يوميات كويتية أثناء الغزو العراقي

ليلى العثمان تروي سيرة الواقع بملامحه الاجتماعية

TT

«يوميات الصبر والمر» أو «مقطع من سيرة الواقع» هو عنوان كتاب جديد للروائية والأديبة الكويتية ليلى العثمان. وفي هذا الكتاب الذي انتهت من تدوينه، وما يزال الرئيس العراقي صدّام حسين في السلطة، والكويتيون تشوب قلوبهم وجفات هلع من تكرار مغامرة الغزو المجنونة لمرة جديدة، نقع على ما يشبه مذكرات يومية للكاتبة تقول انها كانت قد سجلت تفاصيلها، أثناء الاجتياح، بأساليب ترميزية ومع ذلك حارت كيف تخفيها خشية الجنود العراقيين. وتروي الكاتبة تجربتها قائلة: «حين كنت أشعر بضغط شديد للكتابة كنت أسجل رؤوس أقلام، وأحاول ان تكون برموز غير واضحة إلا لي أنا، واستخدمت كذلك طريقة الكتابة من الشمال إلى اليمين. كانت مجرد هذه القصاصات ترعبني فما ان تبدأ الإشارات من البيوت القريبة ان الجنود بدأوا يفتشون حتى أصاب بحالة هلع شديد». وأهمية كتاب كهذا تنبع من ملامحه التأريخية للاجتماعي المعاش ـ وهو ما لا يقصده عادة الأدباء لكنهم ينجزونه في بعض أعمالهم وصيغته شبه التوثيقية. فهو يسجل لتفاصيل حياة عائلة كويتية (عائلة الكاتبة ومن هم في محيطها) منذ بدء الغزو وحتى خروج الجيش العراقي من الكويت مصطحباً معه الأسرى الذين التقطهم من أمام أبواب المساجد أو في الشوارع. ومن خلال هكذا يوميات يفهم القارئ ما كان يدور في الكويت، وكيف عاش الناس تلك المرحلة، التي غطت عليها البيانات والتصريحات والتحركات الدبلوماسية، اما المعاش، وطبيعة احتكاك الكويتيين بالجنود، وما كان يحدث في الأسواق والمحال التجارية وخلف النوافذ وأسوار البيوت فقد بقي في عهدة الذاكرة. ومن مثير ما يحكيه الكتاب ان وفداً عراقياً كان قد زار الكويت، كما زار مدناً عربية أخرى لدعوة المثقفين والكتاب للمشاركة في أنشطة مهرجان المربد، قبل أقل من شهر واحد على الغزو. وهنا تروى ليلى العثمان كيف ان مشاعر المثقفين الكويتيين كانت قد تعبأت غيظاً من نظام صدام، مما يجعل قبول الدعوات أمراً غير مقبول.

لكل مقطع صغير من الكتاب عنوان وأحياناً تاريخ. والعناوين تحترم، قدر الممكن، العامل الزمني في تطور الأحداث ليبدو مسلسل الغزو متكاملاً من أوله إلى نهايته، والعائلة تعيش مغامراتها المتلاحقة، وكأنما ثمة كارثة تتربص بها. كان لا بد، للتأقلم مع الواقع الجديد من تغيير الاستعدادات المنزلية وإخفاء الأعلام الكويتية والصور، ومواراة كل أثر لانتماء لوطن اسمه الكويت، قد يجر أحد أفراد المنزل إلى الموت أو الأسر أو في أحسن الحالات الضرب. حياة ما قبل الغزو ليست كما بعده، وتعتبر ليلى العثمان ان كتابتها هذه هي نوع من الرفض والاحتجاج، ومحاولة دائبة للفصل بين ما ارتكبه صدام من أخطاء أساءت للعلاقات الأخوية العراقية الكويتية والعروبة باعتبارها جامعاً شاملاً لا بد من حمايته والدفاع عنه. ولذلك فإن ليلى العثمان تفتتح كتابها بما أسمته برقية عاجلة: «إلى كل أصدقائي في أنحاء العالم، أعلمكم انه اليوم في الثاني من أغسطس 1990 قام النظام العراقي «العربي» باحتلال بلدي الكويت «العربي» وأنه بقسوة أباح القتل والدمار. فإذا متّ بأيديهم «العربية» فأرجوكم: لا تلعنوا العروبة ولا العرب إلعنوا فقط الأنظمة الظالمة لشعوبها وللشعوب الأخرى».

* يوميات الصبر والمر ـ مقطع من سيرة الواقع

* المؤلفة: ليلى العثمان