتنوعة الاضواء على شخصيات واحداث تمحورت جميعها على قضية فلسطين والقدس.

حملت فصول الكتاب العناوين التالية:

رحلة العمر الى ارض القداسات والمقدسات، الملك عبد العزيز آل سعود ـ دراسة تاريخية، المرحلة الفاصلة في حياة الملك عبد العزيز، عبد العزيز آل سعود، عروس اسمها جدة، الرياض: مدينة الرجال وملكة الصحراء، عودة الذكريات ـ تركيا بلا سلاطين ولا اسلام، من يحكم القدس ـ رؤساء صغار لمدينة كبيرة، والبقية تأتي، الغزو عند ساحة الحرم الشريف، حاضرنا ما زال في نكبة، فلماذا البكاء على الاطلال؟ خذوا الحكمة من أفواه المجانين!، شيخ السفراء العرب، مع الملوك.. والرؤساء، قصة العلاقة «الخاصة» بين أبو عبد الله الهاشمي وابو عديّ العراقي!، رسالة صاحب الجلالة الهاشمية الملك الحسين المعظم الى صدام حسين، من قتل الامم المتحدة، ورثاء زميل كبير.. أم تذكير بالنكبات والضربات؟. الكتابان صدرا عن دار «أخبار البلد».

* عودة الأشباح ـ قبل أن يزول الأقصى

* المؤلف: ناصر الدين النشاشيبي

* الناشر: دار «أخبار البلد» ـ القدس