حضور كبير للرحلة المغربية كمنطلق وغياب لها كموئل في ندوة متخصصة

مشروع «ارتياد الآفاق» يعلن خلال الندوة عن مشاريع ضخمة تهم استكمال نشر 100 رحلة وتأسيس مكتبة جغرافية عربية كبرى

TT

عرفت ندوة «الرحالة العرب والمسلمون: اكتشاف الآخر، المغرب منطلقا وموئلا»، التي نظمتها على مدى أربعة أيام ( 14، 15، 16 و17 نوفمبر/تشرين الثاني) بالرباط وزارة الثقافة المغربية ومشروع «ارتياد الآفاق» بأبو ظبي الذي يرعاه محمد أحمد السويدي الأمين العام للمجمع الثقافي بأبو ظبي وصاحب «دار السويدي»، وذلك في اطار الاحتفاء بالرباط عاصمة للثقافة العربية لعام 2003، حضورا هاما للعديد من الباحثين العرب والمغاربة المتخصصين في جنس الرحلة الذين قدموا مقاربات هامة ومداخلات مبنية على أسئلة معرفية وعلمية وعلى ضوء مفاهيم حديثة تتجاوز المفاهيم التقليدية المتعارف عليها لدى بعض الدارسين القدامى لهذا الجنس الأدبي وقد عرفت هذه الندوة أيضا تتويج مجموعة من الباحثين المغاربة الذين تميزوا في هذا المجال ببحوثهم وتحقيقاتهم الهامة لمجموعة من الرحلات المغربية، حيث فاز ثلاثة باحثين مغاربة وهم: محمد بوكبوط وسعيد فاضلي وعبد الرحيم مودن الى جانب الشاعر العماني محمد الحارثي بجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي في دورتها الأولى لعام 2003، وهي جائزة تدخل في اطار مشروع «ارتياد الآفاق» وتمنحها سنويا «دار السويدي» لأفضل الأعمال المحققة في أدب الرحلة والمؤلفات الجغرافية العربية والاسلامية قديما ووسيطا وحديثا ولأفصل كتاب جديد في الرحلة المعاصرة. وقد اختار مشروع «ارتياد الآفاق» المغرب كمنطلق لندواته ولتسليم جوائزة، وذلك على اعتبار أن المغرب ـ كما أشار الشاعر السوري نوري الجراح المشرف على هذا المشروع في افتتاح هذه الندوة ـ له أهمية مميزة جغرافيا من حيث قربه من أوروبا وريادة أبنائه في انتاج نصوص الرحلة وانتاج الخطابات المتعلقة بهذا الجنس الأدبي الذي لعب فيه المغرب دورا أساسيا وشكل نقطة لقاء متقدمة مع الغرب في تأسيس أدب السفر الى الآخر وريادة الرحلة الى المشرق العربي من خلال أعلام كابن بطوطة والعبدري وابن جبير والعياشي وغيرهم.

وقد خرج المشاركون في هذه الندوة، التي نظمت في أفق السنة الدولية لابن بطوطة التي أقرتها منظمة اليونسكو بناء على طلب من المغرب عام 2004 بمناسبة المائة السابعة لميلاد هذا الرحالة الطنجي الشهير، بمجموعة من التوصيات أبرزها: الدعوة الى تعميق البحث في أدب الرحلة عن طريق مساءلة المتن الرحلي وعقد جلسات تتجاوز المفهوم التقليدي للرحلة، بحيث تشمل الروبورطاج والاستطلاع والتقرير والمذكرات وغيرها، وتشجيع البحث في بنية الرحلة الشاملة وتجنيسها ومقاربتها في ضوء النقد الأدبي وتاريخ الفكر والتاريخ بشكل يجعل التحاور بين هاته التخصصات أداة للوصول لرؤية شاملة لهذا النوع من الكتابة. ثم الدعوة الى مقاربة الرحلة في ضوء مفاهيم ما بعد الحداثة وتخصيص حيز هام للمقارنة بين مضامين الرحلات المشرقية والرحلات الغربية. وبالاضافة الى هاته التوصيات فقد تم خلال هذه الندوة الاعلان عن مجموعة من المشاريع الضخمة التي يسهر على اعدادها مشروع «ارتياد الآفاق» بأبو ظبي، ومن أهم هذه المشاريع: تأسيس مكتبة جغرافية عربية كبرى، واستكمال نشر المائة رحلة التي شرع في نشرها هذا المشروع، واعداد سلاسل هامة تهتم بالتعريف بهذا الأدب الجغرافي.

فعلى امتداد ست جلسات قدم المشاركون في هذه الندوة مجموعة من المقاربات لجنس الرحلة من خلال المحاور التالية: محور «الأنا والآخر: اكتشاف وإعادة تقويم»، و«الأنا والآخر: رؤى وصور»، و«جغرافيا الآخر: أصداء ومسح»، و«المغرب منطلقا وموئلا»، و«الرحلة العربية: المدهش والغريب»، ثم محور «الرحلة العربية: سؤال التحديث والاصلاح»، استطاع معهم المتلقي التجوال في بقاع العالم والتمتع بالرحلة العربية وبما رصدته عين الرحالة العربي المسلم في رحلاته التي كان لها الدور الكبير في تفتق الذهن العربي وفي انفتاحه على الآخر على الرغم من اختلاف عقيدته وعاداته عن الانسان العربي المسلم. وإذا كان الرحالة العرب المسلمون قد جابوا فيما قبل الآفاق فإن العالم الآن قد تغير ـ كما أشار محمد الأشعري وزير الثقافة المغربي في افتتاح هذه الندوة ـ حيث أضحى «تنقل الرأسمال والسلع أهم من تنقل الإنسان والرأسمال الإنساني»، كما أنه في الوقت الذي وصلت فيه مخطوطات إلى الضفة الأخرى نشهد حاليا مأساة قوارب تغرق في المتوسط. ،عبر عن أسفه في أن «تكون السحنة العربية أكثر من يعاني من ذلك».

ومن هذا المنطلق أيضا اعتبر محمد أحمد السويدي الأمين العام للمجمع الثقافي بأبوظبي وراعي مشروع «ارتياد الآفاق»، أن هذه الندوة فيها نوع من النداء للآخر وللذات العربية من أجل إعادة النظر في إقامة علائق ثقافية جديدة. وما العودة الى جنس الرحلة الآن ـ كما أشار السويدي ـ إلا لكونه علامة بارزة في الثقافة العالمية التي استفادت منه بشكل كبير، وذلك بهدف استجلاء نظرة العربي لنفسه وللآخرين التي نحن في أمس الحاجة اليها الآن.

فإذا كانت مجمل المداخلات قد قدمت جوانب مهمة من أدب الرحلة أشاد بها الكل، فإنها حسب بعض المشاركين وعلى رأسهم الدكتور محمد بنشريفة قد أغفلت جوانب أساسية من محور الندوة التي كان من المفروض أن تتطرق للمغرب كمنطلق وموئل للرحلة، ولكنها ركزت على المنطلق ولم تتحدث عن المغرب كموئل لعدد من الرحلات المشرقية الى المغرب على الرغم من قلتها. كما أبدى العديد من المشارمين في الندوة مجموعة من الملاحظات المنهجية التي تتعلق بطريقة تناول المتن الرحلي وتصنيفه، حيث دعا الكاتب المغربي بنسالم حميش الى ضرورة إعداد صنافة جديدة للرحلات العربية والاسلامية وأشار أن رحلة ابن بطوطة لم تكن رحلة ورع وتقوى أو رحلات حجية كما عتبرها الدكتور عبد الهادي التازي بل هي رحلة بوصلتها أساسا هي الشهوة والتقوى لأن اهتمام ابن بطوطة ـ برأيه ـ بالمرأة كان منبثقا من خصوصية ذاتية حكمت الرجل. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» ذكر الباحث المغربي شعيب حليفي الذي صدر له أخيرا كتاب بعنوان «الرحلة في الأدب العربي» أن الندوة قد توفقت في ثلاث نواحي: أولا في كونها جمعت العديد من التخصصات في العلوم الانسانية والباحثين في النص الرحلي على المستوى الأدبي والتاريخي والانطروبولوجي. وثانيا في كونها طرحت أسئلة معرفية وعلمية رصينة توزعت على مداخلات شملت العديد من المحاور والمفاصل وشيدت لسؤالين هامين هما: سؤال المعرفة والحداثة والتركيز على الآخر. أما المنحى الثالث فقد أكدت فيه الندوة على علميتها من خلال اصدار كتاب يضم أشغال الندوة وكتب أخرى موازية له شملت الكتب الفائزة بجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي لعام 2003، وبعض أهم الرحلات العربية المحققة التي وصلت مائتي كتاب والتي خصص لها معرض خاص برواق محمد الفاسي بوزارة الثقافة المغربية. هذا الى جانب معرص في 100 صورة بعنوان «على خطى ابن بطوطة» للفنان العماني بدر النعماني، ومعرض كاليغرافي للفنان السوري منير الشعراني بعنوان «رحلة مع الخط العربي: قل سيروا في الأرض».

وللاشارة فقد شارك في هذه الندوة حوالي ثلاثين باحثا من المشرق والمغرب وهم: أحمد اليابوري، سعيد بنسعيد العلوي، عبد النبي ذاكر، شعيب حليفي، بنسالم حميش، محمد رزوق، عبد الهادي التازي، محمد مفتاح، سليمان القرشي، عز المغرب معنينو، الحسن عبد الجليل شاهد، عبد العزيز بن عبد الله، محمد الظريف، خالد بن الصغير، محمد بوكبوط، سعيد فاضلي، عبد رحيم مودن، حسن جلاب وعبد الكريم جويطي. ومحمد لطفي اليوسفي من تونس، شاكر لعيبي من العراق، علي كنعان وقاسم محمد وهب من سورية، أحمد مختار العبادي من مصر، محمد ولد عبدي من موريتانيا ومحسن خالد من السودان.